قبل أيّام قليلة صدر عن "دار الفارابي" البيروتية نصّان جديدان لجواد الأسدي، هما "انسوا هاملت" و"حصان الليلك". وفي الوقت نفسه أثيرت ضجّة في دمشق حول الخلاف الناشب بينه وبين ارملة سعد الله ونّوس، حول حريّة التصرّف بنصّ "الاغتصاب" الذي سبق له تقديمه عن حياة الكاتب السوري الراحل. وكان هذا المسرحي العراقي "التائه" قد واجه مشاكل مشابهة في باريس، مع ورثة الأديب الجزائري الراحل كاتب ياسين. فهو منخرط في معركة قديمة باسم حقّ المخرج المسرحي في تجاوز اطار النصّ كما وضعه المؤلّف. وفي هذا الحوار يتساءل الأسدي: "هل المخرج مجرد ناقل للنص، ام صاحب رؤية تعيد طرح الاسئلة الوجودية، وقراءتها في ضوء الآن وهنا؟". بل يذهب أبعد من ذلك ، معتبراً أن "النص مجرد حطب في موقد الاخراج"، ومعترفاً أن "محاولة تكسير النص من داخله، واحدة من مُتعه الشخصية"! ومن جهة أخرى ينتقد صاحب "خيوط من فضّة" المسرح الطليعي التونسي والمغاربي الذي يحتلّ موقع الصدارة على الخريطة العربيّة، متهماً إيّاه بالاستسلام ل "بهرجة ضوئية وأناقة برّانية مهيمنة، ضمن نزعة تجميلية وتسويقية، وعلى حساب الهم الثقافي". ويسدد اصبع الاتهام إلى "العقم الثقافي الشامل الذي يتصل بالمؤسسات ذاتها"، وإلى "مجتمع وقع في فخ التزوير والتهميش والعادية، وتحول الى ثقافة هشّة ومزيّفة، هي ثقافة الفضائيات". حالة القلق والتشظي التي يعيشها جواد الأسدي، قادت المخرج العراقي المعروف، الى مقاربة نصوص مسرحية مختلفة، ثم تجسيدها على خشبات عربيّة وعالميّة عدّة. من دمشق، حيث انطلاقته الأولى، مروراً ببيروت والقاهرة وانتهاء بمدريد وروما، ثم استقراره في بيروت. ولعل هذا التنوع في تجربة صاحب "تقاسيم على العنبر"، أضفى على مساهماته خصوصية، تستمد ألقها من تعدد مشاربها واهتماماتها. وقد حاول منذ مطلع الثمانينات، ان يؤسس فضاء مسرحياً مفتوحاً على التجريب، وتحطيم سكونية النص وصنمية الممثل، باتجاه مسرح عربي متحول، يؤكد أصالته من التخريب المتعمد لكل ما هو مقدس ومحنّط. وفي ضوء السجال الذي دار أخيراً في دمشق حول حقّه في التصرّف بنصّ مسرحي للراحل سعد الله ونّوس، التقينا هذا السندباد المسرحي الذي يحاول ان يجعل من سفينته المحطمة، منصة لأكثر المونولوجات مرارة، بحثاً عن ذاته المتشظية في رحلة التيه الطويلة. وهنا نص الحوار : كان من المفترض اعادة عرض مسرحية "الاغتصاب" في دمشق، لماذا ألغي العرض؟ - تم الاتفاق مع "بيت المدى للفنون" في دمشق، على اعادة عرض هذه المسرحية، ضمن فعاليات "الأسبوع الثقافي" الذي كان مقرراً، خلال شهر تشرين الثاني نوفمبرالماضي، لكن الأسبوع تم تأجيله لأسباب تقنية، فتأجل عرض المسرحية ايضاً. لماذا اخترت هذا النص الاشكالي لسعد الله ونوس، من دون غيره، من الأعمال التي حملت توقيعك الاخراجي؟ - بالنسبة إلي، اعادة تقديم عمل مثل "الاغتصاب" هو احياء أمل مفقود، اذ طالما ألحت على فكرة اعادة بعثه من خلال اعادة بناء جسور العلاقة بيني وبين الجمهور الدمشقي الذي تربطني به علاقة بدأت منذ 15 عاماً، منذ اخراجي مسرحية "رأس المملوك جابر" لسعد الله ونوس، في المعهد العالي للفنون المسرحية، العام 1984، مروراً بتجاربي مع "المسرح العمالي"، و"المسرح الوطني الفلسطيني"، وانتهاء ب "تقاسيم على العنبر" و"الاغتصاب" في العام 1992. واستعادة العمل الأخير، تعني لي، العودة إلى طرح المشكل الاساسي حول قضية فلسطين... واستعادة الخلاف الذي نشأ مع سعد الله ونوس حول معنى طرح هذه الاشكالية الوجودية للحال الفلسطيني. ماذا كانت طبيعة هذا الخلاف؟ - بنى سعد الله ونوس، المسرحية على مسارين: الأول المسار اليهودي، المقتبس أصلاً عن نص لباييخو "القصة المزدوجة للدكتور بالمه"، والمسار الثاني هو المسار الفلسطيني الذي بناه المؤلف بناء جديداً، عبّر من خلاله عن علاقته بالقضية الفلسطينية، خاتماً العرض كله بحوارية بينه كمثقف عربي، وبين شخصية طبيب يهودي مختص بالأمراض النفسية لليهود، وصولاً الى نتيجة مفادها ان المثقف العربي ضحية الفاشية العربية، والطبيب اليهودي ضحية الصهيونية. وكان سعد الله ونوس وقتها، يريد ان يفتح نافذة ما، باتجاه الحوار بين المثقف العربي والمثقف اليهودي، منطلقاً من احساسه بضرورة اعادة فكرة التنوير الى الحياة الانسانية، ونقل مجال الصراع، من الحالة الالغائية، الى الحالة الحوارية المدنية. لكن سعد الله نفسه، اعاد قراءة هذه الاطروحة خلال مجزرة قانا 1996، واكتشف استحالة مثل هذا الحوار. وأنت، ماذا كانت وجهة نظرك؟ - من ناحيتي كمخرج مسرحي، بنيت العرض على أساس مناقض لفكرة المؤلف. أزحت جانباً، الحوار بين الشخصيتين، وأسست خاتمتي التي تتمثل باستحالة فكرة الحوار. وحين قررت اعادة العرض هذه السنة في دمشق، تعزز صواب رؤيتي، خصوصاً في ظل المتغيرات العاصفة التي شرخت أفكار العديد من المثقفين العرب، حول اطروحات السلام والحوار، بعد المذابح الأخيرة التي أسدلت على أي امكانيّة حوار ستاراً دموياً وتراجيدياً. ولا أعتقد من الصواب، اعادة نهاية النص الأصلي الذي كتبه سعد الله ونوس، في ظروف مختلفة، لم تصل ابداً الى هذا المستوى من الصراع الدموي بين الفلسطينيين واسرائيل. ومن هنا أقول، كان سعد الله حقيقياً ورحباً ومدنياً، بخصوص فهم نوعية الخلاف، اذ لم يعترض اطلاقاً على العروض التي قدمتها في بيروت منذ سنوات، ولم يقم بأي فعل تعسفي، كأن يطلب إلغاء العرض او مصادرة رؤيتي الاخراجية، كما هو حاصل اليوم بعد وفاته. هل تشير هنا إلى الخلاف الناشب حاليّاً بينك وبين أرملة ونّوس، الممثلة فايزة الشاويش؟ - للأسف تحاول رفيقة درب الكاتب الراحل فايزة الشاويش، أن تقف حائلاً دون تقديمي النصّ تبعاً لرؤيتي المغايرة. وهي بهذا المعنى تمارس نوعاً من الرقابة غير المباشرة التي تتناقض مع حريّة الابداع وحريّة الفكر والتعبير، أكثر مما تحاول الحفاظ على تراث ونّوس. وأعتقد انه من أكثر الأمور ضرراً بعالم مؤلف مسرحي معروف مثل سعد الله ونوس، ان تتحول تلك الرحابة في حياته الى أفق ضيق بعد وفاته، على يد "الوريثة" التي تعاملت مع نصوص الكاتب الراحل، كما لو كانت "طابو شخصي"، او "اقطاعية عائلية"، يراد اخضاعها للبازار والمقايضة. وأرى أن مصادرة أعمال ونّوس بهذا الشكل، سيحيل تلك النصوص الخلاّقة الى المتحف او يضعها على الرف بذريعة انها نصوص مقدسة، لا يمكن المساس بمضامينها الحرفية، على يد المخرجين. وهو أمر يدعو للأسف والاستغراب : كأن ونّوس يموت من جديد، وهو موت من نوع آخر، ضد الذاكرة وضدّ الاستمرار والتطوّر. وكي يحيا ونّوس بشكل خلاّق، لا بد ان تكون نصوصه متاحة للجميع، ومشرّعة على الاجتهاد والتأويل. فالاختلاف في قراءة هذه النصوص، سيساهم في ديمومتها أكثر. وأعتقد ان اثماً كبيراً، يطول هذا المبدع، عندما تحال نصوصه الى مسطرة صارمة، لا يمكن الحياد عنها. "اقتلوا نصي"! كيف تفهم العلاقة الخلاّقة بين المؤلف والمخرج؟ - على الدوام، كان هناك جدل بناء، حول خصوصية العلاقة بين النص، وقراءة المخرج لهذا النص. وقد تجاوز عدد كبير من المؤلفين المسرحيين في العالم هذه المشكلة، ولم تعد تمثل أية عثرة او خلاف، بسبب أهمية الانتقال الى المساحات الرحبة التي يتيحها الاخراج، ونظرة المخرج الى العالم، اضافة الى فهم المؤلفين أنفسهم لحرية المخرج في خلخلة زوايا النص، عبر سؤال جوهري، تتفرع عنه أسئلة فرعية من نوع: أيهما أكثر ضرورة، بقاء النص على هيكليته وثبوته، ام محاولة الاخراج زعزعة تلك السكونية؟ وهل المخرج مجرد ناقل للنص، ام صاحب رؤية تعيد طرح الاسئلة الوجودية، وقراءتها في ضوء الآن وهنا؟ وتحضرني هنا تجارب عدة، تنقض "قدسية النص". خذ تجربة المخرج الروسي لوبيموف مثلاً : كان يقرأ النصوص التي يشتغل عليها بطريقة مغايرة احياناً، وتفجيرية احياناً اخرى، كما فعل في نص "المعلم ومارغريتا" لبولغاكوف، حين نسجه من جديد الى ما يشبه نصه الشخصي. وهناك أيضاً شغله على "هاملت" الذي تحوّل حسب رؤيته الى مغنٍ وعازف جاز. والامر نفسه، ينطبق على رؤية بيتر بروك المغايرة لنص "بستان الكرز" لتشيخوف. اما جان جينه، فكان عندما يحضر بروفات احدى مسرحياته، أكثر ما كان يخيفه، هو ميكانيكية عمل المخرج على النص، وتنفيذه بحرفيته. فقد كان يمسك المخرجين من معاطفهم ويهزهم بقوة، صارخاً بوجوههم: "اقتلوا نصي"!. ألا ترى معي، ان الدعوة الى "قتل النص"، هي محاولة لنسفه، وتجاهل رؤية المؤلف؟ - الرؤية الاخراجية، لا تعني نسف النص نهائياً، بل هي نتيجة للمتغيرات التي تحدث في العالم، ولا يمكن اهمالها تحت ذريعة "قدسية النص". ومسرحية "الاغتصاب" مثلاً، نص سياسي وراهن، فكيف يمكنني تجاهل ما يحدث اليوم بخصوص التحولات الدراماتيكية في الصراع العربي - الاسرائيلي؟ وكيف أتناسى حساسية الطروحات الاشكالية في النص؟ ثم انني لم أغيّر في جوهر المسرحية شيئاً، وانما حذفت بعض المقولات التي لم أحتملها، وقمت بإعادة مونتاج وتأسيس جديدين، يخدمان جوهر الفكرة المطروحة. كما انني، سبق ان قدمت، ارتجالات انطلاقاً من نصوص اخرى لسعد الله ونوس، مثل "رأس المملوك جابر"، وأعتبر عملي من أكثر العروض العربيّة أمانة لهذه المسرحية. وأعتقد انه لا خوف من قراءة النص بطريقة مشاكسة، لأن بقاء النص على حاله، سوف يؤدي الى قتل ميزة الاختلاف، وحرية المناورة. وعموماً، فأنا أرى ان النص مجرد حطب في موقد الاخراج. تمزج في معظم أعمالك بين نصوص عدّة، منذ "خيوط من فضة" وصولاً إلى "تقاسيم على العنبر" و"شبّاك أوفيليا". لماذا لم تحاول ولو مرّة واحدة أن تتعامل مع نصّ متكامل كما وضعه صاحبه؟ - بالتأكيد، هناك نصوص، تمتلك جماليات النص الكامل، لكنني، عندما أقوم بالتحضير لعمل ما، أحاول الابتعاد عن المسار الواحد للنص، بحثاً عن مسارات وخيارات تؤسس رؤية جديدة، وتبلور رؤيتي الشاملة لموضوع ما، مثلما هو حاصل اليوم. إذ أحس بحاجة حقيقية لاصطياد نص فلسطيني يلبي حجم لوعتي، في أن أقول شيئاً مختلفاً وعميقاً لشعب يُذبح على مرأى من العالم. وعندما، أفتش في النصوص العربية والعالمية، لا أجد صيداً ثميناً. وهذا ما يدفعني في مثل هذه الحالة الى سياق درامتورجي، فأقوم بتوليد نصي الشخصي. وبهذا المعنى، كنت عملت على "خيوط من فضة". وفي "تقاسيم على العنبر" تولّدت الكتابة من أفق النص الأصلي، ثم عرضت النص الأدبي على الممثّلين، وخلال ذلك حدثت ارتجاجات قوية، وفتحنا معاً ثغرات واسعة في جدار النص. لكن مثل هذه الكتابة التوليدية، لا تصمد الا بوجود ممثلين، يدركون معنى الارتجال، ومعنى ان تتحول البروفة الى ورشة، تقوم بإزاحة النص الاصلي نحو كتابة جديدة. وهذا الأمر، يمنح المخرج مساحات رؤيوية عالية، واحساسا غنيا بالحرية، بعيداً عن كابوس المؤلف الاصلي، حيث تتأسس كيمياء جديدة على المنصة. وأعترف هنا، ان محاولة تكسير النص من داخله، واحدة من مُتعي الشخصية، ففي فضاء البروفة، لا تعلم ماذا يحدث لك، لأنك تدخل في لحظات وجدانية معقدة، ربما تقودك الى ان تكون ضحية للنص، او تقودك الى الانتصار عليه. طغيان السينوغرافيا لديك موقف نقدي من ظاهرة طغيان السينوغرافيا على بعض المسرح العربي اليوم؟ - أعتقد ان طغيان السينوغرافيا، واحد من أهم المشاكل الحديثة للمسرح العربي الراهن. حيث ان الولاء السينوغرافي، المبني على بهرجة ضوئية وأناقة برّانية، هيمن على ما عداه في العرض، ضمن نزعة تجميلية وتسويقية، وعلى حساب الهم الثقافي داخل العملية المسرحية. شخصياً، لا أجد في عروض كهذه، صدى حقيقياً للنص. هناك اشارات، ونكات، وعبارات مبعثرة في الهواء، وشخصيات مسطحة، توقع العمل برمته، في فخ تزوير الحياة اليومية. وللأسف، فقد ساهم عدد من النقاد المسرحيين برفع هذه الاعمال الى مستويات باذخة، واعتبروها عروضاً طليعية، ما فتح الباب أمام تجارب لا تتمتع بأية قيمة فنية لافتة - خصوصاً من قبل المسرحيين في تونس والمغرب العربي الكبير - في سياق تقليد أعمى لعروض فرنسية وإيطالية، عبر محاولات لإعادة صياغتها عربياً، وأحياناً، نقلها حرفياً. عموماً، أرى في مثل هذه التزويقات التي تسمى سينوغرافيا، مساهمة في خلق وعورة اضافية أمام المسرح العربي. وبالنسبة إلي، المسرح مختلف تماماً، لاعتقادي ان المسرح في حقيقته، حفر انساني باتجاه الحياة اليومية وآلام البشر، وتفاعل عميق بين المنصة والمتلقي. اما هذا التزويق الأجوف، فسيذهب الى النسيان، لأنه يفتقد الى الذاكرة. الحنين الى المكان الأول أعلنت أكثر من مرة، شعورك بالمرارة تجاه المهرجانات المسرحية العربية، أليست هذه المهرجانات، مكاناً لاختبار التجارب المختلفة وتمازجها؟ - كانت المهرجانات ذات يوم، تتمتع بهذه الخصوصية، وأذكر هنا، مهرجان دمشق المسرحي. وقتها كان للمهرجان ملامح وطعم خاص، لأنه أسس لتنويعات وأفكار طليعية جديدة، سواء على صعيد العروض او على صعيد الندوات التي كانت أكثر جسارة في طروحاتها من العروض ذاتها. وقد شكّل هذا المهرجان وعياً للمسرح، بصفته ورشة عمل جمالية ونقدية في آن معاً. اليوم، تحولت أغلب المهرجانات المسرحية العربية الى ملتقيات سياحية، وصفقات تذكّر بما نجده عند المافيا. كأنّها خسرت براءتها الأولى، وخسرت معنى اللقاء والتجمع، بدليل أن أغلب المخرجين المهمين، استنكفوا عن المشاركة في هذه التظاهرات، وصارت تقتصر على بعض فرق الهواة كمكان للحماسات الاولى في الاخراج والتمثيل. الحنين الى المكان الاول، هاجس يتكرر في معظم أعمالك: "تقاسيم على العنبر"، و"المصطبة"، و"نساء في الحرب"... هل الخشبة تعويض عن وطن مفقود؟ - الخشبة تعوّض عن الوطن المفقودالى حد كبير. صرت أحس بشكل ملموس في الفترة الأخيرة، ان لا أمل لي في استعادة الاحساس بمكاني الاول، أي العراق. واكتشفت انه بإمكاني، ان أبني على الخشبة ولو وطناً صغيراً، او مشهداً جمالياً يرشح بيومياتي القديمة المفقودة. لذا أحاول اختراق النصوص التي أشتغل عليها، لتشكيل مشهد ما، يقودني الى ذاكرتي الأولى. ثمة شريط خفي، يجمعني بهذه الذاكرة. في "تقاسيم على العنبر" المقتبسة عن تشيخوف، جعلت بطل المسرحية "إيفان"، يركب عربة، تقوده الى قبر أبيه المدفون تحت نخلة!. وفي "رأس المملوك جابر"، كانت لدي رغبة جارفة في الاقتراب من المقهى البغدادي، واستعادة العامية العراقية. وأتساءل احياناً، لو لم أخرج من العراق، هل كنت قاربت مثل هذه الخيارات؟ ام ان هذه الآلام المحتشدة، هي مجرد اشارات داخل العرض، قادني اليها اللاوعي وسطوة الغياب؟ في البروفة ثمة شيء ما، غامض، يحفر فيّ، ويقودني الى فضاء النص الاول. ولو انّني في بغداد، لاخترت مثلاً "الرجع البعيد" لفؤاد التكرلي، وأغرقت نفسي في النبرة العراقية، لكن من الصعب تقديم هذا النص خارج بيئته الأصلية، وايصاله إلى جمهور مختلف. ينفي بعض المسرحيين وجود أزمة مسرح، ويذهب بعضهم الآخر إلى أن المسرح العربي غائب اصلاً، ولا وجود له... فما رأي جواد الأسدي؟ - أرى أنّه من الأفضل أن نقارب حالة العقم التي أصابت هذا المسرح. ثمة عقم ثقافي شامل، يتصل بالمؤسسات ذاتها، وبمجتمع وقع في فخ التزوير والتهميش والعادية، وتحول شيئاً فشيئاً الى ثقافة هشّة ومزيّفة، هي ثقافة الفضائيات، وهي تفتقد اساساً الى القيمة المعرفية والمذاق والروح والمعنى، ما يجعلها غير قادرة على الحفر في الذات العربية المتشظية والمهتوكة. ما هي المشاريع الجديدة التي تشتغل عليها اليوم؟ - لدي مشروعان جديدان. الاول بعنوان: "رجال بلا شمس"، وهو مقاربة لجوهر المأساة الفلسطينية، عبر قراءة مكثفة لعالم غسان كنفاني. وآمل ان أنجز هذا العمل بسرعة، لأنه الأكثر إلحاحاً. أما المشروع الثاني فهو التصدي لإخراج "ريتشارد الثالث" لشكسبير، بالتعاون مع"المسرح الملكي البلجيكي" العام 2001. كما أفكر باستكمال مسرحية "نساء في الحرب" التي قدمتها العام 1999 في روما.