أكثر من 10 أيام مرت على فاجعة الهجوم الإرهابي بإسطنبول والذي استهدف رواد المطعم ليلة رأس السنة وخلف ضحايا عرب وأجانب من عدة أقطار وأحدث جروحا غائرة في أوطانهم.. شهد عبدالكريم سمان كانت من بين الضحايا في ربيعها 25 صبية مقبلة على الحياة راحت ضحية الغدرالغاشم وكانت أبرزهم في تعاطف عدد كبير من الناس وحزنوا عليها لدرجة أنهم رثوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي كان ل»المدينة» وقفة مع قصة شهد سمان -رحمها الله- بزيارة منزل أهلها بجدة والذين لم تمنعهم جراحهم العميقة من استقبالنا والحديث معنا عن الراحلة شهد أو «حلوة المدينة» اذ إنها من بنات المدينةالمنورة ولكن بحكم عمل والدها وانتقاله الى جدة عاشت بها ولكن ظل قلبها عامر بالحب والحنين إلى المدينة حتى عادت إليها جسدًا ودفنت في ثراها الطاهر. شهد الجميلة النقية كنا في موعد مع الذكريات فأبواها وأخواتها وصديقاتها والأقارب أخذوا يتحدثون عنها وعن أحلامها التي اغتالتها أيدي الإرهاب في حوار خاص مليء بالوجع والفقد تذكرت فيه أبياتا للشاعر نزار قباني في مرثيته المشهوره (قتلوكِ .. حيث اغتيال فراشة في حقلها صار القضية) وها نحن نبحث بين أكوام الضحايا عن نجمة سقطت وجسد تناثر كالمرايا نامي بحفظ الله أيتها الجميلة) ترقب وحزن دخلنا منزل أهل شهد سمان -رحمها الله- انتظرنا في ترقب حزين. جاء بعدها والدها برحابة تعكس خلقا رفيعا تقبل تعازينا وذكر لنا أن والدتها مكلومة حزينة ولكنها محتسبة وصابرة. دخلت بعد الوالد والدة شهد الأستاذة نشوى عنبر رئيسة قسم اللغة الانجليزية بمدارس البيان ورغم هدوئها وقسمات وجهها الملائكي إلا أن الحزن الدفين الذي كان يحتشد في قلبها ظاهرا على ملامحها وتحاول أن تتجاوزه بالتسبيح والدعاء والاحتساب احترمنا حزنها وبعد صمت دام 10 دقائق تحدثت وكأن شريط الذكريات يتداعى أمامها حمدت الله على قضائه وقدره وقالت (ابنتي شهد كانت مختلفة ومتميزة عن إخوتها حتى إنني لم أعاني آلام الوضع مثل بقية إخوتها عهد ووعد وسليمان ووضاح فكانت هي أوسط العقد رقيقة جميلة في سلوكها وفي علاقتها بالآخرين مثالا للفتاة الصالحة تفوقها في مدارس البيان وسلوكها الديني كان مقياسا لتفوقها الأخلاقي تخرجت بنسبة 97 %والدها كان يريدها أن تلتحق بكلية الطب أسوة بأختيها ولكنها التحقت بكلية القانون بجامعة الملك عبدالعزيز لإيمانها بقضايا المجتمع ورغبتها في مناصرة المظلومين. محطات في حياتها واستطردت لم تكن لها محطات في حياتها لم تسيء لأحد أو تغضبني وتغضب والدها جاءت إلى الدنيا بسلام وعاشت بسلام وللأسف ماتت برصاص أعداء السلام والإسلام ويستمر تدفق الذكريات وتواصل الأستاذة نشوى (كان لشهد هدف في دراسة القانون وهو مناصرة المرأة في قضاياها وكانت قضايا الأحوال الشخصية هاجسها الأوحد تقول لي في حماس (ياماما أنا درست القانون للدفاع عن حقوق المرأة) ابنتي شهد كانت رقيقة أكثر شيء تكرهه هو التكبر وأضافت لقد كانت قضايا العالم همها ومحط اهتمامها فكانت مشاهد الحروب غالبا ماتبكيها خصوصا مايحدث للنساء والأطفال من تشريد وقتل...كانت متعجلة في كل شيء وكأنها تشعر أن الحياة لن تمهلها لتحقيق أحلامها كان هذا شعوري كأم تحس بفلذة كبدها فبعد تخرجها صممت أن تعمل في مجالها مستشارة قانونية في عدة شركات إلى جانب عملها في مكتب شقيقي الدكتور غسان عنبر. كان وقتها حافلا بأكثر من عمل في الصباح دوامها اليومي وفي العصر في مكتب خالها تباشر معه الأعمال القانونية الموكلة بها. ما أضمن عمري تواصل والدتها الحديث بتداعي للذكريات فتقول ( شهد كانت إضافة جميلة على حياتنا ونسمة حب تنشر السعادة والفرح والحياة والحنان تحب أسرتها بشكل لا يوصف وفي تداخل عفوى يتحدث والدها فيقول كانت دائما تحب التزين والاهتمام بنفسها في كل وقت وكنت أسألها عن سبب اهتمامها الشديد بمظهرها فترد دائما علي بشكل غريب (ليه ما أعيش أنا ما أضمن عمري) كانت هذه الكلمات تغضبني وأرجوها بمحبة الأب ألا تعيدها وأرد عليها مداعبًا (السمانية يا ابنتي أعمارهم طويلة) ولم أكن أعلم أنها ستكون أصغر الراحلين من العائلة. بتماسك لايخفى الجرح يواصل الأب الحمد لله راضين ومسلمين بقضائه وعزاؤنا ما رأيناه من محبة الناس لها وشهادتهم فيها بكل خير بعد وفاتها. الرحلة الأخيرة وعن رحلة تركيا التي سافرت لها شهد سمان للعمل وعادت نعشا يبكيه أهلها ومحبوها تقول السيدة نشوى عنبر كانت في رحلة عمل لإنهاء قضية في تركيا فقد كانت تذهب في رحلات عمل وانتدابات ولم تكن المرة الأولى حتى إلى تركيا سافرت معنا أكثر من مرة والسفرة الأخيرة كانت مع خالها بحكم عملها معه وبعد أن أخذت موافقة والدها وكانت متواصلة معنا طيلة الوقت. وسألت عن أفضل مطعم لتناول العشاء فرشح لها الفندق الذي كانت تقيم فيه ذلك المطعم فبلغت خالها وأسرته وذهبوا جميعهم لتناول العشاء تلك الليلة بعدها وفي اليوم الثاني نقلت القنوات نبأ الهجوم الغادر المسلح على المطعم ولم أكن متأكدة من وجود ابنتي بالمطعم أما أنها غادرت لأن جوالها كان مغلقًا إلا بعد أن اتصل بي أخي واخبرني بالنبأ الفاجع وعرفت أن أخي كتبت له النجاة من الحادث بعد مغادرته المطعم بعد العشاء مباشرة بسبب طفلته وكان المفترض أن تلحق به شهد إلا أن القدر كان أسرع فبعد خروج الخال بوقت وجيز وقع الهجوم الإرهابي. أقاويل وموقف نبيل أقاويل وتعليقات غير مقبولة خاضت فيها الألسن بعد الإعلان عن وجود ضحايا سعوديين يقول والد شهد: سمعت وقرأت ما بعث الألم في نفسي ولا أملك إلا قوله تعالى (الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) فالسكوت هو الأمثل في هذه المواقف لن ينالوا من نقاء ابنتي وصفائها بل بالعكس فقد فعلوا فيها وفي الضحايا خيرا منحوهم حسناتهم واخذوا عنهم سيئاتهم وستظل ذنوب أبنائنا المغدورين في أعناقهم إلى يوم القيامة ويواصل د. سمان في هذا أريد أن اشكر العالمين الشيخ المغامسي والشيخ العودة فقد كان في حديثهم عن الحادثة ودفاعهم عن أبنائنا وبناتنا البلسم الشافي بعد الله فقد أوضحوا الأمر وردوا عن من نصبوا أنفسهم بدون علم وكلاء لله تعالى في الجزاء والحساب فهؤلاء والله اعلم ارتكبوا كبيرة من الكبائر نهينا عنها ألا وهي قذف المحصنات والإساءة للجميع لهذا كان لموقف شيوخنا الأجلاء ووقع كلامهم علينا عظيم الأثر في تخفيف مصابنا فلهم الشكر والجزاء من عند الله. أحاسيس غريبة ويستطرد كل من والديها عن أحاسيس شهد الغريبة والتي كانت قبل سفرها بمدة فقد قالت لأختها: إن قلبها غير مطمئن لهذه الرحلة ولا تعلم السبب حتى إنها كانت أكثر حرصا لتوديعنا جميعا لارتباطنا بمناسبة أسرية بالمدينة وفي جانب آخر وحسب رواية خالتها أن شهد كانت تقوم بكفالة أيتام في المدينةوالطائف وسوريا وكانت ملتزمة شهريا لكن قبل وفاتها بأسبوع أعطت خالتها أموال الكفالة لمدة سنة وصدقة جارية لمدة سنة أخرى ومبلغ لكفالة 7 أطفال آخرين في الطائف إلى جانب توصيتها لخالتها بضرورة أن تقوم هي وأختاها بتغسيلها في حالة وفاتها وكان هذا تصرفا غير مفهوم ومتوقع من فتاة في مقتبل العمر ونحن نخبر بهذه التفاصيل لتكون ابنتنا قدوة لبنات جيلها في فعل الخير. طعنة في الخاصرة فقدان الأخت ألم يعتصر فيه قلب الأخ ويدميه سليمان ووضاح شابان في مقتبل العمر أصابهما فقد شهد بطعنة في الخاصرة فكان عند لقائنا بهما ما زالا تحت تأثير وقع الصدمة لم يرغب الأخ الأصغر وضاح بالكلام ورفض التصوير واكتفى بالاستماع بحزن لم يجعله يرفع عينه من الأرض أما سليمان الصديق والقريب لأخته تحدث بمرارة الفقد ولوعة الفراق فقال: (كانت أجملهن وأطيبهن وأنقاهن أمينة إسراري ومستشارتي وصديقتي لم أتخيل أنها سترحل بفقدها فقدت أجمل شيء في حياتي. تضامن أهالى الضحايا ذكر د.عبد الكريم أن أهالي الضحايا جميعا احسوا أن الفقد واحد ولهذا كان لتواصلهم وتضافرهم الأثر الطيب في تهدئة النفوس من باب (شد عضد أخيك المسلم) أيضا لا ننسى مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكةالمكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في تقديم واجب العزاء لكل الأسرة فقد وصلني اتصال نبيل من سموه قدم التعازي لكل الأسرة وسأل عن أحوالنا وأيضا صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينةالمنورة والشكر موصول لممثل وزارة الخارجية وهذا يعكس مدى ارتباطنا اسريا وليس علاقة شعب بحكومته فقط. مكتب المحاماة بعد زيارتنا لمنزل د.عبد الكريم سمان والد شهد توجهنا لمكتب المحاماة الذي كانت تعمل فيه وهو مكتب خالها د. غسان عنبر. كان الحزن يخيم بأطيافه على العاملين ويعكس بظله على المكتب بأكمله التقينا الخال د. غسان عنبر قال لنا: شهد كانت تحب القانون كانت تأخذ من مكتبتي كل ما يختص بكتب القانون والحقوق عندما أتيحت للفتيات الفرصة لدراسة القانون بجامعة الملك عبدالعزيز كانت أول المتقدمات رغم أن والدها كان يريد لها دراسة الطب بعد تخرجها عملت في مركز الأمير سلطان الحضاري مستشارة قانونية لمدة أربع سنوات بعدها انتقلت للعمل في شركة تمر فاقترحت عليها أن تعمل معي وتتولى قضايا الأحوال الشخصية كالنفقة والطلاق والحضانة إلى جانب بعض القضايا العمالية والشركات وبالفعل بدأت وبنجاح مبهر رحمها الله كانت مثالا للفتاة المثابرة في عملها وفاجأتني بتميزها في العمل القانوني وتولت عددًا من القضايا التي ترافعت فيها وكسبتها وقضية تجارية لمؤسسة نجحت فيها وكسبتها أيضا وقضبة بيع شركة بالكامل ثم عقد وكيل حصري لمؤسسة سعودية لإنشاء شركة سياحة في اندونسيا كل هذا ذكرته لأنها اثبتت تفوقها. رحلة بلا عودة يواصل الدكتور غسان حديثه المشحون بالأسى كان لدي جلسة واجتماع عمل في يومي 4و3 يناير بمكتبنا في تركيا طلبت مني ان ترافقني لتكتسب خبرة فقلت لها لامانع لدي شرط أن تأخذ إذن والدها وسافرنا سوية ولم أكن أتوقع ان تعود من هذه الرحلة جثة هامدة والذي حدث لم يكن في الحسبان فقد بدأت الليلة عادية ولم نلاحظ شيئًا وكان هناك تشديد امني واتخذت ادارة المطعم اجراء لا ادري ان كان مقصودًا ام لا فقد اجلست كل جنسية مع بعضها وبالطبع هناك كثير من الجنسيات العربية وجلسنا لتناول العشاء وللبرودة الشديدة قررت ان اغادر بسرعة من اجل طفلتي ولم استعجل شهد وطلبت ان تكمل عشاءها وتلحقنا وتركتها وبعد فترة وجيزة حدث الحادث أصعب أيام حياتي يواصل د. غسان في أسى من اصعب اللحظات التي واجهتها في حياتي والتى ستلازمني ما حييت هي مرحلة التأكد من الجثمان والتسليم والاستلام والشحن والسفر فكانوا في كل مرة ومرحلة يعتصرني الألم وسبحان الله الشيء الذي حيرني أنها اعتادت أن تسافر بالجواز الكندي كونها مولودة في كندا أثناء دراسة والدها إلا أن هذه الرحلة الوحيدة التي صممت فيها أن تغادر بالجواز السعودي رغم أنها نسيته في منتصف الطريق لتأخذه وتسافر لقدرها -رحمها الله-.