بعد إغفاءةِ سهدٍ طويل، فتحتُ عيني، دُهشت عندَ أول يقظةٍ للشعور، وأشرقَ في روحي وهجُ كلماتٍ نورانيَّة كُتِبَت ببياضِ الصدق، ومَعِينِ الإنسانيَّةِ الذي نظمأُ أبدًا لارتواءٍ به! عظيمةٌ هي القلوبُ التي تخفقُ في صدورِ من حولها بكلِّ حبٍّ، وتغرسُ فسائلَ الفرحِ في بيداءِ الروح، تبذرُ مشاعرَ الودِ والثقة، لتَنْبُتَ مواثيقُ الوفاءِ والمسؤوليَّةِ تجاهَ كل ما نتبناهُ من مبادئ وما نعتقدهُ من شرائع. نكبرُ، ليس بالأعوامِ التي تمرُّ علينا، وتضيفُ رقمًا لحياتنا، يخبرنا أننا قطعنا دربًا أبعدَ بعامٍ عن كل الذي نشأنا عليهِ، وتثقلُ كاهلنا السنون، وربما يكون عامًا من خواء، لم نُضِفْ فيه شيئًا ذا قيمةٍ من رؤى ومواقف وإنجازات، وكل الذي استزدنا منه حفنة ذنوب وخسائر في الإدراك والأرواحِ التي آمنَّا بها يومًا، وأخذنا على عاتقِ حسن ظننا أنَّها لا تخون، والمزيد من مسافاتٍ موغلةٍ أكثرَ للفقد! نكبرُ بأولئك الذين يضيفون خبراتهم لخبراتنا، ويضمُّون مبادئهم لمبادئنا، يتفقون بحبٍّ ويقين، ويختلفون بثباتٍ وتمكين، تمتدُ أيديهم لتطوقنا بكل جميل، لا لتخنقنا وتحجبنا عن النور والحياة. يَجِبُ أن نعتني بمن نختارُ القربَ منهم، من يدعمون إيجابياتنا، ويربِّتُون على نقصنا حتى يكتمل، ويشدون أزرَ ضعفنا حتى يقوى.. يرتقُون ما تصدَّعَ من أرواحنا ذات فقد، ويحولون هزائمنا لهدنة من فكرٍ وصبرٍ؛ لتتحولَ لانتصاراتٍ بهم ومعهم، ونعود جميعًا بغنائم لا تفنى ولا تبيد.