بيّنتُ في المقالة الماضية معاناة المتقاعدين وأسرهم في حياتهم، فماذا عن معاناة أسرهم بعد وفاتهم؟.. لقد استوقفني كثيرًا ما ورد في نظام التقاعد المدني بشأن المستفيدين عن صاحب المعاش الآتي: 1- ما جاء في المادة (24) من اقتطاع ربع المعاش؛ إذا كان عدد أفراد الأسرة الذين يُصرف لهم المعاش فردين، ونصفه إذا كان فردًا واحدًا، مع أنّ مصروف أسرة المتوفى واحتياجاتها والتزاماتها المادية لن تقل بوفاة رب الأسرة، فهي تعيش في ذات المنزل، واحتياجها لعاملة منزلية وسائق وعلاج من الضروريات، إضافة إلى أن بيت العائلة لا يخلو من تواجد الأولاد والأحفاد، فالأعباء المالية لن تقل إلى النصف إذا بقيت الزوجة بمفردها حتى تُقتطع هذه النسبة الكبيرة منه وهي كبيرة في السن وتحتاج إلى عاملة منزلية لرعاية شؤونها، وكلنا يعلم مدى ارتفاع رواتب العمالة وتكاليف استقدامها. منذ سنوات، اتصلت بي أرملة، وقالت: (هو موت وخراب ديار؟، كان راتب زوجي (12) ألف ريال، ورتَّبنا حياتنا على هذا الأساس، وفجأة تُوفي زوجي، فصُرف لي معاش أنا وابنتي (1000) ريال، بمعدّل كل واحدة منَّا (500) ريال، فكيف سنعيش؟، وإذا تزوَّجَت بنتي سيُصرف لي 500 ريال فقط؟). 2- المادة (25)، اعتبرت ابن وبنت الابن الذي توفي في حياة صاحب المعاش من مستحقي المعاش، ولم تعتبر في المقابل بنت وابن البنت التي توفيت في حياة صاحب المعاش من مستحقي المعاش، على اعتبار أنّ أباهما أو جدّهما لأبيهما يُنفقان عليهما، أو يُنفق عليهما من معاشهما، ولكنه لم يعتبر أنّ الابن المتوفى له معاش يُصرف منه على أولاده، وهذا تمييز ضد المرأة. 3- ما جاء في المادة (25): (وفيما عدا الزوجة والابن والبنت، فيشترط لاستحقاق الشخص أن يكون معتمداً في إعالته على صاحب المعاش عند وفاته)، فهذا النص يحرم الزوجة الموظفة من المعاش، كيف هذا؛ وهو ميراث عن الزوج، ولم يرد نص في آيات المواريث أنّ الزوجات الموظفات يسقط عنهن الميراث؟، في حين لو كان للمتوفى زوجة ثانية غير موظفة يُصرف لها نصيبها من المعاش، وفي هذا إجحاف لحق الزوجة الموظفة، وكأنّ هذه المادة تعفي الزوج من الإنفاق على زوجته الموظفة، مع أنّ الزوج ملزم بالإنفاق على زوجته حتى لو كانت غنية. وقد تكون الزوجة غير الموظفة مليونيرة، أو سيدة أعمال ولديها مشاريع، بينما قد تكون الزوجة الموظفة لا تملك سوى مرتبها الذي تقتطع منه المؤسسة العامة للتقاعد 9% شهريًا، كما أنّ هذا النص يحرم البنت الموظفة غير المتزوجة من معاش أبيها، مع أنَّ الأب مُلزم بالإنفاق على ابنته غير المتزوجة، حتى لو كانت موظفة، فهذه المادة تسلب من الزوجات والبنات والأخوات الموظفات حق الإنفاق عليهن إن كنّ موظفات! 4- ما جاء في المادة (26) من إسقاط حق فرد من أفراد الأسرة للزواج، أو العمل، عن باقي أفراد الأسرة، ويعود إلى صندوق المؤسسة العامة للتقاعد، فهذا النصيب يُعد إرثًا من حق الورثة، وليس من حق صندوق المؤسسة. 5- توجد عبارة خاطئة في المادة (27) ينبغي تعديلها، وهي: (اعتباراً من تاريخ عقد الزواج يوقف معاش الزوجة والبنت وبنت الابن والأخت إذا تزوجن، (والأم إذا تزوجت من غير والد المتوفى))، فالعبارة التي بين قوسين ينبغي حذفها، ليكون النص كالتالي: (اعتباراً من تاريخ عقد الزواج يوقف معاش الزوجة والأم والبنت وبنت الابن والأخت إذا تزوجن). هذه المواد المتعلقة بصرف معاش المتوفى على ورثته، الواردة في نظام التقاعد الصادر عام 1393ه، أي قبل (47) عامًا، وهي واردة بالنص في موقع المؤسسة العامة للتقاعد تحت عنوان: المستفيدون عن صاحب المعاش، ممّا يُؤكِّد عدم تعديل هذا النظام، رغم ارتفاع تكاليف المعيشة أضعاف ما كانت عليه قبل نصف قرن، إ ضافةً إلى ما ورد فيه من مخالفاتٍ شرعية، وأخطاء تستوجب تعديله، مما فاقم من معاناة أسر المتوفين من موظفي ومتقاعدي الدولة. وللحديث صلة.