رغم إصداره لستة دواوين شاعرية والعديد من الكتب المترجمة والدراسات النقدية إلا أن الشاعر عبداللطيف ابوهمام الحاصل على جائزة البابطين مؤخراً عن ديوانه زهرة النار، يؤكد أنه لم يعثر على لغته الشاعرية الخاصة به وما يزال يبحث جاهداً عنها وسيظل كذلك حتى آخر قصيدة يكتبها. والشاعر عبداللطيف أبوهمام ينتمي إلى طائفة الشعراء الكبار الذين يكتبون الشعر الموزون المقفى ولا يعد سائر اجناس الشعر الأخرى شعراً. التقته الجزيرة في هذا الحوار الذي تحدث فيه عن بداياته وعلاقته بالعقاد وحصوله على جائزة البابطين والعديد من القضايا الأدبية الأخرى. * إذا تحدثنا عن بداية تكوينك كشاعر,, كيف تراها الآن؟ بدأت كتابة الشعر منذ مرحلة الصبا وكانت بالطبع لا تعدو أن تكون مجرد خواطر ولكن في مرحلة الجامعة عندما التحقت بكلية دار العلوم القديمة كنا نقيم ندوة اسبوعية للشعر يلقي فيها الطلبة أشعارهم ثم يتناولها الاساتذة بالتحليل الدقيق، وأذكر قصيدة القتيها في احدى الندوات تحت عنوان بين العقاد وولده وفيها تخيلت أن العقاد انجب ولداً، أو أن ابنه يرجوه أن يدعه يخرج للوجود وأكثر مايذكرني بالقصيدة أن أحد اساتذتي قال بعد القائي القصيدة هذا هو الشاعر فانتظروه . * كان بينك وبين العقاد علاقة وطيدة,, هل تحدثنا عنها؟ بدأت علاقتي بالعقاد كما بدأت مع المنفلوطي وطه حسين,, كقارىء، ثم كانت العلاقة المباشرة عندما اصطحبني محمد خليفة التونسي استاذي في المرحلة الثانوية لألقي أشعاري امام العقاد، وأذكر يومها أنه اثنى على القصيدة كما كان له بعض الملاحظات التقويمية وكان معروفاً عن العقاد تشجيعه للمواهب الجديدة لدرجة أن كثيرا من شعراء الدول العربية كانوا يحضرون له ليلقوا أشعارهم أمامه. والعقاد كان نقطة التحول في حياتي بعد أن اقنعني بالالتحاق بكلية دار العلوم وأواصل دراساتي الأدبية بدلاً من الاكتفاء بالدراسة الأزهرية وقد تتلمذت على يد العقاد أربع سنوات كاملة قضيتها في صالونه. الأدب العربي قي إسبانيا * قضيت فترة طويلة في اسبانيا,, وحصلت على الدكتوراه من جامعة مدريد نريدك أن تحدثنا عن هذه التجربة، وعن موقع الأدب العربي في إسبانيا؟ بعد حصولي على الماجستير من كلية دار العلوم بالقاهرة سافرت إلى اسبانيا لنيل درجة الدكتوراه وكان النظام التعليمي في اسبانيا في ذلك الوقت يقتضي، العودة لنيل الليسانس أولاً ثم الماجستير فقمت بذلك لعدم وجود اتفاقية تعليمية بين مصر واسبانيا في ذلك الوقت, وكنت حصلت على الماجستير من القاهرة في الأدب المازني لأنه قريب الصلة بالعقاد وتناولت المدرسة كلها تقريباً وفي الدكتوراه في اسبانيا قمت بدراسة مقارنة شعرية نقدية بين العقاد وشاعر اسباني ميجل دي اونامونو ، وفي الحقيقة وجدت شبها واضحاً بين العقاد والشاعر الاسباني رغم عدم وجود شبهة تأثير وتأثر. وبشكل عام فالأدب العربي في اسبانيا تهتم به دوائر الاستشراق فقط، ولايهتم به القارىء العادي, وأسوق مثلاً بسيطاً لذلك، فقد ذهبت اثناء دراستي لشراء كتاب الأيام لطه حسين وترجمته الاسبانية التي قام بها أحد أكبر المستشرقين الاسبان وكانت المفاجأة هي أنه لا أحد سمع عن الكتاب أو طه حسين هناك رغم أن طه حسين ملء الاسماع والابصار. وهناك ثلاث مدراس تهتم بالأدب العربي في اسبانيا، مدرسة في برشلونة، وتهتم بالدراسات الأدبية الاندلسية كجزء من تاريخ الاسبان انفسهم ولايهتمون بالأدب العربي الحديث. أما المدرسة الثالثة، وهي أحدث المدارس فتهتم بالأدب العربي الحديث، حيث تدرس القصة والشعر والرواية، ويعتبرون أن خريطة الأدب العربي لا تكتمل إلا بالوقوف على كل تاريخ الأدب العربي وتكونه في العصور المختلفة، وهذه المدرسة في جامعة اوتوماً . * إذا تحدثنا عن الأدب العربي وخاصة الشعر فيرصد البعض مفارقة تبدو غريبة إلى حد ما وهي انه مع زيادة الجوائز التي تمنح للشعر إلا أنه لا يشهد تألقاً موازياً ما تفسيرك لذلك؟ هنا نتحدث عن قضيتين، الأولى أن الشعر الآن محسود لأنه يحصل على جوائز أكثر من أي جنس أدبي آخر, والجوائز التي تقدم من مؤسسات عربية إنما هي تعبر أو تنوب عن القارىء لأنها شعبية لاتقوم بها وزارة ما أو مصلحة حكومية معينة هذا لاينفي دور المؤسسات الحكومية، وكل دور يكمل الآخر وأيضاً مطلوب مزيد من الجوائز لمزيد تحفيز المبدعين ففي اسبانيا مثلاً هناك جوائز كثيرة جداً على مستوى الهيئات والمؤسسات، بل حتى هناك بعض البنوك تقدم جوائز يتم خصم قيمتها من الوعاء الضريبي. أما القضية الثانية فهي أن الشعر ليس في أوج ازدهاره فأقول نعم الشعر يعاني أزمة، كما يعاني العرب ازمات متعددة التعبير أو البيان والمشكلة الآن هي عدم وجود مصطلح لماهية الشعر فقد نتجت اشكال كثيرة من التعبير الأدبي أطلق اصحابها عليها شعراً وعلى أنفسهم شعراء!! على سبيل المثال قصيدة النثر التي اعتبرها لغوا سريعاً. وعلى سبيل المثال ما أطلق عليه أصحابه الشعر الحر الذي لا أوافق أبدا على تسميته بهذا المصطلح حتى الآن , فهو ليس شعراً، وليس نثراً أيضاً يقف حائراً بين بين، وحتى لايفسر البعض حديثي تفسيرات خاطئة فأنا لست ضد الشعر الحر، لكن ضد اطلاق هذه التسمية عليه, وإلا ماذا نطلق على الشعر الموزون والمقفى شعر عبد !! لايجب بأي حال اهمال قضية التسمية واطلاق المصطلح, لأن اطلاق المصطلح تنظيم لحركة الشعر فكل كلمة لها دلالة ومستنبطة من الفن الذي بين ايدينا فالشعر في رأيي هو الشعر الموزون والمقفى فقط! * إذن ماذا نطلق على ما انتجه السياب وصالح عبد الصبور ونازك الملائكة وعشرات من المبدعين في هذا السياق؟! أي شيء آخر عدا كلمة شعر ، ولست مطالباً باطلاق تسميات!! * عفواً,, ألا تحمل وجهة نظركم بعض التعسف أو الجمود؟ اطلاقاً,, لأن الأوزان الموجودة في الشعر العربي تتسع لجميع الأغراض، فلماذا أهدم قواعد قائمة وأقول إن هذا هو التجديد، فالشعر الحر حتى الآن لانجد له قاعدة ولماذا لايكون الإبداع في سياق القواعد والأوزان الموجودة خاصة وأن عدد أوزان الشعر العربي أكثر من مائة وزن، قابلة للتجديد، بمعنى انني يمكن أن أبدع وزناً جديداً لكن له قاعدة. وهذا ليس جموداً فالشعر العربي الموزون والمقفى بقواعده الرحبة صالح لكل زمان وعصر، وحين خرج الناس في العصر الاندلسي عن هذا النمط سموه موشحة ، وسموا صاحبه وشاحا وحين خرجوا من الفصحى إلى العامية اطلقوا على ابداعهم زجلاً وليس شعراً وسمو مبدعه زجالاً وليس شاعراً. البحث مستمر * هل ما زال هناك انتاج جيد في مجال الشعر الموزون والمقفى، وهل يمكن أن يعود يوما ما لأوج ازدهاره؟ أؤكد بداية أن بعض الشعر الموزون والمقفى لايساوي قيمة المداد الذي كتب به, وأنا أرفض هذا تماماً, لكن أيضاً هناك شعراء جيدون يكتبون شعراً متيمزاً جداً، فقط ينتظرون تسليط الضوء عليهم اعلامياً وأيضاً في مجال النشر لايوجد ترحيب كبير بنشر الشعر الموزون والمقفى, ورغم ذلك أقول إن الشعر سيظل ديوان العرب، ولن يستطيع جنس أدبي آخر انتزاعه من مكانته، لأن لغتنا لغة شاعرة، كل كلمة فيها موزونة, حتى لو كانت هناك أزمة في الشعر، لابد أن نعالجها لا أن نستسلم لها, فلا زال لدينا إبداع حقيقي في الشعر، ولا يأخذ ازدهار الرواية تراجع الشعر، لأن الفنون لا تتزاحم، بل تتكامل. * صدر لك ستة دواوين حتى الآن, متى شعرت خلال رحلتك انك عثرت على لغتك الخاصة؟ قد يندهش البعض عندما يعلم أنني لم أعثر على لغتي الخاصة حتى الآن,, فمازلت في بحث دائم عنها, وإن كنت أظن أن أسلوبي الخاص متبلور منذ الوهلة الأولى بشكل نسبي طبعاً فمنذ القصيدة الأولى تعبر كتابتي عن نفسي وثقافتي رغم ذلك دون تواضع أقول أنني مازلت أجاهد في البحث عن اللغة الخاصة، والشعر في حد ذاته هو بحث خاص عن لغة خاصة والسنوات تزيد الانسان نضجاً. * حصلت على عدد من الجوائز,, هل تعني جائزة البابطين التي حصلت عليها اخيراً شيئاً خاصاً لديك؟ الجوائز هي نوع من الاعتراف بأن الانسان قدم شيئاً يستحق التقدير والمبدع قد يحتاج لمثل هذه الجوائز من وقت لآخر خاصة فيما يتصل بي، لأن الشعر الذي اكتبه أعني الموزون والمقفى يحارب في كثير من الجهات، وجائزة البابطين لها مكانة خاصة لأنها نوع من الاعتراف بالشعر نفسه وليس بي أنا فقط. والجائزة اعتراف بأن هناك بارقة أمل في نزاهة اللجان التحكيمية وحرصها على الاجادة والتميز بعيدا عن الألوان والانواع المختلفة.