كلما تفوَّق إنسان في مجالٍ ما، وحقق أهدافه المرحلية، أو أهدافًا قياسية غير متوقعة، فإنه إما أن يصبح عُرضة لأن يُصاب ببعض الأمراض النفسية، أو أن يكون مُستهدفًا من قِبَل بعض الحُسَّاد والحاقدين، الذين لا يشعرون بارتياح إذا ما رأوا أمامهم ناجحين أو متميزين، فيكيدون لهم ويشككون في نتائجهم، كما يشككون في إمكانية تحقيق أي أهداف مستقبلية، ويحرصون على إيذائهم والعمل على تدميرهم وإجهاض أي إنجاز يمكن أن يتحقق على أيديهم مستقبلًا. من أسباب وجود مثل هذه الظاهرة لدى المتميزين هو إصابة بعضهم ببعض الأمراض النفسية، وفي مقدمتها (الغرور)، الذي يطلق عليه البعض مسمى (مقبرة الناجحين)، فالغرور مرض خطير يصيب الإنسان الذي لا يعرف أن يميز بين الثقة بالنفس وبين الكبرياء، فيرى أن ما حققه من إنجاز سواء كان ذلك الإنجاز صغيرًا أو كبيرًا قد جعله محور كل شيء من حوله، بل جعله أساس كل شيء، فتجده يُسارع أيضًا إلى وضع خطط مستقبلية كبيرة وبعيدة عن الواقع بناءً على ما حققه من نجاح في الماضي، وهكذا يبدأ ذلك الشخص في وضع أحلام وردية مُتخيِّلًا نفسه بأنه الأفضل والأذكى، وأنه على علم ودراية بكل شيء، وأن على الجميع أن يُوافقوا على ما يقول، ويتقبلوا خططه وأهدافه المستقبلية، فهي لا تُخطئ، لأن له إنجازات مسبقة، وقد حقق أهدافًا متميزة قبل ذلك، وقد يُسهم في زيادة هذا المرض تفاعل واهتمام وسائل الإعلام به وبتحركاته وبما يقول، فتصبح أهداف المستقبل أحلامًا بعيدة كل البعد عن الواقع، غير أن بعض وسائل الإعلام تعمل على تزيينها وكأنها وقعت. الأهداف المغرورة والمبالغ فيها والبعيدة عن أرض الواقع هي ضياع للجهد والوقت والمال، وهي بداية النهاية لأي إدارة في أي جهة، ومَن يضع مثل هذه الأهداف سيفقد الثقة في نفسه، كما يفقد الآخرون الثقة فيه، ثم ينتهي ويصبح مثالًا سيئًا يتذكَّره الناس كلما تذكَّروا أهدافًا وأحلاما وخططًا بعيدة عن أرض الواقع. البدايات الصغيرة والأهداف المتواضعة والانطلاقة المدروسة هي التي تسهم في تحقيق النجاحات المستقبلية الدائمة والمستمرة، والكيانات الكبرى الناجحة اليوم هي تلك الكيانات، التي بدأت صغيرة ثم عملت على النمو بشكل متوازن وبوتيرة متزنة بدون تهور واندفاع أو تباطؤ وكسل، وبدون التعرض لأمراض اجتماعية، كالغرور أو الإعجاب أو الطموح غير الموزون، والذي عادةً ما يؤدي إما إلى الفشل أو إلى التهلكة.