مصداقية الدعوات، وصحة انتمائها، ورتبتها في الحق، أو بعدها عن الباطل، يعرف من نور الوحي، ومن الاعتصام بالكتاب والسنة، فهو المعيار الصادق، والميزان الدقيق. وقد تشوه دعوات صادقة، ودعاة مخلصون، وعلماء مجتهدون، لمضارة بينة، ومحادة جائرة، من حسد حاسد، أو ظلم ظالم، أو لمخالفة هوى وجاهلية، أو تعصب وتقليد اعمى على منهج (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون). ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، في تجديد معالم الدين، وتأصيل العقيدة، والاعتناء بمنهج السلف الصالح لاقت معارضة باطلة، وصدوداً كبيراً، وإعراضاً عظيماً، وحاربها أعداؤها، أو الجهال بحقيقتها محاربة شديدة في حدود الارض القريبة، وفي آفاق الأرض البعيدة، وهي سنة الله في الدعوات فهذه دعوة الحق من سيد الدعاة، وإمام المرسلين وسيد الخلق أجمعين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لاقت معارضة شديدة، وأصيب صلى الله عليه وسلم بالأذى، ونال من الشدة والعناء، ولم يستجب له إلا القلة ثم نصر الله عبده، وأعز جنده، وهزم الاحزاب وحده. وهذه الدعوة التجديدية لمعالم الدين قام بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في وقت عمّ فيه الشرك في بلاد نجد، وطم فيه الضلال، وانتشرت فيه البدع والخرافة من دعاء غير الله، والطواف على القبور، وذبح النذور لغير الله عز وجل، ،كان لهذا الانحراف امتداد في سائر البقاع من الأرض. وهذه الدعوة الاصلاحية المباركة لها سمات بارزة، وركائز ظاهرة إذا غفل أو تغافل عنها الناس قد تُقبل من الجهال بحقيقتها ما توصف بهذه الدعوة الصحيحة الصافية من ظلم من أعدائها، أو جور من الجهال بها. 1 هذه الدعوة قامت على منهج النبوة، وطريق السلف الصالح، فهي تُعظم الرسول صلى الله عليه وسلم وترفع قدره، وتعلي شأنه فهو سيد الانبياء والمرسلين وأفضلهم، وله الحقوق الواجبة من السمع والطاعة والمحبة والاجلال والتوقير والتعظيم والاكثار من الصلاة والسلام عليه، ومتابعته والسير على طريقته، وبيان انه عبدالله ورسوله، وان الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين مقامين كاملين عظيمين هما مقام العبودية، ومقام الرسالة، فله كل الحقوق المترتبة على هذين المقامين الشريفين، أما مقام الأولوهية والربوبية فهو لله وحده لا شريك له، ولا يجوز صرف شيء من حقوق هذا المقام لأحدٍ من الخلق لا ملكا مقرباً، ولا نبيا مرسلا، ولا عبداً صالحا أو غيرهم، وان الذين يصفون هذه الدعوة بصفات باطلة ينطلقون من منطلقات شركية أو بدعية، من جعل شيء من حقوق الله الخالصة للبشر ومنهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المنهج المنحرف فقال لا تطروني كما اطرت اليهود والنصارى أنبياؤهم، ونهى ان يتخذ قبره عيداً، وان يجعل لله نداً، وهو من الشرك الذي حذر منه الوحي، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. 2 ان هذه الدعوة لا تُعرف باسم الوهابية وإنما ألصقت بها هذه الدعوة، وهي دعوة متبعة، تنهج منهج السلف الصالح، والشيخ محمد بن عبدالوهاب داعية إلى الله على منهج النبوة، وطريق السلف الصالح، لا يدعو لنفسه، ولا يؤلف جماعة او حزبا منفرداً عن الامة الاسلامية، وهو مجدد للدين بنشر الحق، وبيان العقيدة الصحيحة، أمثال الائمة الاربعة وشيخ الاسلام ابن تيمية وغيرهم من السلف الصالح. 3 هذه الدعوة لا تخالف منهاج الأئمة الاربعة في المذاهب الفقهية المشهورة، المالكية، والحنفية، والشافعية، والحنابلة، وهي مقتضية لآثارهم، سائرة على منوالهم، والشيخ محمد بن عبدالوهاب ينهج منهج مذهب الامام أحمد بن حنبل رحمه الله عقيدة وفقها، وينحو نحو مدرسة شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله وغيرهم من أئمة السلف الصالح. 4 ان أعظم ما تميزت به هذه الدعوة عن غيرها من الدعوات العناية بصفاء العقيدة، وصحة الاعتقاد، ولعنايتها بهذا الاصل العظيم حاربها مخالفوها ونشروا الكذب عليها، وهي سنة الله في خلقه في الصراع بين الحق والباطل، ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة الحق، والتوحيد الخالص قالوا أجعل الآلهة إلاها واحداً إن هذا لشيء عجاب؟. 5 تُعنى هذه الدعوة عناية فائقة بالكتاب والسنة، وينهج دعاتها بالحرص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيم قول النبي صلى الله عليه وسلم وتقديمه على كل قول ورأي، وأنه لا رأي ولا قول لأحد من البشر أو العلماء، أو الائمة إذا ثبت وصح حديث النبي صلى الله عليه وسلم امتثالا لقول الله عز وجل (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تُصيبهم فتنة أو يُصيبهم عذاب أليم)، وقوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم, يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون). فالعصمة والاجلال لكتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما قول غيرهم فقبوله ورده، ومتابعته ومخالفته بقدر ميزان الكتاب والسنة. وهذا المؤتمر الذي انعقد في بريطانيا حول دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتأثيرها في الحركات الاصلاحية من جمعية أهل الحديث خُطوة مباركة، ومسلك قويم في تعريف الناس بالحق، وإزالة التشويه والتضليل للعقيدة السلفية المبنية على الكتاب والسنة، وبيان الحق لأعدائها، وإيضاح الحقيقة للجهال بها ممن يردد غافلا خلف أقوال، وفاسد كلام يصرفهم عن دعوة الحق، ويقويهم بالاقامة على الخرافة والبدعة، أو يوهنهم عن سماع الحق والنظر فيه. ولمعالي وزير الشؤون الاسلامية والاقاف والدعوة والارشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ العالم الجليل، والداعية النشيط وقفة معاضدة، وقوة مناصرة لهذا المنهاج الحق في تأييد منهج المؤتمر، والاسهام في الحضور، وهو تعاون على البر والتقوى، وقد أمر الله عز وجل بذلك فقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). والمأمول تعاون كافة المؤسسات والجمعيات الدعوية المعنية بالمنهج السلفي، والحرص على الدعوة إلى صفاء العقيدة من الشرك والبدع والخرافة وتعاونهم الفاعل، واجتهادهم الظاهر في ابراز هذا المنهج في كل وسيلة مناسبة وأسلوب حكيم. والمملكة لها جهود قيمة كريمة ظاهرة بارزة في هذا الميدان، ومن هذه الجهود في هذا المجال عقد مؤتمر سابق عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتحقيق كتبه ونشرها، بيانا للحق، ورفعا للتضليل والتشويه الباطل لهذه الدعوة الناصعة المباركة القائمة على الكتاب والسنة. ومن ثوابت سياسة المملكة، وقواعدها الراسية في منطلقاتها الداخلية والخارجية العناية الفائقة بتجديد معالم الدين، وتأصيل حقائق الدعوة، وضبط اصول الاسلام، والدفاع عن حياض العقيدة، وهي تحدد بذلك انها دولة مبدأ وعقيدة، ودين وشريعة، تريد الخير، وتعين عليه، وتأتمر بالمعروف وتبشر به، وتتناهى عن المنكر وتحذر منه، سالكة مسالك اللين والحكمة، والرفق وترك الشدة، وفي ذلك اصابة التوفيق، وتحقيق النفع الكبير, قال صلى الله عليه وسلم ما دخل الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه ، وقال: إن الله يُعطي على الخير ما لا يعطي على الشدة . وقد وفقت هذه الدولة إلى الخير باجتماع النية الحسنة، والدولة الصادقة من الامام محمد بن سعود، والعلم النافع، والدعوة الصحيحة من الشيخ محمد بن عبدالوهاب وبهذا الاجتماع المبارك، والتوازن الهام، والارتباط الحق، والتوافق الصادق، نشأت هذه الدولة ذات الثوابت القوية، والمبادئ الراسخة المبنية على اصول وقواعد ضرورية: 1 البناء على اصالة العقيدة، وصفاء الايمان، وسلامة التوحيد، والعناية بالتربية على البناء العقدي، والاصول الشرعية في بناء الافراد، والمؤسسات، تتعاضد فيه على تكوين مجتمع ذي عقيدة صحيحة، وديانة سليمة، دعوة، وتعليما، وإعلاما، وهذا هو اصل البناء، وأسس التكوين والاعداد، يشعر به ويطبقه، ويبشر به ويدعو إليه أفراد هذا المجتمع ومؤسساته، فالمنظار الشرعي حاكم للامور، ضابط للتصرفات وهو المرجع عند اختلاف الرأي، أو ضعف التطبيق. 2 البناء على الاخلاق الزكية، والآداب الحميدة: فالأخلاق تنطلق من مفهوم العقيدة، وأصالة الديانة، فالقرآن والسنة رسما منهج الاخلاق في الاسلام فشرعا الاخلاق الكريمة وحثا عليها وأوجبا فيها الاجر والثواب أو اللوم والعقاب، ونهيا عن الاعتداء او الظلم حتى مع العدو أو الخصم، ومن أصول القواعد الأخلاقية في الاسلام وفي المجتمع المسلم انها اخلاق شرعية تنطلق من قيم الشريعة وآداب الدين ومصلحة المجتمع، والفرد المسلم يتعامل بالصدق والامانة، والاعانة، والنظافة، وينزجر عن الكذب والخيانة، والخداع، انطلاقا من مبدأ وديانة، ومن مصلحة ومنفعة الافراد والمجتمع حيث انه تشريع الحكيم العليم. والامة الملتزمة بالقواعد الاخلاقية في الاسلام والفرد المسلم يسعد، ويسر في يومه، وفي غده وفي حياته كلها، وإذا اختل هذا البناء الاخلاقي في النفوس وجب على المرء ان يحاسب نفسه على القصور في الالتزام بأدب وأخلاق الاسلام، ويسعى إلى تزكية نفسه بالايمان، وتحصينها بالتقوى، وتربيتها على السلوك والآداب الشرعية. 2 العلم : من مظاهر هذه الدعوة الشريفة عنايتها بالعلم والاهتمام به لحث الشارع الحكيم عليه، والآيات والأحاديث في هذا الشأن متكاثرة قال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، وليس هذا مجال تفصيل بيانها، ودرجت الأمة على العناية به منذ القرون الأولى، وصارت رائدة في العلم والتعليم في كافة الأرض، وفي هذه الدولة المباركة منذ قيامها واشراقها في عهد الامامين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله، رعت العلم واحتفت به، وبلغ في هذا الوقت الزاهر في عهد خادم الحرمين الشريفين، ذروة مجد، وقمة حضارة، وسؤدد أمة، وهذه العناية ترجمة وتطبيقا لالتزامها بأصول دينها، وقواعد شريعتها. 4 الإسهام الحضاري: وهذه الدولة المباركة قامت بالاسهام في التقدم الحضاري للامم وجوهر هذا الاسهام هو نشر الحق، وبيان الشريعة للناس التي هي مصالح تامة، ومنافع كاملة، راعت جلب المصالح للخلق في الدنيا والآخرة، ودفع المضار في الدنيا والآخرة، وهو إسهام حيوي لا يُستغني عنه المرء ولا الدول وهي أشد احتياجاً له من الماء البارد، واللقمة اللذيذة على الجوع، وأسهمت حضاريا، بالمشاركات في المؤتمرات ومواقع الحاجات في الكوارث والمحن والرزايا من منطلق النصرة في الاسلام، وبنت اعظم جانب حضاري، وتقدم في الامم وهو بناء الانسان المسلم الواعي وتنميته، والذي اصبح يتنافس في مضمار العلوم الطبية والهندسية، والاجتماعية، وغيرها فضلا عن العلوم الشرعية. وأنشأت معالم حضارة في الجانب المادي صناعة، وتجارة، ومظاهر عمرانية وغيرها, وهو تقدم يُعين عليه الاسلام، ويحث عليه ديننا الحق. 5 البناء الاجتماعي : المجتمعات المسلمة تعيش في أمن ومحبة وتآلف، والاسرة وهي المجتمع الاصغر تعيش في تعاون ومودة وصدق، وهو بناء اجتماعي قائم على توجيهات الكتاب والسنة، والمجتمع السعودي قد أثر فيه هذا البناء تأثيراً قوياً، لاعتماده على الكتاب والسنة منهجاً وعقيدة وسلوكاً وأخلاقاً، وما يراه المرء من ضعف في بعض الصور والأفعال هو نتيجة لضعف في التمسك بالكتاب والسنة، والدعوة ملحة وشديدة في وجوب الحرص على هذا البناء الاجتماعي القويم الذي يرحم الكبير، ويعطف على الصغير، ويحسن إلى الفقير، ويكرم الضيف والمحتاج، ويبر بالوالدين، ويحسن إلى الأرحام، وهي مسؤولية الأمة، وواجب المجتمع والأفراد. هذه ركائز وآثار هذه الدعوة المباركة التي قام بها الامامان الشيخ محمد بن عبدالوهاب والامام محمد بن سعود رحمهما الله، وأبناؤهما من بعدهما تدعوا إلى اقتفاء المنهج الحق، والاعتصام بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح في كل شؤون الحياة.