ما كنت أظن أن تصل ردود فعل القراء على المقال السابق من هذه الزاوية لذاك القدر الكمي والنوعي الذي عبر عن عظيم قلق الناس نحو علاقة أبنائهم بالإنترنت، وبتقنيات الاتصال الحديثة بشكل عام. وكان ذلك عندما تحدثت عن الإنترنت من حيث اقتحامها لعالم الأطفال والشباب في غرفهم، وقد أقفلوا الأبواب وأوصدوها في وجوه كل من هم حولهم، بالقدر الذي لا يعرف أحد غيرهم، ما الذي يجري تماما خلف الأقفال والمزاليج؟. ومن بين ردود الفعل تلك، شدني أحد الآراء الذي عبر عن أننا (نحتاج فعلا لحلول تجعل منا شعبا إيجابيا مع مخاوفه). ففي هذا الرأي مداخل عديدة للفهم والتأمل، لعلي أوجز الولوج إليها متجاوزا ما ألمح إليه الرأي من تعريض بالخوف من الإنترنت، فالخوف من الإنترنت، في رأيي مشروع جدا. ولمواجهة هذا الخوف المشروع، قد نحتاج إلى (إشاعة ثقافة التعامل الآمن مع الإنترنت داخل البيت وبين أفراد الأسرة). والحلول، في رأيي، ثلاثة، هي: الأول، سلطوي سيادي للأب والأم ومن في حكمهما، يقوم على فرض أنماط من الرقابة التقنية على أجهزة الأبناء، ومتابعة (كل) المواقع التي يدخلونها والرسائل التي يتلقونها أو يبعثون بها. وهناك برامج حاسوبية متقدمة تتيح هذا الأسلوب من الرقابة، تبدأ ب(القائمة الخضراء) للمواقع التي يُسمح للأبناء بدخولها، وتنتهي ببرامج التجسس المباشر وتسجيل كل تفاعلات الأبناء مع الإنترنت، ومن ثم فرض سلسلة من العقوبات الصارمة على الأبناء الذين (يتورطون) فيما لا تقبله أسرهم من التعامل مع الشبكة الإلكترونية. الثاني، وقائي مباشر، عبر تخصيص مكان عام داخل المنزل يستخدمه كل أفراد الأسرة. ولهذا الأسلوب عوائد إيجابية كثيرة على المستويات التربوية والثقافية والأسرية، غير أن عوائده غير مجدية لدى الأسر التي يستخدم أبناؤها أجهزة محمولة صغيرة، كالهواتف النقالة، موصولة بالإنترنت، أو بالشبكات الرقمية الخاصة. الثالث، متطور وفعال، يقوم على تنمية الوازع الذاتي عند الأطفال والشباب تجاه كل ما هو ضار في التعامل مع الإنترنت. ويتطلب هذا الخيار مهارة عالية لدى الأسرة، في كيفية تشكيل ذلك الوازع الذاتي بطريقة علمية ومهنية صحيحة. وقليل من الأسر في عالمنا العربي من يمكنها تحقيق ذلك. فمن بين إستراتيجيات الإقناع الممكنة هنا، (الحوار المنظم) مع الأبناء حول الإنترنت، وشرح ما يحتاجون إليه، والإجابة عن أسئلتهم تجاهها، وتوضيح ما تتوافر عليه الشبكة من مخاطر ثقافية واجتماعية، وإهداء الأبناء مطبوعات ومواد إلكترونية مصممة باحترافية عالية للتوعية بمشكلات الإنترنت والأساليب الأمثل للتعامل معها.. ولا بأس أيضاً من إرسال رسائل توعوية غير مباشرة على عناوينهم الإلكترونية الخاصة. والتأكيد على الأبناء بأكثر من وسيلة وأسلوب، بأهمية العيش في كنف أسرة، والتواصل الطبيعي بين جميع عناصرها ونبذ الوحدة والانعزالية. الأمل إذاً معقود على برامج توعوية، ترفع من قدرة الأبناء على حماية أنفسهم من مخاطر الإنترنت، فإن لم تكن الأسرة قادرة على تحقيق ذلك، انتقلت الولاية فيه إلى المجتمع بمؤسساته الرسمية والأهلية ذات العلاقة. لأن الخلاصة الأهم التي يجب تحقيقها هي أن نحمي أطفالنا وشبابنا ممن يريدون بنا سوءاً، أياَّ كان ذاك السوء. [email protected]