يتنافس القائمون على البسطات الرمضانية في المنطقة التاريخية بمحافظة جدة، لجعل بسطاتهم الأجمل، والأروع، والأكثر جاذبية للزوار، في تقليدٍ اعتاد عليه ُسكان جدة منذ القدم، يتزامن في كل عام مع إطلالة شهر رمضان المبارك، مقدمين خلال هذه البسطات ما لذ وطاب من الأكلات الحجازية، أو الوجبات التي ارتبط تقديمها بالشهر الكريم. ويظل الفانوس وقطع القماش المزخرفة من أبرز عوامل الجذب التي يحرص أصحاب البسطات على تزيين بسطاتهم بها، إضافة إلى أزيائهم الشخصية التي دأبوا على ارتدائها ليكتمل عقد التميز بالعمة الحجازية والصديرية، و يقدمون أكلات ذائعة الصيت مثل الكبدة، والبليلة، والعصائر والمشروبات الشعبية الجداوية، ووسط هذه الأجواء «التأريخية» يشتعل التنافس بين أصحاب البسطات لاستقطاب الزبائن خلال المواويل والأهازيج الحجازية التى يرددها الصغار لجذب المتسوقين إلى بسطات ذويهم. «المدينة» التقت خلال جولة في مواقع البسطات عددا من الطهاة والباعة ورواد هذه المواقع من عشاق الأطباق الشعبية، والمتسوقين الذين يحرصون على أن لا يفوتوا الفرصة لتناول صحن كبدة شهي يعده أشهر الطهاة من ذوي الخبرة في هذا المجال. الخلطة السرية يقول الطاهي أبو عبدالله الذي يعمل في هذه المهنة منذ 15 عامًا: لدي زبائن دائمين اعتادوا كل عام في شهر رمضان على تذوق الكبدة التي تميزها خلطته السرية على حد تعبيره، وبين أن الإقبال على الكبدة يزداد بصورة لافته في شهر رمضان، فكثير من الناس يحرص على أن تكون الكبدة من الأطباق الرئيسية على مائدة الإفطار، مشيرًا إلى أن نوع الكبدة يختلف بحسب ذوق الزبائن، فمنهم من يميل إلى الكبدة (الحاشي)، وآخرين يفضلون كبدة (الأغنام)، ومنهم من يكتفي بالساندويتش كوجبة خفيفة وسريعة. فزعة لطلبات الزبائن البائع أبو خليل يقول بدوره: «إن للعمل في شهر رمضان نكهة خاصة وذكريات جميلة، ونستعد له مبكرًا من خلال تزيين البسطات بالفوانيس الرمضانية والديكورات المستوحاة من هذه المناسبة، وترتيب الأدوات المستخدمة في إعداد وتجهيز الكبدة، والتي تكون غالبًا بسيطة في مكوناتها»، وبين أن المردود المادي لبيع الكبدة في هذا الشهر الفضيل يرتفع بفضل الله، ثم بالكثافة التي يشهدها السوق كل عام في هذا التوقيت، ويعتمد ذلك على سرعة الإنجاز لكسب أكبر عدد من الزبائن مشيرًا إلى أنه استعان ببعض أصدقائه في الحي لمساعدته في تجهيز وتحضير الكبده لتسهيل عمله وتوفير الطلبات الكثيرة. أهازيج حجازية للترويج وعن مواعيد العمل يقول أبو خليل: عمل البسطات يبدأ من بعد صلاة التراويح بتجهيز الكبدة التي يتراوح سعر الكيلو لها من 35 إلى 40 ريالًا، وحتى ساعات الفجر الأولى يتسابق خلالها البائعين لجلب الزبائن لبسطاتهم كلا بطريقته، فمنهم من يصدح بالأهازيج الحجازية، ومنهم من يكتفي بإيقاع أدوات الطهي الخاصة به للفت انتباه المتسوقين مشيرا إلى أنه يبيع في فترة عمله ما يقارب من 40 إلى 50 صحنا موزعة ما بين الكبدة الجملي وكبدة الغنم إلى جانب بعض سندوتشات الكبدة التي يصل سعرها إلى 7 ريالات للواحد، وأضاف: ان التنافس بين البسطات والشوارع يكون بإطلاق العبارات التقليدية والمواويل التي يرددها الصغار لجذب الزوار للتذوق. الحنين إلى الماضى وفي إحدى الجلسات التقينا ب محمد العمري الذي اعتاد الحضور بصفة سنوية ليتناول طبق كبدة من أيدي أحد هؤلاء الطهاة، حيث قال إن الأجواء الرمضانية الجميلة تذكره بالماضي، ويعود السبب الحقيقي لها لحضوره بصفة مستمرة للاستمتاع بتناول صحن الكبدة.