في زمن التجريب من أجل الإبداع وبعد الخروج على الكلاسيكية قبل مايزيد على قرنين ونصف ظهر مفهوم الشرعية أو المقبول والمرفوض أو المعنى المزعوم والمدعى وناقش كثيرون سؤال الفكرة وهل تقوم على أساس مفهوم فلسفي نظري في عبارة تسند مسألة المقبول معرفياً وغيرة من العطاء الإبداعي الذي لاتمكن نسبته إلى منهج سابق أو تراكم معرفي في نفس السياق ثم تؤكده مفهومية مقبولة للعام والخاص. بعبارة أخرى ما الذي نقبله أو نرفضه خصوصاً إذا ما ادعى المبدع انه يذهب إلى عوالم لا نصلها أو أنه أتى بما لم تستطعه الأوائل,, أو أنه في عالم الوسيلة مجرباً وليس في عالم مسؤولية المعنى والمنهج والمضمون,, ماهي مشروعية هذا العمل أو ببساطة كيف نقبله خصوصاً عندما يكون المعنى تأويلياً كما هو الحال في معظم إبداع العطاء الفني المتأخر؟. تجد في هذا الاطار سؤال المشروعية الإبداعية أو نسبة الإبداع إلى المفهوم وقبوله، وكان في البلاد العربية الكثير من المزاعم حول إبداع بالشكل والمضمون دخل الحياة الثقافية وأثار الزوابع حول التحديث والتجديد والإبداع وبنفس الوقت أضر بالسياق المنهجي للحداثة. ولم يكن المسرح خارج اللعبة بل إنه ربما طليعة اللعبة الحداثية، حيث أنه في البداية لم تجد المشروعية مدخلاً إلى العرض خصوصاً في الأعمال الحديثة التي تعتمد الحوار الفعلي الحركي اكثر من النص الأدبي ثم في ارتجالات الجسد، لكن المسرحيين الكبار مثل تروتوفسكي وبيتر بروك تجاوزوا هذا بمخرج معرفي هو النص المرئي (شيء مثل السيناريو) أو المفعول الذي يولد قبل العرض,, وآخرون تجاوزوا المشكلة بوضع أعمالهم تحت مظلة شرعية أو أخرى مثل مظلة الأسماء الأدبية في النص ومنها (الشكسبيرية) أو (الراسينية) أو (الإيسينية) وذلك لتوليد مشروعية العرض بنسبته إلى أصل ابداعي ثقافي غير تشكيلاته الجسدية أو وضع منهجاً لجذوره المعرفية من خلال اللجوء لأدبيات سابقة تعضده ولو بإدعاء التصرف والإعداد. من الأمثلة على ذلك أن برخت نفسه بصورة مختلفة بحث لمسرحه عن مشروعية من خلال الأساطير أو الحكم أو القصص الخيالي الشائع وأبعد من ذلك خرج شكسبير بتجديداته المسرحية من منطلق مشروعية تتكىء على التاريخ أو الحياة بأبهى صورها. وللتقارب مع قارىء هذا المقال أقدم السؤال الذي يثيره أكثر المسرحيين والسعوديون بالذات هل أستطيع أن أرتجل ما أريد وأبقى في حدود المشروعية؟,, والسؤال غير شرعي أصلاً لأننا نريد أن نسأل السائل هل تريد أن ترتجل كل يوم مسرحية أم أن هناك إطاراً عاماً صادف أن ارتجل عليه الممثل؟ وهل كتب الارتجال سواء كان حركة أم لفظاً أم نصاً ليكون في صيغة نص لاحق للبروفات الأخيرة قبل العرض وفي إطارها الحيوي نفسه؟. كما ترون أن الأسئلة توحي بمضامين الإجابة وقد رأيت بنفسي عروضا متكررة يرتجل فيها فنان في كل يوم نصاً وهو هنا يشي بأنه لايحمل مضموناً محدداً يريد ايصاله بل يوحي بأن يلهث وراء عباراته مما يستدعي سؤال حول المشروعية الأدبية وحقيقة نوع التلقي لعمل فج وهي موضوعات يضيق عنها هذا السياق. وقبل الابتعاد كثيراً عن الموضوع إلى الارتجال وهومتشعب سأذكر من كتاب (جوليان هلتون) الصادر عن أكاديمية الفنون بالقاهرة خمسة عناصر تتكىء عليها المشروعية في العرض خصوصاً عند بيتر بروك الذي دعا إلى دراما تبتعد عن المشروعية الأدبية لبيكت وبرخت والنظم الشرعية المتعلقة بعروضهم وإيجاد عروض تتكىء على مفاهيم جديدة في المشروعية وهي: (1) الحيوية بتبني عرض من الواقع المعاش وعدم الاستكانة لنمطية العرض والاستسلام لتكراره. (2) التشارك الجماهيري وعدم التلقي السلبي بتحفيز العرض للمتلقي ليكون في اطاره العام. (3) تأكيد الارتجال بحسب حال المعايشة والحيوية وعدم التعلق باتجاه النص في حال ظهور اتجاه آخر للعرض يخدم المعنى وهو هنا يقرر الحالة المتغيرة للعرض الثابت ولكن لايفهم هذا بالخروج من المسرحية نفسها. (4) أن يكون المسرح متكاملاً مع السلوك لخلق المشروعية المطلوبة ويشرح ذلك بمضادة الواقع الاجتماعي ونقده بصفته سلوكاً متغيراً وهنا تقاطع كبير عند بروك مع المشروعية حيث تصير المشروعية تعني تجاوز المشروع ونقده بصفته معايشة حقيقية وعدم الانتماء إليه بالعرض الذي يكون في الغالب واقعياً لا حلما. (5) تجسيد إرادة التغيير ليكون المسرح فاعلاً في حياة الناس. ولعلك تلاحظ أن تفسير جوليان هلتون لبيتر بروك في أسسه خصوصاً عنصريه الأخيرين يبين مدى التشبث الأيديلوجي بالتحريض وسوف ترى أن تفسير الأساسين الأخيرين مضموني، أما الثلاثة الأولى فهي شكلية مما يجعل الكلام لايتعارض في إقامة أسس على أن القارىء قد يجد في المضامين بعض التقابل أو التوافق معه وهذه مسألة لاتقدم أو تؤخر في وصول المعنى الذي يضع أسساً للعرض شكلاً ومضموناً. هذا الكلام قد يكون مناسباً في هذه الأيام ونحن في معمعة الاستعداد للمهرجان التجريبي بالقاهرة وما نسمع من تجاوزات في قضايا التجريب واحياناً من النقاد أنفسهم حيث يتجاوز البعض المشروعية في التبرير للقفز في الظلام المجهول,, المشكلة في مثل هذا الموضوع أن القافز يقفز من لاشيء إلى لاشيء أحياناً وتحت مظلة مشروعية العرض الحر ولذلك فإنه في كل عام في أول شهر سبتمبر ينشط الكلام في المسرح حول ماهو مقبول وماهو مرفوض في موضوع التجريب تزامنا مع المهرجان التجريبي للمسرح في القاهرة. والسؤال وإن بدا مسرحياً إلا أنه يتعلق بطرف من قضية الثقافة عامة وأقصد به مشروعية العمل في إطار الصنعة والقبول أو التجاوز إلى عالم جديد غير عابئين بتقاليد وأدوات الصنعة المسرحية التي تعطيها حق اجتياز حاجز الصحيح وغير الصحيح ومايرى أولا يرى. قبول العمل في الأطر المعروفة التي قد تعطيه الحق بأن يقبل ويناقش حتى وإن كان خارج المألوف أو أن يرفض من أوله,, وقد أدى هذا المفهوم في المشروعية إلى جدل عقيم وطبق على أعمال كثيرة حكم على بعضها بالمرفوض لكنها قفزت على القرار ورسخت نفسها في اطار المشروعية وحكم على بعض هذه الأعمال بالقبول لكنها نسفت من أساسها مما حدا البعض إلى التأكيد على البحث عن أسس وعناصر للمسائل التي تعتبر في إطار المشروعية مثل تلك التي أوردناها عن بيتر بروك,, ومن نتائج ذلك الجدل ان صار على الأعمال المتقدمة أن ترفق عن نفسها شريطاً مسجلاً يعطي لجنة التقييم المبدئي فكرة عن العمل لترى اللجان موثوقة التجريب وهل العمل تجريبي أم أنه خارج منهج الثقافة مع أن الشريط المسجل يشي أصلاً بفشل المعنى للعرض المتحرر.