لم أكن لأكتب عن السياحة الداخلية هذا العام قبل بداية موسمها؛ لعلي أكون منصفاً فيما أنا بصدد الحديث عنه ومناقشته، غير مستبقٍ للأحداث أو متكهّنٍ بها.. فقد اعتادت آذاننا في كل عام على سماع تلك الشكاوى المتنوعة في قوالبها. المتفقة فيما تحويه من دلالات وأبعادٍ تكرِّس مفهوم (الإسقاط) لكل فكرة من شأنها تنشيط أو إحياء السياحة داخل مصايفنا الباردة إلى حدٍّ ما والتي لم تتمكن أشعة شمس صيفنا (الحارقة) من تسخينها، ولكنَّ (أشعة الأسعار) الساطعة التي انعكست على معالم الجمال فيها استطاعت وبكل جدارة أن تُحَوّل صيفها البارد إلى قيظٍ لافح؛ فلم تترك لمعالمها الوضَّاءة سوى جَمال روح أهلها الطيبين. منذ سنوات والتذمُّر من السياحة الداخلية يرتدي كل عام أزياءً عدة وأنماطاً متقلبة؛ فجميع الشكاوى والمشكلات التي تتردَّد دورياً، ويعاني منها السائح المحلي (المواطن) على وجه الخصوص ما تزال متصدِّرة المواقف، متسنِّمةً هرم الجشع المتنامي غيرَ مباليةٍ بأي معنى وطني سامٍ يمكن أن يسهم في خدمة هذا البلد (سياحياً). جميع المرافق الخدمية من الشقق والفنادق والمتنزهات في شتى مدن العالم تتطور بصورة مطّردة وفي كل اتجاهٍ سوى مرافقنا الداخلية والتي كان تطورها أحادياً نحو زيادة أسعارها، ومكتسباتها المادية (ظلماً) على حساب المواطن المسكين - وجيبه الذي يشكو الفراغ في ظل النكسات الاقتصادية (المحلية) التي عصفت به ابتداءً من الأسهم وحتى الغلاء - الذي دفعته روحه الوطنية إلى إيثار سياحة الداخل ونبذ الخارج وسياحته، فلم يجد أمامه سوى تلك الأسعار المتنامية في كل عام، ولسان جشع حالها يقول: (هل من مزيد..؟!). كل ذلك يحدث والهيئة العليا للسياحة تعيش داخل حيز واحد وهو بوتقة الكلمة فلم تتجاوزها بعد، فتنتقل من القول إلى الفعل لتدخل حيز التنفيذ أو التطبيق، فالهيئة الآن تروج للسياحة الداخلية وتزينها؟!، والناس لم تغب عنهم هذه المصايف التي يرتادونها كل عام، ولا يحتاجون إلى هذه الدعايات والشعارات فكل واحد منهم لديه قناعاته الخاصة المادية والمعنوية وهي الفيصل في هذا الشأن. فليسوا بحاجة إلى الرقم المجاني الذي لا يجيب سائلاً، ولا إلى الإرشادات التوعوية التي توجه سلوكهم داخل المتنزهات؛ فهؤلاء وغيرهم من سيَّاح الداخل لا يطمعون سوى بذلك النزر البسيط من الاهتمام، لعله يسهم في حل الإشكاليات المستديمة التي تعاني منها جُلُّ مصايفنا الداخلية بلا استثناء. إن دور الرقابة على الأسعار، ووضع معايير وآليات للمرافق السياحية في مختلف المناطق ينبغي أن يكون من أول أولويات عمل الهيئة، فبدون حل هذه الإشكاليات لن تتقدم السياحة داخلياً خطوة واحدة إلى الأمام. فيا تُرى: ما هو شعور ذلك السائح الأجنبي الذي سيسير في أحد خطوطنا السريعة وهو يشاهد تلك المحطات (المهترئة) والاستراحات التي لا تصلح أن تؤوي بشراً، أما الشقق السكنية داخل هذه المصايف، فالحديث عنها يطول ويطول. ولعل تجارب وزارات السياحة بدول مجلس التعاون، أو بعض الدول العربية يمكن أن تجد فيها هيئة السياحة نماذج تحتذى في خدمة السائح المحلي والأجنبي.