ما كدت أعود إلى أرض الوطن في نهاية شهر شعبان منهياً إجازة قصيرة في إحدى الدول الأوروبية، حتى فوجئت بخبر وفاة الأخ والزميل والصديق راشد الحمدان بعد مرض عضال عانى منه على مدى العامين المنصرمين، وفشلت كل محاولات الأطباء لإنقاذه من هذا الداء الذي سكن جسمه النحيل وتشبث به إلى أن وافاه القدر المحتوم. *** وما كان هذا الخبر، وتلك النهاية، لتمر على أحبائه دون أن تلامس مواقع الألم في نفوس كل منهم، حيث الحزن والشعور بالصدمة في غياب أحد أحب الناس وأقربهم إليهم، فيما كان الأمل بالله أن يتعافى مما كان يعاني منه وأن يعود إلى أهله ومحبيه صحيحاً وبمثل ما كان عليه. *** غير أن هذه آجالنا وأعمارنا وسنواتنا في هذه الحياة يكتبها ويقدرها ويملك ناصيتها خالقنا الذي يحيينا ويميتنا، وهو على كل شيء قدير، فلا راد لمشيئته وهو سبحانه وتعالى صاحب القول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}، فهذه الدنيا دار مرور لا دار استقرار وقرار. *** كان فقيدنا الشاعر والأديب والصحفي الرياضي ورجل التعليم ذا مواهب متعددة ونشاطات متنوعة، متفرداً في كل حقل عمل به أو مارس نشاطاً فيه، يميزه عن كثيرين غيره الجدية والإخلاص والطيبة التي لا حدود لها، مقرونة بالتزام ديني وأخلاقي لا يساوم عليها. *** ولم تكن له في حياته خصومات، أو تنازع على شيء مع غيره، وكان يتعامل مع الناس بالأسلوب الفكه، والعبارات المحببة لهم، ولا تغيب الفكاهة عن أحاديثه العذبة، بشوشاً ومبتسماً وضاحكاً حتى وهو يقضي تلك الأوقات الحرجة والصعبة في حياته، بما فيها الشهور والأيام التي كان يعلم جيداً عن دنو أجله وقرب وفاته، بحسب ما كانت تشير إليه تقارير وفحوصات الأطباء. *** وحين أقعده المرض وحال بينه وبين لقاء الأحبة، فقد طلب -رحمه الله- من أبنائه أن ينقلوا ما يستجد من معلومات عن حالته الصحية إلى من سماهم بالاسم من الأصدقاء والزملاء، وزاد على ذلك بأن طلب منهم أن يعرضوا عليهم رغبته الشخصية بأن يزوروه ليستعيد معهم جانباً من الذكريات، وقد كانت مبادرة أخوية تنم عن الوفاء والإخلاص منه واستجابة بفرح غامر من المحبين والأصدقاء والمقدرين لما كان عليه الراحل من قيمة أدبية وثقافية وإنسانية. *** وكان يمكن أن يكون راشد الحمدان أحد ألمع نجوم الأسلوب الساخر في الكتابة الصحفية، وبين أبرز الشعراء، وأحد أقلام الرعيل الأول في كتابة التحليل والنقد الرياضي بامتياز، غير أن طبيعة الراحل الكبير وتعدد مواهبه، وانصرافه إلى نشاطات أخرى كالزراعة ضمن اهتمامات كثيرة يجد نفسه مرتاحاً فيها، حالت دون أن يركز على ماكان يتميز به من مواهب ثقافية وفكرية ورياضية، ومع ذلك فقد ترك أعمالاً أدبية كثيرة أتمنى من أبنائه أن يقوموا بتجميعها وإصدارها في كتاب أو أكثر. *** لابد لي أخيراً أن أفخر بأن صحيفة الجزيرة كانت ساحة لكثير من إبداعات الفقيد، شعراً ونثراً، مقالة اجتماعية أو رياضية أو غيرها، وكان بحق أحد الأسماء الكبيرة التي لم تأخذ حقها من الأضواء، بل ولم تنل نشاطاته الكثيرة في كل الأطياف والألوان الثقافية ما أرى أنها تستحق أن تكون موضع اهتمام النقاد والدارسين، فلعلها تنال ذلك بعد رحيل هذا القلم مع صاحبه عن هذه الدنيا الفانية إلى دار الخلود.