إنّ التقدّم المؤقّت الذي قد تشهده منظومة العمل التي تتبنّى نهج «الإدارة بالخوف» لا يعني سلامة ذلك النهج، وقد يكون لذلك التقدّم أسبابٌ أخرى. ولأنّ الاستمرار في تَبنّي ذلك النهج يقود على المدى البعيد إلى فشل منظومة العمل، فقد تخلّت عنه شركات كُبرى مثل فورد وميكروسوفت وأكسنتشر. تتطوّر علاقة الموظّف بالعمل، في بيئة العمل الصحية، من مجرّد الارتباط الوظيفي إلى الرضا الوظيفي ثم الولاء الوظيفي وصولاً إلى تفاني الموظّف في سبيل تحقيق مصلحة منظومة العمل. إنّ حُبّ العمل يُحفّز الموظّفين للإبداع والابتكار، كلٌ حسب إمكانياته. بينما سيطرة مشاعر الخوف، من العقاب أو من غيره، تكبح جماح المبادرة وتجعل الموظّف يحرص فقط على أداء الواجب. بيئة العمل المتميّزة تحفّز أيضاً التقارب المكاني بين المنسوبين، إلى جانب التعاون والتعامل الحسن. ففي حين تعمَد الإدارات «التقليديّة» إلى الفصل بين الموظفين في مكاتب مغلقة، إلى درجة تخصيص أدوار أو مبانٍ مستقلّة للقياديين بعيداً عن باقي الموظفين، فإنّ شركة جوجل، صاحبة الإبداعات المُتجدّدة، تحرص على تحفيز العمل الجماعي، دون الفصل حسب المرتبة والمنصب، لإيجاد بيئة عمل يستمتع فيها الموظفون بقضاء ساعات طويلة في العمل والإبداع والابتكار. ومعروفٌ أنّ العاملين في شركة جوجل يشعرون بأعلى مُعدّل من حُبّ العمل مقارنة بالعاملين في أي شركة أخرى. تتميّز مساحات عمل الموظفين أو «المكاتب» في «بيئة» جوجل بتصاميمها غير التقليدية حيث تتوزّع على المناطق المفتوحة في أرجاء المبنى (رُبّما لذلك علاقة بالفكر المُتفتّح والمُنفتح!). أثبتت دراسة علميّة بأن الإنتاجية ترتفع بنسبة 15% في بيئات العمل التي تشجّع على التعاون بين الزملاء. إنّ رب العمل، أو المدير، الذي يحاول السيطرة على موظفّيه من خلال الراتب والمقابل المادّي فقط لن يحصل منهم على مثل ما يجنيه ذلك «القيادي» الذي يُحفّز العاملين ويُنمّي لديهم روح الانتماء وحُب العمل للسير نحو هدف مشترك. وأياً كان المقصود من قول بيزوس: «أذكّر موظفينا باستمرار بأن يكونوا خائفين وأن يستيقظوا كل صباح مرعوبين»، فإنّه حريٌ بنا أن نتبنّى الكَلِمَةً الطَيِّبَةً في تعاملاتنا الإدارية، والحياتية كافةً، لتُثمر {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} ونسترشد في حُسن التعامل والفوز بقلوب الناس بهدي خير قائدٍ عرفته البشريّة عليه أفضل الصلاة والتسليم [إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ] وأنّه [مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ]، ونتذكّر القول المنسوب إلى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه (القلوب وحشيّة فمن تألّفها أقبلت عليه)، ولنحرص على تحقيق النفع للجميع وتفادي إلحاق الضرر بأيٍ كان لتُفلح أعمالنا وتزدهر وتكون من {مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}. وكيل وزارة الحج والعمرة لشؤون نقل الحجاج والمعتمرين