تصدّر الممثل فولوديمير زلنسكي الذي يفتقر إلى الخبرة السياسية، بفارق كبير نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، ما يضعه في موقع قوة أمام الرئيس المنتهية ولايته بترو بوروشنكو، في ظلّ جو انعدام ثقة الأوكرانيين بالطبقة السياسية التقليدية الغارقة بفضائح الفساد. وفيما شكّل ترشحه مفاجأة، تمكّن زلنسكي، الممثل ورجل الأعمال البالغ من العمر 41 عاماً، والذي تقتصر خبرته السياسية على تأدية دور رئيس جمهورية في مسلسل تلفزيوني، من تخطّي التوقعات بالنتيجة التي حققها. ويؤشر ذلك إلى سأم الأوكرانيين من الطبقة السياسية التقليدية بعد سنوات من الصعوبات الاقتصادية الكبيرة وتكرار فضائح الفساد. ورغم تشكيك منتقديه ببرنامجه الانتخابي وقدرته على أن يحكم بلداً يعيش في حالة حرب وفي ظلّ توترات بين روسيا والغرب، نجح الرجل بتحقيق نسبة 30,4% من الأصوات الأحد، بحسب نتائج نشرتها اللجنة الانتخابية بعد فرز 74% من صناديق الاقتراع. ويتقدّم زلنسكي بذلك بفارق كبير على الرئيس المنتهية ولايته بترو بوروشنكو (53 عاماً) الذي نال نسبة 16,1% من الأصوات. وحققت رئيسة الوزراء السابقة يوليا تموشنكو (58 عاماً) التي تصدّرت استطلاعات الرأي في بداية الحملة الانتخابية نسبة 13,2%، ما يعني استبعادها من المنافسة. وكانت تموشنكو رفضت مساء الأحد تلك النتائج التي اعتبرتها "غير نزيهة"، وأعلنت فوزها بالمركز الثاني وتحدثت عن "تلاعب"، ممهدة لاعتراضات واضحة على حصيلة هذه الانتخابات في بلد عرف ثورتين منذ نيله استقلاله قبل 28 عاماً. وأكدت الشرطة تلقيها أكثر من 2100 شكوى عن مخالفات مفترضة، معظمها غير خطرة. وقالت رئيسة الهيئة الانتخابية تاتيانا سلباتشوك إن "التصويت جرى بدون مخالفات منهجية". وتعدّ أوكرانيا، البلد الواقع على أبواب الاتحاد الأوروبي والبالغ عدد سكانه 45 مليون نسمة، أكثر البلدان فقراً في أوروبا. ورغم ابتعادها عن روسيا وتحولها بحزم نحو الغرب، تمر حالياً بأسوأ أزمة منذ استقلالها عام 1991. وأعقب وصول الموالين للغرب إلى السلطة عام 2014، ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، واندلع نزاع في شرق البلاد مع الانفصاليين أسفر حتى الآن عن 13 ألف قتيل. وكمرشح خارج عن المألوف، لم يخض زلنسكي حملة اعتيادية، مفضلاً تأدية فقرات كوميدية مع فرقته وإطلاق مواقفه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدل الصحف والقنوات التلفزيونية. وفيما يرى فيه مؤيدوه وجهاً جديداً في المشهد السياسي الجامد، يتهمه البعض بأنه دمية بيد الأوليغارشي السيئ السمعة إيغور كولومويسكي، عدو بوروشنكو، وهو ما ينفيه زلنسكي. ورحّب زلنسكي بالنتيجة من مقرّه حملته الرئيسي قائلاً "إنها ليست سوى خطوة أولى نحو انتصار كبير"، متابعاً "هذه البداية فقط، لن نتراجع". ورغم تأييده، كما منافسه بوروشنكو، مواصلة المسار الموالي للغرب الذي اتخذته أوكرانيا قبل خمس سنوات، يعتبر زلنسكي أن إجراء حوار مع روسيا أمر لا مفر منه. ويتحدّث الممثّل غالباً معظم الوقت باللغة الروسية الحاضرة في الحياة اليومية الأوكرانية، لكنه لم يثر في حملته مسائل الهوية التي ينقسم عليها الأوكرانيون منذ الاستقلال، ما سمح له بتحقيق نتائج مرتفعة في المناطق التي يتحدّث سكانها بالروسية. وأعلن الكرملين الاثنين أنه يأمل "عدم فوز حزب الحرب لكن حزباً يبحث عن تسوية تدريجية وحقيقية للوضع في جنوب شرق أوكرانيا"، في إشارةٍ إلى أن الكرملين يفضّل زلنسكي على الرئيس المنتهية ولايته. وبحسب المحلل في مركز "ديموكراسي هاوس" في كييف أناتولي أوتيسيوك، فإن الممثل "سيفوز"، معتبرا أن النتيجة هي "ردة فعل على فضائح الفساد واحتجاج ضدّ النخبة القديمة". وأكدت ليودميلا من منطقة زابيريجيا والتي صوتت لزلنسكي "لا نرغب برؤية متقاعدين في السلطة". لكن بالنسبة لبافلو بويكو الذي يعيش في كييف، فإن "زلنسكي ليس رجل سياسة"، مضيفاً "لا أحد يعرف ما الذي سيحصل. لا أعتقد أن تغييرات راديكالية ستحصل، بل سندخل في فوضى". ويعطى لبوروشنكو الفضل في تقريب بلاده من الغرب وإنعاش جيش كان يتهاوى وإطلاق إصلاحات اقتصادية، لكنه يتهم بتقاعسه في محاربة الفساد، القضية الرئيسية في الانتفاضة الشعبية التي أوصلته إلى السلطة قبل خمس سنوات. وأقرّ بوروشنكو بأنه "ليس مبتهجاً"، مضيفاً "إنه درس قاس لي". وشكر بوروشنكو الناخبين الذين "دعموا التوجه نحو حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي واستقلالا نهائيا عن روسيا".