زميل دراسة ومهنة، أخ عزيز، طيب رقيق، بشوش بسّام لطيف، يئن ويضج ويعبس من مرضه كثيرون، وما فيه كثير أمراض وأعراض وآلام ثم لا يشتكي ولا يبالي، ولا يحس من يقابله بمعاناته، قلبه فاض برحمة وبر كاتمًا مرضه، فيرتاح جليسه معه، ويطمئن مريضه به من قبل أن يداويه، ما أجمل طلعته وأحلى كلماته وأعذب أسلوبه مع من عرف ومن لم يعرف، قدوة هو في محاسبة النفس وسرعة معاتبتها، وقد يحمل هم خطأ ليس منه لأنه كان حاضرًا وقت حصوله، اهتم بي وساعدني، وكانت زمالتنا أخوة والحمد لله، أما الذين علمهم وساعدهم ودربهم في مهنته الراقية فكثيرون كثيرون، له منهم ما يستحقه حقًا، له أجر مستمر آجالاً، فقد درّس وعلّم وبذل بأمانة وصدق وجهاد وتعب، أكثر كثيرًا مما يستطيعه غيره من أدعياء الشدة والصحة، وأكثر كثيرًا مما يطلب منه. وقرع قلبي وألجم جوارحي وحواسي ذهول وأسى، شل كياني رحيلك عن طلابك ومرضاك وزملائك وأحبائك أيها الجندي المجهول في الأرض المشهور في السماء، ذهبت ولم أودعك قبيل رحيلك، ليس جحوداً يعلم الله، وإنما اطمئناناً غبياً بالدنياً أني واجدك كلما اتصلت بك أو مررت عليك وأنك في انتظاري متى ضقتُ وكلّمتك لأسري عن نفسي وألقي بشكواي على قلبك مع معاناته الصامتة. أخي الطبيب الفذ والأستاذ العالم والإنسان المؤمن: نشهد لك بالخير عند من نوديت بعبادته القادر الرحيم. أخي عبدالقادر -وكفى باسمك تعريفا وشرفاً- كنا على مقاعد الدراسة معًا فلمَ تركتني؟ ليتك ما كتمت قرب رحيلك وليتني رافقتك فليس من مثلك بعدك إلا قليل. رحمك الله وأثابك، والحمد له على كل حال.