* لم تكن العلاقة بين العرب والغرب لتصل إلى هذا المستوى من عدم الثقة، لولا تسليم هذا الغرب وخصوصًا المملكة المتحدة أرض فلسطين العربية والمسلمة إلى العصابات الإرهابيَّة الإسرائيليَّة، مع أن شخصيات سياسية إنجليزية كانت تدرك خطورة مثل هذا الموقف السياسي المنحاز إلى طروحات الحركة الصهيونيَّة، ويأتي في مقدمتهم وزير الخارجيَّة في حكومة العمال بعد الحرب العالميَّة الثانية 1945-1951م إيرنست بيفين Bevin الذي كان يعبِّر بصراحة بأنَّ قيام دولة إسرائيلية سوف يتسبَّب في تعرُّض المصالح البريطانية للخطر. ولم يسْلَم بيفين بسبب هذا الموقف من سَفَه اللوبي الصهيوني داخل حزبه -العمال- وتوجيه الاتِّهام إليه بأنه عدو للسامية. * وتوَّج ما عُرف بالعدوان الثلاثي على أرض مصر العربية عام 1956م حقبة هبطت فيها العلاقة بين العرب والإنجليز إلى أدنى مستوياتها، فلقد كان أنتوني إيدن Eden على درجة كبيرة من الالتزام الديني والسياسي إزاء إسرائيل، أو ما عبَّر عنه صراحة رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن جوريون Ben-Gurion بضرورة قيام ما دعاه «مملكة ديفيد وسليمان». * عند اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية في 5 يونيو 1967م، المعروفة باسم حرب حزيران، كانت تقوم في بريطانيا حكومة عمالية بزعامة هارولد ويلسون الذي لم يكن يخفي إعجابه بالكيان الصهيوني، وهو يشير في مذكراته بأنه أثناء تلك الحرب التقى في 10 دواننغ ستريت وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان Abba Eban، وكأنَّ بريطانيا لم تزل تمثل حكومة الانتداب في فلسطين، واتهمت وسائل إعلامية بريطانيا بدعم عسكري جوي في الحرب نفسها. * إلاَّ أنَّه للتاريخ فلقد كان يمثل بريطانيا في مجلس الأمن شخصيَّة سياسيَّة معتدلة وهو اللود كاردون Caradon، حيث أقدم على صياغة القرار 242، والذي أضحى مرجعيَّة لمعظم المبادرات اللاحقة، ولقد كان وزير الخارجيَّة العمالي لاحقًا في حكومة توني بلير النائب روبن كوك Cook من الشجاعة أن يخاطب مجلس العموم أثناء الإعداد للحرب على العراق بذريعة عدم تنفيذها لقرارات مجلس الأمن، خاطب الجميع قائلاً: بأن إسرائيل لم تنفذ القرار الذي قدمناه لمجلس الأمن منذ حوالى أربعين عامًا أو أكثر. وقدَّم في تلك الجلسة استقالته من حكومة بلير. * وللتأريخ أيضًا فإنَّ ثلاثة من وزراء الخارجيَّة في حقبة مارجريت تاتشر كانوا على قدر كبير من الموضوعيَّة والإنصاف، إزاء الصراع العربي الإسرائيلي، ويأتي في مقدمتهم اللورد كارنغتون Carington، الذي كان يدعو للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينيَّة منذ السبعينيَّات الميلاديَّة، وتحديدًا منذ صدور ما عُرف ب»إعلان البندقيَّة». Venice Declaration، وذكر صراحة أنَّ إسرائيل وخصوصًا في حقبة الإرهابي بيجين قد أصيبت بما يمكن أن يوصف بجنون الاضطهاد والعظمة والارتياب. كما كان الوزير إيان جيلمور Gilmour صريحًا في تأييده للقضيَّة الفلسطينيَّة، ومثله فرانسيز بيم Pym الذي خرج لينتقد إسرائيل علنًا، وبقوَّة بعد احتلالها للبلد العربي (لبنان) 1982م. * وما أوردناه هنا من سلوكيات سلبيَّة، وأخرى إيجابيَّة في الشأن الفلسطيني، للتدليل على أن جوهر الصراع بين العرب والغرب هو القضيَّة الفلسطينيَّة، وضرورة الرجوع إلى مبادرة الملك عبدالله للسلام؛ لتكون مرجعًا في حلّ هذا الصراع الذي يغذِّي الحركات الإرهابيَّة والمتطرِّفة في المنطقة.