* (الحَجّ على المستوى الفردي رحلة إيمانية)؛ فيها يؤكد المسلم عبوديته لله عزّ وجَل؛ وذلك بأدائه للركن الخامس من أركان الإسلام، وهو مدرسة تربوية في الصبر والإيثار وحُبِّ الآخرين والتعاون معهم، كما أنّ الحَاجّ قد يعود من حَجِّه -بإذن الله-، وهو براء من ذنوبه كَيوْمِ ولدته أمّه، كما يؤكد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (مَن حج فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)، تلك الرحلة الخالدة يعيشها مَن استطاع من المسلمين إليها سبيلاً. * والحَجّ رحلة ترسم للعَالَم أجمع بكل وضوح (إنسانية الإسلام)؛ ففيها التأكيد بأنّه دِيْن عَدل ومساواة وتعارف وتراحم بين الناس، وإنْ اختلفت جنسياتهم وأعراقهم وانتماءاتهم وألسنتهم وألوانهم وبيئاتهم ومرجعياتهم الثقافية؛ فخلال أيامه ولياليه تطبيق ميداني لقوله عَزّ وجَل (إنما المؤمنون إخْوَة)؛ أخوة صادقة تذوب فيها كُلّ الفوارِق، لِتأتي الألفة والمحبة والتعاون، أخوة نابعة من القلب، تُنَفِذها طَوَاعِيَةً الجوارح؛ ف(الغَايَةُ والشعائر والتحركاتُ واحدة، واللباس واحد يحمل دلالات النقاء والتواضع، ولُغَة التَلْبِية والدعاء مشتركة بين الحَجيج كلهم، والمكان والزمان ظرفان يحتضنان الجميع في طمأنينة وسكون رغم الزِّحَام)، فلا فَرق بين إنسان وآخر إلا فيما يقدمه لنفسه بين يدي الله عز وجَل. * تلك المبادئ والمعاني الإنسانية الراقية، وتلك الطاقة الإيجابية التي تظهر في موسم الحجّ ما أحوج المسلمين اليوم إلى تعميمها في مجتمعاتهم عبر برامج توعوية وتربوية تهتم بالتطبيق بعيداً عن المواعظ والتنظير؛ لتوَحّدهم بعيداً عن تلك الصِرَاعات الفكرية والطائفية والمذهبية والسياسية التي أصبحت اليوم أدوات لِتَفْتِيْتِهم. * أيضاً تلك القِيَم الرائعة التي يزرعها الحَجّ في النفوس فيها الردّ البليغ على حملات التشويه التي تطال الإسلام، والتي تتهمهُ وأَهْلَه -ظلماً وبهتاناً- بالعنف والإرهاب والتطرف وإقصاء الآخَر؛ ولذا أتمنى أن تعمل كُبريات وسائل الإعلام الإسلامية على تسويق (صورة الحَجّ الفريدة)، وما تحمله من قِيم ورسائل نبيلة لتصل بوضوح للعَالَم الخارجي؛ ليعرف عدالة الإسلام وإنسانيته وتسامحه، وقدرته العجيبة على استيعاب الثقافات، وتوحيد الصفوف؛ فما يبثه الإعلام الدولي عن الحَجِّ روتيني؛ فهو مجرد تغطيات شكلية، لا تتوقف عند تلك المعاني والقيم الإنسانية.