كثيرةٌ هي البحوث والدراسات الاستقصائية التي تمّ تطبيقها في المجتمع الوظيفي بُغية الارتقاء ببيئة العمل وتنمية قُدْرات وأداء الموظفين، وحماية صحتهم البدنية والنفسية، ومنها دراسةٌ استقصائية حديثة أجرتها شركة (أكاونتيمبس) الأمريكية، أظهرتْ أن (74%) من الموظفين الأمريكيين اعترفوا بمعاناتهم من أعراض الإرهاق والإنهاك والنعاس خلال ساعات العمل بشكل مُتكرر. وفي بحثٍ استقصائي آخر في المجتمع الأمريكي، تبيَّن أن واحداً من كل خمسة أشخاص اعترفوا بأخذ غفوةٍ خلال العمل، وكانت نسبة النوم أثناء العمل أعلى لدى الموظفين في وظائف تقنيّة (70%)، كما وصلت إلى (68%) من الموظفين في أعمال البناء والإنشاءات، وحصل على نسبة (63%) الموظفون في القطاعات والإدارات الحكومية، ونسبة (52%) الموظفون في القطاعات الصحية، أما الموظفون في القطاع التعليمي، فنسبة (45%) منهم اعترفوا بالنوم خلال الدوام. من الضروري التعامل مع قضية النّعاس والحاجة للنوم خلال ساعات العمل بعقلية عِلْمية عَمَلية مُنفتحة، والاقتناع أن الشُّعور بالإعياء والإنهاك في أثنائها ليس بالضرورة نتيجة تكاسلِ أو تسيّب الموظّف، بل قد يكونُ نتيجةَ تراكم المسؤوليات غير المُبرّرة، وزيادة الضغوطات غير المهْنية، ودفع الموظف إلى مرحلة «الاحتراق الوظيفي»، كما من المهم مقابلة الموظّف بصفة مُنفردة، والتحدّث إليه، وتقديم المشورة له، ومناقشة عرضه على طبيب اختصاصي، للتحقق من بعض المُشكلات الصحية كاضطرابات الغدد الصمّاء ونقص الفيتامينات وحديد الدم، واضطرابات النوم كمرض النوم القهري، وانقطاع التنفس الانسدادي خلال النوم والأرق المزمن، فضلاً عن الإصابة باضطرابات المزاج، ومدى تأثيرِ العقاقير الدوائية المُتناولة في وعيه خلال النهار. كنتُ قد كتبتُ في هذه الصحيفة الغرّاء، مقالاً بعنوان «قيلولة تايم .. للموظّفين»، أشرتُ فيه إلى تقرير يفيد بأن (29%) من الموظفين يُقاومون نعاساً شديداً أو أنهم ينامون بالفعل في أثناء عملهم، واقترحتُ وضع تنظيمٍ إداري يُعطي الموظف خلال ساعاتِ عمله الطويلة فرصة «القيلولة» مدةً لا تزيد عن (45 دقيقة)، لتجديدِ نشاطه ورفعِ كفاءته، وبخاصة في وظائف تتطلب تركيزاً عالياً وذهناً صافياً وحرفيةً دقيقة، إذ من الثابت علمياً الأثر الإيجابي للغفوة القصيرة في تحسّن الذاكرة والنشاط والإنتاجية، والتخفيف من ضغوطات العمل على الصحّة والمزاج.