حَادَتْ جامعات سعودية عن المعهود وأصبحت تَتَبَنَّى اللغة الإنجليزية كلغةً رسمية لها، ولم يكن ينتهج هذا النهج -فيما مضى- إلا جامعة واحدة، فبدا الأمرُ هينًا التغاضي عنه، إلا أنهم في الآونة الأخيرة ما انْفَكُّوا يتكاثرون عددًا، وَمَا فَتِئَ تكاثرهم يشكل خطرًا على هويتنا الوطنية، فاللغة الإنجليزية هي لغة المراسلات، والأوامر، والتوجيهات، والتوصيات، ومحاضر الجلسات، وهي لغة الاجتماعات الرسمية، وإن كنت ستحار يومًا فستحار دهرًا وأنت تبحث عن تفسيرات منطقية لعقد اجتماعاتهم باللغة الإنجليزية، وجميع أطراف طاولة الاجتماع من العرب الأصيلين، حتى غدا سؤالاً خَانِقًا، ضَاغِطًا، جَاثِيًا على صدورنا، يبحث عن إجاباتٍ مقنعات لعلاقة تلك الممارسات بالتقدم العلمي، والتطور التقني، والنهوض بأوطاننا. والأدهى والأنكى من ذلك كله أن ساسة تلك الجامعات لا يَتَسَتَّرونَ على قناعاتهم بأفضليتهم الثقافية والإدارية على سائر الجامعات، ولعلك لا تدري أَنْطَلَقُوا إلى تلك القناعات من اتخاذهم للإنجليزية لغة رسمية أم من عقد اجتماعاتهم باللغة الإنجليزية المُكَسّرَةِ، والمؤلم عدم إدراكهم أن تلك الممارسات لا تكون إلا في جامعات بعض الدول الإفريقية ممن أناخ الاستعمارُ على مصائرها دهرًا، فأفقدها عنوان ذاتيتها، وفرض لُغَتَهُ عليها. إن سلمنا بما أسلفناه واقعًا مؤلمًا لبعض جامعاتنا فالأحرى بساسة التعليم في بلادنا العمل على ردعهم -بالقانون أو بالتوعية- عن تلك الممارسات الخاطئة، والتي من شأنها تفتيت هويتنا، وتشويه صورة الوطن، وزعزعة أركان الانتماء، والحد من الصلاحيات الاستقلالية لتلك الجامعات، وإلزامهم بالقوانين الوطنية والتي تنص صراحة على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وعلى وجوب أن تكون لغة المراسلات، والتقارير، والتوجيهات، والعقود داخل الدوائر والشركات الحكومية والخاصة. فلا شيء في الحياة أسوأ من أن ترى المرء بزيه الوطني، وبين أبناء وطنه يَتَنَكَّرُ للغته الوطنية، ويَتَحَذْلَقُ الألفاظَ الأجنبية في زهوٍ واعتزاز مُنْتَشِيًا بها.