ليس هناك مجتمع مثالي على وجه الأرض، فالمجتمع نسيج من البشر الذين من طبعهم الخطأ وكلنا خطاؤون. فلو نظرنا إلى مجتمعنا بالعين التي لا يتغشاها الزيف وخداع النفس الذي رضعناه مع حليب أمهاتنا فتأصل فينا وأضحى من المسلمات لدينا لوجدنا تناقضانا غريباً وعجيباً يصعب التعامل معه، فمن جهة هناك الاعتقاد الجازم المطلق الذي يسيطر على فئات المجتمع بأننا نعيش في مجتمع مثالي وملائكي نقي بالرغم أننا ندرك تمام الإدراك عمق مشاكلنا التي نواجهها يوما بعد يوم بل والأدهى من ذلك والأمر أنه من غير المقبول أن يتحدث أي كان عن خلل أو نقص أو ظاهرة حية أمامنا بل إن البعض يفضل أن يدفن رأسه في التراب وينكر وحتى أنه يمنع نفسه أن يصدق مهما كان النقص بينا وجليا أمامه. ومن الجهة الأخرى نجد أن كثيرا من الناس في هذا المجتمع الذي يؤمن أنه مثالي يمارسون كافة أشكال الخطأ والخطيئة مع التجاهل الكامل بأن ما يفعلونه يمكن أن يكون فيه أي نوع من الخطأ وأي لون من الخطايا. ومن هذه الأخطاء الشائعة والتي يمارسها كثير من الناس بشكل مستهتر ومنافٍ لأخلاق الإسلام وشيم العرب ما يروى عن وكالة (يقولون) هذه الوكالة الشهيرة واسعة الانتشار والمتأصلة في جوانب مجتمعنا والتي أسستها رغبة ونزعة التشمت بالآخرين والمبنية على الشائعات التي تصل إلى درجة الروايات المختلقة من نسج الخيال. من أخلاق الإسلام الكريمة أنه حرم الغيبة والنميمة فقد قال تعالى في كتابه الكريم: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } (12) سورة الحجرات. تفشت ظاهرة الشماتة مؤخراً في المجتمع بشكل مخيف، خصوصا أننا نعيش في مجتمع سري محاط بالأسمنت المسلح يدعي المثالية والكمال. فمثلاً حين يرتكب شخصا نعرفه أو لا نعرفه خطأً ولن أحدد حجم هذه الخطيئة أو نوعها ستجد هذا الخطأ أصبح حديث الناس الممتع. وستجد المصطلحات أمثال (يا خزياه) حاضرة وبقوة، وستكون لغة القذف والتشمت بالمصيبة واللذة المصاحبة لها متواجدة. وإن سألت الشامتين الراقصين على مصائب غيرهم كيف عرفت؟؟ أو ما هو دليلك؟؟ سيجاوبونك: (يقولون)!! من يمنحنا الحق حتى نتشمت بمصيبة الآخرين ونشهر بهم ونتداول أعراضهم تحت ذريعة (يقولون)؟؟ أي شريعة تقر فن طعن جراح المجروحين والإساءة العلنية للآخرين؟؟ وأي إساءة؟؟ من أعطانا الحق حتى نتشمت بمصيبة إخواننا المسلمين ونطرب لأنينهم؟؟ أين نحن من مبدأ الستر في الإسلام؟؟ وأين نحن من قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم (من ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة)؟؟ المجتمع السعودي ليس مجتمعا مثاليا لا يشوبه الخطأ حتى يستلذ بمعاقبة المخطئين! فكلنا معرضون للهفوات والزلات والخطايا وعلى الظالم الباغي تدور الدوائر فصدقني أنك لا تريد أن يكون خطأك أو زلتك حديث المجالس بالامتياز. من المؤسف المحزن أنك لو نظرت لحياة كثير من الناس الذين يمارسون الشماتة بلذة ومتعة منقطعة النظير تجدها مليئة بالعيوب، تكتنفها الذنوب والخطايا وكأن شماتتهم بالآخرين هي الهروب الكبير من واقعهم المؤلم وإنكار لما يمارسونه من المكاره ومحاولة مثيرة للعزاء للكذب على أنفسهم وخداعها بإيهامها بأنهم يعيشون حياة مرضية وسعيدة طاهرة ونقية. الحقيقة مرة ولكن دون الحقيقة لا تستقيم حياة البشر.. ولذلك نجد أن الله تعالى بحكمه البالغة ذكر بوضوح كل الخطايا والذنوب من الزنا والخمر والسرقة لأن الإنسان معرض أن يقع فيها ففتح باب الرحمة والتوبة والعودة إلى الله بدلا من الهروب والشماتة. ولأن في ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون). ختاماً أقول وأهيب بدور علمائنا الأجلاء بأن يوعوا أفراد المجتمع بخطورة هذا المسلك المخجل وأن يذكروهم بخطورة مبدأ التشهير والفضائحية والقذف على الأفراد والمجتمعات التي من المفترض أن تكون من أطهر شعوب الأرض. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(11)سورة الحجرات. * * *