بلغت اللغة العربية قمة ازدهارها في العصر الجاهلي, وسما الأدب الجاهلي شعرا ونثرا إلى الذروة العالية السامقة, ونزل القرآن الكريم وأعجز العرب جميعا وهم أهل البيان أن يأتوا بمثله. وقد أنزل الله كتابه باللغة العربية فزادت اللغة العربية مكانة، فأصبحت لغة المسلمين جميعا بعد أن كانت لغة لأمة العرب وحدها دون غيرهم، وحمل العرب رسالة القرآن الكريم إلى فارس وأرض الروم ثم أرض الهند وأفريقية وحملوا معها اللغة العربية فانتشرت في تلك الأصقاع لغة القرآن ونبغ من أهل تلك البلاد لغويون ونحاة، وقد نظر كثير من المهتمين بأمور اللغة العربية للأمر على أنه فريضة إسلامية أن يهتموا بلغة القرآن الكريم. وقد صنف علماء اللغة المعاجم والمطولات، وكتب فقه اللغة حتى لم يتركوا شاردة ولا واردة إلا وحققوها وأفاضوا في معانيها، ثم جاء العصر الحديث وبدأ العدو الخارجي يلتهم دول العالم الإسلامي, وما أن بدأ يحكم قبضته الآثمة على هذه الدول حتى قامت العواصف ضده, وقد فطن المستعمر إلى قوة الدافع الديني في هذه الأمة وعرف أن ما يشدهم إليه انما هو القرآن الكريم، فرأى إضعاف اللغة العربية وسيلة لابعادهم عن كتاب الله فلا يتيسر لهم فهمه، وفطن المفكرون إلى خطة هؤلاء فتأسس مجمع لغوي في مصر ثم تبعه مجمع لغوي في دمشق، ونحن في هذا البلد الأمين أحق الناس بالاهتمام بلغة القرآن الكريم، فقد نزل في هذه الأرض على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام الله الحكيم. ومنذ فجر النهضة الأدبية الحديثة في بلادنا والتي بدأت في عهد موحد الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بدأت حركة اهتمام باللغة العربية فقام بعض الأدباء بتحقيق كتب اللغة العربية القديمة ومن أمثال ذلك ما قام به الأستاذ أحمد عبدالغفور عطار من تحقيق لكتاب تهذيب الصحاح للزنجاني وتحقيق الصحاح للإمام الجوهري. وإنني اليوم أدعو إلى أمر أراه ضروريا ألا وهو إنشاء مجمع لغوي سعودي يضم كبار اللغويين والنحاة من بلادنا مع الاستعانة بعلماء من أرجاء العالم العربي والإسلامي حتى نستفيد من خبرتهم وتجاربهم وواسع علمهم, لقد تقدم العلم التجريبي تقدما مذهلا وقد صاحب ذلك وفود كثير من المسميات التي يجهل ترجمتها الكثير منا، إننا بحاجة أيضا إلى توحيد الترجمة فلا يترجم كلمة معينة بآراء شتى معظمها لا يتقبلها جمهور القراء. ومن العلوم التي تقدمت علوم الطب، لذا فمن الأمور التي يجب أن يضطلع بها المجمع اللغوي ترجمة أمهات كتب الطب باللغة العربية الفصحى حتى يتسنى للطالب العربي قراءة العلم التجريبي في لغته الأم. كما أن من الأمور التي ينبغي أن يهتم المجمع اللغوي به اصدار دورية لتعقب أخطاء الكتاب والأدباء اللغوية وما أكثرها في زمان كثر فيه اللحن وفشا فيه الخطأ وقل فيه الصواب، وكثرت الأخطاء اللغوية بين كبار الشعراء ومدرسي النحو مشكلاً وضعاً يحتاج إلى تصحيح وتصويب. ومن فوائد قيام مجمع لغوي في بلادنا، الإشراف على تدريس اللغة العربية في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وكذلك على تدريس اللغة العربية بالجامعات وأن يحافظ على مستوى معرفة اللغة العربية عند الجيل الناشىء.