يتنافس القائمون على البسطات الرمضانية في المنطقة التاريخية بمحافظة جدة المعروفة ب (البلد)، لجعل بسطاتهم الأجمل، والأروع، والأكثر جاذبية للزوار، في تقليدٍ اعتاد عليه ُسكان جدة منذ القدم، يتزامن في كل عام مع إطلالة شهر رمضان المبارك، مقدمين خلال هذه البسطات ما لذ وطاب من الأكلات الحجازية، أو الوجبات التي ارتبط تقديمها بالشهر الكريم. ويظل الفانوس وقطع القماش المزخرفة من أبرز عوامل الجذب التي يحرص أصحاب البسطات على تزيين بسطاتهم بها، إضافة إلى أزيائهم الشخصية التي دأبوا على ارتدائها ليكتمل عقد التميز بالعمة الحجازية والسديرية، يقدمون أكلات ذائعة الصيت مثل الكبدة، والبليلة، والعصائر والمشروبات الشعبية الجداوية. وكالة الأنباء السعودية جالت في المنطقة التاريخية، وسلطت الضوء على بسطات إعداد المأكولات، كالكبدة التي تنشط في هذه الأيام وتحظى بشعبية كبيرة بين الرواد والمتسوقين الذين يحرصون على أن لا يفوتوا الفرصة لتناول صحن كبدة شهي يعده أشهر الطهاة من ذوي الخبرة في هذا المجال. في إحدى البسطات كان لنا لقاء مع الطاهي أبو أحمد الذي يعمل في هذه المهنة منذ 20 عاماً، وأكد أن له زبائن دائمين اعتادوا كل عام في شهر رمضان على تذوق الكبدة التي تميزها خلطته السرية على حد تعبيره. وبين أن الإقبال على الكبدة يزداد بصورة لافته في شهر رمضان، فكثير من الناس يحرص على أن تكون الكبدة من الأطباق الرئيسية على مائدة الإفطار ، مشيراً إلى أن نوع الكبدة يختلف بحسب ذوق الزبائن، فمنهم من يميل إلى الكبدة الجملي (الحاشي)، وآخرين يفضلون كبدة (الأغنام)، ومنهم من يكتفي بالساندويتش كوجبة خفيفة وسريعة. البائع أبو سعيد يقول بدوره: «إن للعمل في شهر رمضان نكهة خاصة وذكريات جميلة، ونستعد له مبكراً من خلال تزيين البسطات بالفوانيس الرمضانية والديكورات المستوحاة من هذه المناسبة، وترتيب الأدوات المستخدمة في إعداد وتجهيز الكبدة، والتي تكون غالباً بسيطة في مكوناتها». وبين أن المردود المادي لبيع الكبدة في هذا الشهر الفضيل يرتفع بفضل الله، ثم بالكثافة التي يشهدها السوق كل عام في هذا التوقيت، ويعتمد ذلك على سرعة الإنجاز لكسب أكبر عدد من الزبائن, مشيراً إلى أنه قد استعان ببعض أصدقائه في الحي لمساعدته في تجهيز وتحضير الكبده لتسهيل عمله وتوفير الطلبات الكثيرة. من جانبه أوضح أبو سعيد أن عمل البسطات يبدأ من بعد صلاة التراويح بتهيز الكبدة التي يتراوح سعر الكيلو من 35 إلى 40 ريالاً، وحتى ساعات الفجر الأولى يتسابق خلالها البائعون لجلب الزبائن لبسطاتهم كلٌّ بطريقته، فمنهم من يصدح بالأهازيج الحجازية، ومنهم من يكتفي بإيقاع أدوات الطهي الخاصة به للفت انتباه المتسوقين, مشيرا إلى أنه يبيع في فترة عمله ما يقارب من 40 إلى 50 صحناً موزعة ما بين الكبدة الجملي وكبدة الغنم إلى جانب بعض سندوتشات الكبدة التي يصل سعرها إلى 7 ريالات للواحد. وفي إحدى الجلسات التقينا بفارس العمري الذي اعتاد الحضور بصفة سنوية ليتناول طبق كبدة من أيدي أحد هؤلاء الطهاة، حيث أوضح أن الأجواء الجميلة في المنطقة التاريخية تذكره بالماضي، ويعود السبب الحقيقي لحضوره بصفة مستمرة للاستمتاع بتناول صحن الكبدة. فيما عبر عددٌ من الشباب عن سعادتهم بالحضور إلى قلب جدة القديمة - المنطقة التاريخية - منذ وقت مبكر لحجز المكان نظرا للكثافة التي يشهدها السوق وبسطات الكبدة , مؤكدين أن ما يجمعهم في هذا المكان هو طبيعته التي تسحر الجميع بالحركة النشطة وبساطة الأسواق وعبقه التاريخي.