روى لي الأستاذ أنيس منصور، كيف أجهد علماء مجمع اللغة العربية أنفسهم، في ابتكار كلمة بديلًا لكلمة التليفزيون أو التلفاز، وكيف أنهم رأوا في المجمع اللغوي أن أي تقنية تبدأ بكلمة tele تعني بعيد، أما كلمة vision فتعني رؤية، وانتهوا إلى أن التليفزيون بهذا المعنى يصبح جهاز لرؤية الصورة المرسلة عن بعد، وأنه يمكن أن يصبح اسمه (المرناه)!! وهو نفس ما فعلوه مع كلمة (كافتيريا) التي أصبحت بفضل المجمع اللغوي (مشهى)،أي مكان لتناول الشاي والقهوة. هل استخدم أحدكم كلمة المرناه في حياته اليومية؟! أعرف الإجابة، وأتحدى رجال المجمع اللغوي، إن كانوا هم أنفسهم يستخدمون تلك المفردات. أعرف بعض الأقارب ممن تأكلهم الغيرة على اللغة العربية، ويرون ضياعها ضياعًا للهوية، حاولوا أن يفرضوا على أطفالهم استخدام مفردات عربية شبه مهجورة عند التحدث، مثل كلمة (الاستقبال) بديلًا لكلمة (ريسبشن) أو (صالون) التي شاع استخدامها بين المصريين، لكنهم فشلوا، بعدما سألهم الأبناء: وماذا نقول عن الفيديو والإنترنت والفيس بوك؟! لا أعرف إن كانت المهمة الحضارية للعرب هي تعريب أسماء ما يبتكره سواهم من تقنيات، أم أن المهمة الغائبة، هي البحث العلمي لابتكار مفردات حضارية جديدة، تحمل ثقافة ولغة من ابتكروها، كما فعل الحسن ابن الهيثم رائد علم البصريات قبل ألف عام، عندما أرسى مبادئ اختراع آلة التصوير (القمرة). هذه القمرة أصبحت لاحقًا (الكاميرا)، على أيدي مَن قاموا بتطويرها في الغرب، فلم يهتموا بتطوير اسمها، وإنما بتطوير ورفع كفاءتها. العالم يُطوِّر نفسه داخل المختبرات، ويُنتج للدنيا مفردات جديدة، لم يكن للبشر علم بها، أما نحن فنسعى للتطوير داخل المجمع اللغوي، الذي يجتمع دهاقنته لإطلاق أسماء عربية على تقنيات لم يبتدعها العرب. انحسار الحضور العلمي والحضاري العربي على مدى نحو ألف عام، ينبغي أن يتوقف، وإلا قادنا الاستمرار فيه، والاكتفاء بدور المستخدم (user) إلى الدخول في طور الانقراض الحضاري أو الخروج من التاريخ. على مستوى التطور الاجتماعي ما يزال أغلب العرب يعيشون عصر الإقطاع الذي غادرته أوروبا قبل أكثر من أربعمائة عام، بكل تداعيات سمات هذا العصر على سائر ملامح الحياة عندهم (ثقافيًا وعلميًا، ومعرفيًا، وحقوقيًا وسياسيًا)، الأمر الذي يثير مخاوف حقيقية بشأن مستقبل العرب، فيما يتأهب العالم المتقدم في أمريكا وأوروبا والشرق الأقصى للتعاطي مع موجة جديدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وسط صراع حول شبكة الجيل الخامس من الهواتف الذكية، دخل طور تكسير العظام بعد إلقاء القبض في كندا على منج وانز هو نائبة رئيس شركة هواوي الصينية العملاقة، وهي ابنة مؤسس الشركة العملاقة، بتهمة ارتكاب مخالفات بشأن العقوبات ضد إيران. توشك تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتطبيقات الجديدة التي تتيحها شبكة الجيل الخامس للهواتف الذكية، أن تهز بقوة، الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في دول متقدمة في أوربا وأمريكا، بسبب تداعيات ذلك على سوق العمل، وعلى معدلات البطالة، وانعكاساته اللاحقة على الخيارات السياسية لناخبين باتت تُحرِّكهم المخاوف بأكثر مما تثيرهم الآمال، فما بالنا بانعكاسات تلك الثورة التقنية الجديدة على الحياة في الشرق الأوسط والعالم الثالث؟!. لديَّ مخاوف لها ما يبررها، بشأن مستقبل الأجيال الصاعدة، في منطقة تعيش حالة مزمنة من الانكفاء على الذات، بينما تتصاعد التحديات بفعل قوانين التطور، وتزداد عددًا، وحدّة. أتمنى على جامعة الدول العربية، ومراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية في المنطقة العربية، الاعتناء بدراسة توابع ثورة تقنيات الاتصال (الجيل الخامس)، وتأثيرات تقنيات الذكاء الاصطناعي على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة العربية. القادم صعب وشديد الوطأة ما لم نستعد مبكرًا لمواجهته.. لا تنتظروا أن يجتاحكم الذكاء الاصطناعي، اذهبوا إليه.