كتبَ الله الحج على عباده مرة في العمر للمستطيع، كما قال - تعالى -: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، وفي الحج من الحِكم والأسرار والمقاصد ما يفوق الوصف، فهو مؤتمر عالمي يلتقي فيه أبناء الأمة بكل طبقاتهم وأعراقهم وأجناسهم وألوانهم ولغاتهم، يعبدون رباً واحداً، ويعتنقون ديناً واحداً، ويتبعون رسولاً واحداً، ويقفون على صعيد واحد.. ولا شك أن وراء ذلك حِكماً وأسراراً ومقاصد في الحج.. عددٌ من أصحاب الفضيلة تحدثوا عن ذلك.. فماذا قالوا؟! الصبر والسكينة بداية يبيّن الدكتور سليمان بن صالح الغصن أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بالرياض أن من مقاصد الحج وحكمه إقامة ذكر الله - تعالى - وإعلان توحيده وتعظيم شعائره كما قال الله - تعالى -: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}، وقال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (32) سورة الحج، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله في الأرض)، وكذلك تأكيد تميز الحج في الإسلام عن مظاهر الجاهلية في كثير من شعائره ومواطنه، ومن أعظم ذلك صيغة التلبية التي أكدت تفرد الرب - تعالى - بالعبادة والملك، وتحقيق معنى الطاعة والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بأداء الحج بأركانه وواجباته، كما أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، والتعويد على حسن الخُلق من خلال ترويض النفس على الصبر والرفق والسكينة والبذل والإيثار وترك الجدال، إضافة إلى تهيئة النفس للتوبة من المعاصي وتجديد الحياة بالإقبال على طاعة الله - تعالى - وأداء حقوقه، وفي الحديث: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، وكذلك زيادة الإيمان بالتزود من موجبات التقوى كما قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}، وتحقيق مظاهر الإخاء والتضامن الإسلامي في ذلك اللقاء العالمي السنوي الذي فيه تذوب، وتتلاشى الميزات والفوارق الدنيوية من مال وجنس ووطن ومنصب ولغة؛ لينضوي الجميع تحت شعار الإسلام، تتجلى فيه وحدتهم في التلبية واللباس والزمان والمكان والشعائر، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة أيام التشريق: (إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى). حِكَم الحج وأسراره أما د.فهد بن مبارك الوهبي وكيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية للشؤون التعليمية بجامعة طيبة فقال: من أسماء الله - سبحانه - (الحكيم) وهو - جل وعلا - لا يأمر، ولا ينهى إلا لحكمة يعلمها - سبحانه - وقد يطلع عليها من يشاء من عباده، ومن أعظم العبادات التي أمر الله - سبحانه - بها وأوجبها على جميع المسلمين المستطيعين عبادة الحج، قال تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، ولا شك أن هذا الأمر منه - سبحانه - يتضمن حِكَماً عظيمة يمكن بيان بعضها كما يأتي: 1 - إظهار توحيد الله - سبحانه - وإفراده بالعبادة: فالحج من أعظم العبادات التي يظهر فيها التوحيد بدءاً بالتلبية لله - سبحانه - وحده بقول الحاج: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك) ومروراً بالطواف حول البيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة، ودعاء الله - سبحانه - وحده لا شريك له في جميع مواطن الحج، فكل ما هنالك مذكر بتوحيد الله سبحانه وإفراده بالعبادة دون سواه، والاقتداء بأبينا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - الذي قال الله - تعالى - فيه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. 2 - تذكير العباد بأن التفاضل بينهم إنما هو بالتقوى والقرب من الله - سبحانه -: فلا تمايز في الحج بالجنس أو اللون أو المال أو الجاه، فالجميع محرمون بذات الثياب متنقلون بين مشاعر الحج لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى كما قال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وقد جاء في سياق آيات الحج قوله - تعالى -: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}. 3 - التربية على حسن الأخلاق: ففي الحج يلتقي المسلمون في مكان واحد وصعيد واحد، وقد حث الله - سبحانه - على التزام مكارم الأخلاق في الحج والبعد عن سيئها، قال - تعالى -: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}. 4 - التذكير بهداية الله - سبحانه - العباد للإسلام ونجاتهم من الكفر والضلال: فقد قال الله - سبحانه - وتعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ}، وتذكر المسلم نعمة الإسلام والهداية مقصود قرآني كما قال - تعالى -: {كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ}. 5 - إظهار ذكر الله - سبحانه - والإكثار منه، وتعويد المسلم على التزام ذكره سبحانه: ففي الحج يكثر العباد من ذكر الله - تعالى - بالتلبية والتكبير، وقد قال - تعالى -: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ}.. وقال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ}، وقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، وقال تعالى: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}. 6 - تعظيم شعائر الله وأداء حق الله - سبحانه - على العباد بعبادته، وقد قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} فرؤية البيت العتيق ومشاعر الحج مذكرة بالله - سبحانه - ووجوب عبادته وأداء حقه - تعالى - وتعظيم تلك الشعائر من تعظيم الله تعالى قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}. وحكم الحج وأسراره كثيرة عظيمة يجدها كل قاصد للبيت العتيق مخلصاً لله سبحانه في حجه وعبادته. أتموا الحج والعمرة ويوضح د. خالد بن عبد الرحمن القريشي عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الدعوية أن من أعظم أسرار الحج ومقاصده تحقيق قول الله - تعالى -: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}، وذلك بإقامة التوحيد، وتحقيقه في القلب، وذلك يظهر من خلال شعائر الحج وأركانه وواجباته وسننه، فالنية والتلبية والطواف والسعي ورمي الجمار والتكبير والتهليل والتحميد كلها تحقق التوحيد، وتبنيه في القلوب تعظيماً لله وتذللاً له، وإقامة ذكر الله وتعويد اللسان عليه، وهذا ظاهر في الحج وغيرِه من العبادات، بل هو محور الدين الحنيف، وهو أعظم المقاصد: فقد أمر الله به عباده فقال عز وجل: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}، وقال سبحانه: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}، وقال - تعالى -: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، بل ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الطواف بالكعبة وبين الصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله، عز وجل»، كما أن من حكمه ومقاصده في سائر الجسد التخلُّق بالأخلاق الحميدة والأفعال الكريمة ففي الحج تعويد للنفس على الصبر، والحلم، والسخاء، والعفة، والتواضع، والتسامح، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. الشعائر والعبادات وتشير الدكتورة نورة بنت عبد الرحمن الخضير أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن: إن الله شرع الشعائر والعبادات لحكم عظيمة، ومصالح عديدة، ولكل عبادة في الإسلام حكم بالغة يظهر بعضها بالنص عليها، أو بتدبر آيات المولى - سبحانه وتعالى -، وقد يخفى بعضها إلا على المتأملين الموفقين في الفهم والاستنباط ذوي العقول والألباب المتفكرة. ) والحكمة في العبادات هي تزكية النفوس وتطهيرها، والسمو بها إلى أعلى الدرجات، وترويضها على الفضائل، وتطهيرها من النقائص، وتصفيتها من المنغصات، وتحريرها من عبودية الشهوات، وإعدادها للخضوع لمالك الخلائق، وتقريبها للملأ الأعلى. وفي كل فريضة من فرائص الإسلام امتحان لإيمان المسلم، وعقله، وإرادته. وتبيّن د. نورة الخضير أن للحج أسرارًا بديعة، وحكماً متعددة، وبركات كثيرة، ومنافع مشهودة ومعروفة وملحوظة سواء على مستوى الفرد أو الأمة.. فمن أسرار الحج ومنافعه ما يلي: 1 - تحقيق العبودية والخضوع والتسليم للخالق سبحانه: فكمال المخلوق في تحقيق العبودية لربه، وكلما ازداد العبد تسليماً وخضوعاً لها ازداد قربه من خالقه، وعلت درجته. وفي الحج يتجلى هذا المعنى غاية التجلي؛ ففي الحج تذلل وخضوع لله، وانكسار بين يديه؛ وتسلياً له بتأدية أركان الحج وواجباته ومسنوناته، فالحاج يخرج من ملاذ الدنيا ملتجئاً إلى ربه، تاركاً ماله وأهله ووطنه، متجرداً من ثيابه، معتصماً بهدي نبيه مردداً غايته وطلبه وبغيته وهو طاعة أمر ربه دونما إكراه أو تردد, وهذا غاية الخضوع والتذلل. 2 - ومن حِكَم الحج: تأصيل قضية التوحيد في النفوس وتأكيدها: فالحج يرتكز على تجريد النية لله - تعالى - وإرادته بالعمل دون سواه، قال - تعالى - :{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}.. وقال - عز وجل- في ثنايا آيات الحج: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} وفي التلبية جاء إفراد الله صريحاً: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)) ففي الحج يقرب العبد من ربه لأن غايته توحيد الله وطلب رضاه. 3 - ومن حكم الحج الهجرة لله، وترك القريب والبعيد والأهل والوطن، وإيثار تلبية دعوة الرحمن، فيحس بطعم الهجرة لله. 4 - ويساعد الحج على التوبة الخالصة الصدوق، ويهذب النفس، ويرقق المشاعر ويهيج العواطف ويربط العبد بخالقه. 5 - ومن حكم الحج وفوائده: الإكثار من ذكر الله - تعالى - فالمتأمل في شعائر الحج من تلبية وتكبير وتهليل ودعاء وطواف وسعي ورمي، يجد أن الإكثار من ذكر الله تعالى من أبرز حكم الحج وغاياته، ولعل من تلك النصوص قوله تعالى: {فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}. 6 - ومن حكم الحج المغفرة من الذنوب: كما في الحديث في لفظ الترمذي: «غُفر له ما تَقدم من ذنبه».. وهذه المغفرة هي أحد أهم تلك المنافع التي يرجع بها الحاجُّ نقيّاً متخففاً من أثقال الذنوب كما كان يومَ ولادته، إلا حقوق الناس، فلا بد من إرجاعها أو المسامحة. 7 - تذكر الآخرة وأهوالها، لما في الحج من تزاحم وتلاطم وارتفاع في الأصوات وخوف وبكاء ووجل ودعاء، وتجرد من الزينة واللباس ومشقة وتعب وانتظار لرحمة الله - تعالى -. 8 - يعلم الانضباط والتزام الأوامر، فكل شعيرة في وقتها لا تتأخر عنه، ولا تتقدم، ولا تزيد ولا تنقص, فهذا هو عين الانضباط والانقياد. 9 - كذلك من أبرز أسرار الحج وحكمه: أنه يربي العبد على تعظيم شعائر الله وحرماته، وإجلالها ومحبتها، والتحرج من المساس بها أو هتكها قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}. 10 - ومن حِكَم الحج أيضاً: التربية على الأخلاق الحسنة والخلال الحميدة، ومن ذلك: العفة، وكظم الغيظ، وترك الجدال والمخاصمة قال - تعالى -: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، والرفث هو الجماع ودواعيه من القول والفعل، كذلك يربي على التواضع ونكران الذات، واللين والسكينة، والبذل والسخاء... إلخ. 11 - ومن حِكَم الحج: أنه يعمق الأخوة الإيمانية، والوحدة الإسلامية، فالحجاج يجتمعون على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وأوطانهم وأعراقهم في مكان واحد، وزمان واحد، ومظهر واحد، فيكون ذلك دافعاً لهم إلى التعارف والتعاون، والتناصح، وتبادل الخبرات والتجارب، والتفكير، ومشجعاً لهم للقيام بأمر هذا الدين الذي جمعهم، والعمل على الرفع من شأنه. 12 - إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم: تذوب أيضاً الفوارق العرقية واللُّغَوية واللونية، ويختلط الناس رغم تفاوت الطبقات الاجتماعية التي ينتمون إليها؛ كما أعلن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع: «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.. كلكم لآدم وآدم من تراب». 13 - التعارف والتواصل والتعاون: فيلقى المسلم إخوانه في الدين يسمع أخبارهم مشافهة غير محرَّفة، فيفرح لإنجازاتهم ويحزن لمصابهم ويفيدهم بما عنده ويستفيد منهم في كل الشؤون التربوية والعلمية والحضارية والعسكرية والسياسية والمالية.. فَهُم أمة واحدة كالجسد الواحد. 14 - التقشف والتخفف من الكماليات: في رحلة شبيهة بنشاط كشفي بعيد عن الرفاهية، في أجواء صحراوية قاسية، لا عطر ولا زينة، ولا حَلْقَ لشعر، ولا زواجَ (رفث) ولا صَيدَ... فهو درس جديد لاستكمال تحقيق «الأهداف التربوية» التي أّسَّس لها «درسُ» الصيام والزكاة. 15 - يمحص الحج عن مستوى الأخلاق في الإيثار، وأن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، فلا يزحمه، ولا يتقدم عليه، ويقدم له العون على حسب حاجته، ويفسح له. 16 - الحج مدرسة في الصبر والاحتساب والتغلب على هوى النفس وحبها للركون والدعة والراحة, ففيه من المشاق ومكابدة للحر والزحام والجوع والعطش والتعب. 17 - للحج أثره في نفس المؤمن في السؤال لأهل العلم من أجل تتبع سنة نبينا صلى الله عليه وسلم والعمل بها. 18 - فيه تربية للمسلم في علو الهمة، والنظر إلى أعلى المراتب، فالكل يتسابق على إكمال الشعائر والحصول على الكمال؛ ليحصل له القبول، ولا يقنعه إلا الكثير من تتبع الأركان والواجبات والسنن. 19 - فيه تربية على قوة التحمل في مواصلة الشعائر وتحمل الجسم لأمر لم يتعود عليه فيعطيه قوة ومرونة على سرعة الحركة والقدرة على التنقل. ) أخيراً فإن من حكم الحج: تلك المنافع الأخرى الدنيوية والأخروية، الفردية والجماعية التي تجل عن الحصر، ويدل عليها تنكير المنافع وإبهامها في قوله عز وجل: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}.