لا يفتأ مجتمعنا يعاني من المحتالين والمتلاعبين بأموال الناس من خلال المساهمات العقارية، أو عبر المشاريع التجارية الوهمية التي كان ضحيتها شريحة كبيرة من المواطنين الذين اجتذبتهم بروق الوعود المغرية نحو تحقيق أحلامهم بالثراء السريع، وحرصهم على اقتناص الفرص الاستثمارية المربحة، إلا أن أولئك المخدوعين سرعان ما يكتشفون زيف الوعود، ويدركون أنها ليست إلا أكاذيب محبوكة، وأن تلك الفرص الاستثمارية ليست إلا نصباً واحتيالا، لتتحول أحلامهم إلى سراب بعد أن تكون مدخراتهم قد طارت، وأموالهم قد سلبت، وأعصابهم قد أتلفت.. ومع أن استلاب أموال الناس بهذه الطريقة جريمة شنيعة، وانتهاك للحرمات والمحرمات، إلا أن هناك نوعا آخر من أساليب النصب والتغرير بالناس أشد خطراً وأشنع جرماً، ألا وهو التلاعب بصحة الآخرين من أجل كسب مادي، أو تحقيق شهرة شعبية، أو غير ذلك. أعني بذلك ما يصدره بعض مُدِّعي الطب الشعبي من إعلانات، وما ينشرونه من دعايات تزعم اكتشافهم لبعض الوصفات الطبية المزعومة؛ خصوصاً ما يتعلق بمرضى السكري الذين كثيراً ما يقعون ضحية لتلك الوصفات التي تتلاعب بعقولهم وأموالهم وقبلها صحتهم.. قبل سنوات ظهرت علينا وصفات منها: وصفة البرسيم، ووصفة جريد النخيل، ثم دم الضب، ثم نبات العاقول، ثم نبات الشري، ثم حليب الحمير، إلى غير ذلك من الوصفات التي تخرج علينا كل يوم وكأننا نعيش في دولة إفريقية بدائية لا تعرف الطب الحديث ومؤسساته. وللأسف الشديد فإن مما يساعد على انتشار ظاهرة هذه الوصفات، ورواج هذه الخرافات هو أن الجهات المعنية لا تتحرك إلا بعد فوات الأوان، أو ربما لا تتحرك أبدًا. ومن آخر تقليعات الوصفات الشعبية الوهمية ورقة تنتشر هذه الأيام تتضمن وصفة طبية تزعم الشفاء من مرض السكري خلال ثلاثة أيام فقط!! جاء فيها بعد تحديد المقادير المزعومة وأخذها لمدة ثلاثة أيام: (... ثم يتوقف تمامًا عن الاستعمال، ومن ثم يأكل كل ما كان ممنوعًا، ولا يخاف بإذن الله تعالى، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، تلفون المحكمة 044234180). والمصيبة أن هذه الوصفة أو التجربة منسوبة لرئيس محكمة تبوك، وتنص على اسمه ووظيفته، ورقم هاتف المحكمة، مما أدى إلى انخداع كثير من المرضى بهذه الوصفة، بل كاد بعضهم أن يفقد حياته بسببها!! والأدهى والأمَر أننا لم نسمع من جهة مسؤولة تكذيب هذا الخبر!! كنت أتمنى من فضيلة رئيس المحكمة المذكورة لو أنه سارع إلى إعلان البراءة من هذه الوصفة حتى يخرج من مسؤولية إثمها إن كانت قد صدرت عنه اجتهادا، أو لكشف كذبها إن كانت قد نسبت إليه افتراء عليه، ليقطع بذلك الطريق على المحتالين والنصابين المستغلين لأسماء الأشخاص المعروفين أو انتحال الصفة الرسمية من خلال الزج بأسماء دوائر رسمية موثوقة مثل المحاكم الشرعية، وحتى يسهم في عدم وقوع المزيد من الضحايا.. كما أتمنى من كل مواطن - مريضا كان أو صحيحا - أن لا يكون أضحوكة لكل محتال، وضحية لكل إشاعة، وأن يكون أكثر وعيا وحكمة وذكاء، حتى لا يتحكم في حياتنا النصابون والمحتالون!! وبالمناسبة فقد أفادني المريض الذي كاد أن يفقد حياته بسبب هذه الوصفة أنه حاول الاتصال برقم الهاتف المنسوب للمحكمة، فوجده جهاز فاكس يستقبل الفاكسات فقط، مما يشي بأن المسألة فيها نصب واحتيال!!