في صباح يوم هادئ من التعاملات الآسيوية، شهدت أسعار النفط ارتفاعًا طفيفًا، لكنها ظلت على مسارها نحو الخسارة الأسبوعية الثالثة على التوالي. لم تكن الأسواق بحاجة إلى مؤشر آخر لتأكيد هشاشة وضع النفط الحالي، فبينما كانت الأسعار تحاول التقاط أنفاسها، كانت تداعيات الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، والضغوط المتزايدة من المخزونات الأمريكية والإنتاج المتزايد، تواصل تثبيت قبضتها على الأسواق، مهددةً بموجة جديدة من التقلبات. حركة الأسعار: ارتفاع خجول وخسائر تلوح في الأفق ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 52 سنتًا لتصل إلى 74.81 دولارًا للبرميل، لكنها بقيت على استعداد لتسجيل انخفاض بنسبة 2.5% خلال الأسبوع. وفي الوقت ذاته، سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي ارتفاعًا بمقدار 44 سنتًا، لتبلغ 71.05 دولارًا للبرميل، لكن ذلك لم يمنعها من تسجيل خسائر أسبوعية تقارب 2%. ورغم هذا الصعود الطفيف، فإن المخاوف المستمرة بشأن تراجع الطلب العالمي وزيادة الإنتاج جعلت أي ارتفاع في الأسعار ضعيفًا وغير مستدام. الولاياتالمتحدةوالصين: التوترات التجارية تفرض إيقاعها على الأسواق في واحدة من أكثر التحركات التي أثارت جدلًا عالميًا، قررت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض تعريفات جمركية بنسبة 10% على الواردات الصينية، ضمن خطة موسعة لتحسين الميزان التجاري الأمريكي. لكن التوترات لم تتوقف عند هذا الحد، حيث ردت الصين بفرض رسوم على النفط الخام والغاز الطبيعي المسال والفحم والمعدات الزراعية الأمريكية، ما ألقى بظلال قاتمة على توقعات الطلب العالمي على الطاقة. لم يكن المتداولون بحاجة إلى مزيد من الإشارات، فقد أصبح من الواضح أن أي تصعيد في الحرب التجارية سيؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، مما يعني تراجع الطلب على النفط، وبالتالي زيادة الضغوط الهبوطية على الأسعار. عقوبات أمريكية جديدة على النفط الإيراني: تأثير محدود في خطوة أخرى قد تؤثر على السوق، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة تستهدف عددًا من الأفراد وناقلات النفط التي تسهّل شحن ملايين البراميل من النفط الإيراني إلى الصين. كانت هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية الضغط القصوى التي تنتهجها واشنطن ضد طهران، والتي تهدف إلى خفض صادرات إيران النفطية إلى الصفر، بعدما كانت تتجاوز 1.5 مليون برميل يوميًا. ومع ذلك، فإن مكاسب النفط الناتجة عن هذه العقوبات ظلت محدودة، إذ يبدو أن السوق تركز بشكل أكبر على الضغوط الناجمة عن فائض المعروض بدلاً من تهديدات خفض الإنتاج الإيراني. زيادة الإنتاج الأمريكي: ورقة ضغط إضافية على الأسعار لم تكن تصريحات ترامب يوم الخميس سوى تعزيزًا للضغوط على الأسواق، حيث كرر تعهده بزيادة إنتاج النفط الأمريكي، مما عزز المخاوف من حدوث تخمة في المعروض. يترافق هذا الإعلان مع قفزة غير متوقعة في مخزونات الخام الأمريكية، التي ارتفعت بشكل حاد خلال الأسبوع الماضي، مما يعكس ضعف الطلب المحلي، في وقت تواصل فيه المصافي أعمال الصيانة الدورية. ويتخوف المستثمرون من أن الولاياتالمتحدة قد تغرق السوق بمزيد من الإنتاج، مما سيؤدي إلى تشبع الأسواق بالنفط ودفع الأسعار إلى مزيد من الانخفاض، لا سيما إذا استجابت منظمة أوبك+ لضغوط ترامب وقررت زيادة الإنتاج هي الأخرى. تحليل الأسواق: توازن دقيق بين المخاطر والفرص يرى المحللون في بي إم آي أن الضغوط السلبية على أسعار النفط نابعة بالأساس من تصاعد المخاوف بشأن التعريفات الجمركية وتأثيرها على النمو العالمي. أما في مذكرة تحليلية صادرة عن آي إن جي، فقد أشار المحللون إلى أن الحد الأدنى لأسعار النفط قد يكون أعلى قليلًا مما كان متوقعًا بسبب المخاطر المتعلقة بالعقوبات، لكنهم أكدوا أن الاتجاه المستقبلي للأسعار سيعتمد بشكل أساسي على تطورات الحرب التجارية. ويضيف خبراء النفط في إنفيستنق دوت كوم أن الأسواق تبدو حذرة ومتقلبة، حيث يراقب المستثمرون أي تحركات جديدة من أوبك+ أو البيت الأبيض، والتي قد تعيد رسم مسار الأسعار خلال الأسابيع المقبلة. ما الذي ينتظر أسعار النفط؟ مع تصاعد التوترات التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، وزيادة إنتاج النفط الأمريكي، وتراجع التوقعات بشأن الطلب العالمي، يبدو أن أسعار النفط ستظل تحت ضغط مستمر خلال الفترة المقبلة. وبينما تتجه الأنظار إلى اجتماع أوبك+ القادم، تبقى خيارات المنتجين العالميين محدودة، فإما الاستجابة للضغوط وزيادة الإنتاج، مما سيضغط أكثر على الأسعار، أو الإبقاء على سياسة الإنتاج الحالية، على أمل أن يساعد ذلك في تحقيق بعض الاستقرار للأسواق. لكن في ظل حالة عدم اليقين التي تحكم المشهد العالمي، يبقى التحدي الأكبر أمام سوق النفط هو كيفية التكيف مع التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة، التي قد تجعل أي توقعات للأسعار محفوفة بالمخاطر والتقلبات الحادة.