قال الرسول صلى الله عليه وسلم (سيجيء اقوام في آخر الزمان تكون وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين، أمثال الذئاب الضواري ليس في قلوبهم شيء من الرحمة، سفاكون للدماء لا يرعوون عن قبيح، إن تابعتهم واربوك وان تواريت عنهم اغتابوك وإن حدثوك كذبوك وإن ائتمنتهم خانوك..) (رواه الطبراني). بدأت الاستشهاد بهذا الحديث النبوي الشريف للدلالة على ما نمر به في هذا الزمن من خداع ونفاق وكذب وبيع ضمير، زمن شعاره الأول «ان لم تكن ذئباً اكلتك الذئاب» والغاية تبرر الوسيلة. وهذه المقولة نسمعها مرارًا من مختلف طبقات الناس، وهي تحمل مفهومًا خاطئا أن الحياة عبارة عن غابة، وأنها صراع بين القوي والضعيف، وعليك أن تكون ذئباً بين ذئاب الحياة حتى لا تؤكل، وألا تكون فريسة لتلك الذئاب، فلا مكان للضعفاء، ولا رحمة ولا قانون عند الأقوياء، فالحملان الوديعة تغري الذئاب بالاعتداء.. وقد يورد البعض تلك العبارة بقصد اليقظة، ولكن نبل القصد ينبغي ألا يجعلنا نستخدمها، وأولى أن نستخدم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) وقوله عليه الصلاة والسلام: (المؤمن كيِّس فطن). ولو تمثلنا بهذه العبارة ضد أعدائنا لكان الأمر أهون وأسهل، ولكن المؤسف أن نتمثل بها في مجتمعاتنا وضد بعضنا البعض، فالقاتل والسارق والمرتشي وجميع الخارجين على القانون يبررون أفعالهم القبيحة بمثل تلك العبارة، والتي يمكن أن ننظر إليها بمنظارين: الأول، منظار الفرد الذي يريد أن يحظى بما يستطيع من متاع الدنيا وبأية وسيلة كانت، فلا عجب لمثل هذا أن تكون هذه العبارة شعاره ومنهجه، أما الآخر: فمنظار الذي يريد أن يعيش حياة سوية، ملتزماً بهدي دينه، فينال من متاع الدنيا ما قسم الله له، ومثل هذا لا يمكن أن يكون ذئباً يسعى لافتراس غيره، وإنما ينهج نهج الملائكة الكرام، وينظر إلى القوة على أنها أداة لإحقاق الحق، ولا يظلم، وإنما يكون من حراس العدالة. ألا ما أحوجنا إلى العودة إلى الأخلاق الصادقة، وإلى أن نربي أجيالنا على المحبة والتسامح واحترام الآخرين، بعيداً عن لغة الصراع والعدوان، فسلوك المسلم السوي يكون وفق منهج الله، يقف مع المظلوم ضد ظالمه، ومع الضعيف ضد القوي، وهيهات أن يكون ذئباً يصول ويجول، فالدنيا رحلة مؤقتة وفي الآخرة قصاص عادل، والميزان فيها يزن بالذرة فما أعدله من ميزان! قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).