سألني الصديق الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن الحيدري عن اسم معجم الجوهريّ (ت400ه تقريبًا)، أهو الصحاح أم تاج اللغة وصحاح العربيّة؟ فبادرته بالإجابة أن اسمه الكامل (تاج اللغة وصحاح العربيّة)، معتمدًا في ذلك على غالب الكتب الحديثة التي ألّفت في المعاجم اللغويّة، فقال لي: أليس تاج اللغة وصحاح العربيّة عنوانًا فرعيّاً لهذا المعجم؟، وبعدها بدأت أتتبّع اسم معجم الجوهريّ بادئًا بمقدّمة الجوهريّ لصحاحه، وفي كتب تراجم اللغويّين، وغيرهم، وفي كتب اللغة التي أشارت إليه، وفي الكتب التي دارت في فلكه مثل: شروح غوامضه، والاستدراكات عليه، وحواشيه، وفي الكتب الحديثة المؤلّفة في المعاجم، ومصادر اللغة، فوجدت أن تسمية الكتاب ب(الصحاح) هي الدارجة في الكتب القديمة، وأنّ تسميته ب(تاج اللغة وصحاح العربيّة) لم ترد إلا عند بعض الدارسين المحدثين. وكان أوّل ما وقفتُ عليه في تسميّة المعجم مقدّمة الجوهريّ نفسِه إذ يقول: «أمّا بعد فإنّي قد أودعتُ هذا الكتاب ما صحّ عندي من هذه اللغة...»(1)، وواضح من مقدّمته أنّه لم يسمِّ معجمه باسم محدّد، بل عبّر بلفظ الكتاب، وأنّه سيودعه ما صحّ عنده من اللغة. وكان محقّق المعجم أحمد عبدالغفور عطّار قد أسماه بالاسمين الصحاح، وتاج اللغة وصحاح العربيّة(2)، ويقول أيضًا في كتابه الصحاح ومدارس المعجمات العربيّة: «ولشدّ ما يسعد المشتغلين بلغة القرآن أن يجدوا تاج اللغة وصحاح العربيّة أو الصحاح بين أيديهم محقّقًا تحقيقًا علميّاً، ومطبوعًا طباعةً أنيقة...»(3)، واضح من هذا النصّ أنّ عطّارًا يساوي بين الاسمين، وأنّه يرى أنّ الصحاح اسم مختصر لتاج اللغة وصحاح العربيّة، وبعد ذلك تتبّعتُ بعض كتب التراجم القديمة التي ترجمت للجوهريّ؛ لأرى ما اسم هذا المعجم عند المتقدّمين: يقول أبو البركات ابن الأنباريّ (ت577ه): «وصنّف [أي: الجوهريّ] الصحاح في اللغة للأستاذ أبي منصور البيشكي»(4)، ويقول ياقوت الحموي (ت623ه): «وله من التصانيف... كتاب الصحاح في اللغة، وهذا الكتاب هو الذي بأيدي الناس اليوم، وعليه اعتمادهم»(5)، ويقول القفطي (ت646ه): «وله كتاب الصحاح في اللغة أكبر، وأقرب متناولاً من مجمل اللغة»(6)، ويقول عبدالباقي اليماني (ت743ه): «أبو نصر اللغويّ صاحب كتاب الصحاح، من أهل فاراب من بلاد الترك»(7)، ويقول الفيروزابادي: «وصنّف الصحاح للأستاذ أبي منصور البيشكي، وأسمعه من أوّله إلى باب الضاد المعجمة»(8)، ويقول السيوطيّ (ت911ه): «وصنّف كتابًا في العروض، ومقدّمة في النحو، والصحاح في اللغة»(9). نستنتج ممّا تقدّم أنّ اسم المعجم هو الصحاح، وأنّ أغلب المترجمين قد أضافوا اسم الكتاب إلى موضوعه فقالوا: الصحاح في اللغة. وبالرجوع إلى بعض كتب اللغة القديمة التي تعرّضت لهذا المعجم، أو نقلت عنه نجد أنّها تسمّيه الصحاح، يقول ابن منظور (ت711ه): «ورأيت في حاشية في بعض نسخ الصحاح المعروف: الإِدْب بكسر الهمزة...»(10) ويقول في موضع آخر: «وفي الصحاح أَبَلَ الرجل عن امرأته إذا امتنع من غشيانها»(11) ويقول أيضًا: «الأَيْهُقان: الجرجير، وفي الصحاح: الجرجير البرّيّ»(12)، ويقول الصفديّ (ت764ه): «فإنّ كتاب الصحاح للجوهريّ -رحمه الله تعالى- من الكتب المفيدة، والمصنّفات السعيدة، والمؤلّفات التي قصور محاسنها مشيدة»(13)، ويقول السيوطيّ: «وأوّل من التزم الصحيح مقتصرًا عليه الإمام أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري؛ ولهذا سمّى كتابه بالصحاح»(14)، وقول السيوطيّ سمّى كتابه الصحاح فيه تجوّز فليس في مقدّمة الجوهريّ ما يشير إلى هذه التسمية. وكذلك جميع الأعمال التراثيّة التي دارت في فلك معجم الجوهريّ تسمّيه (الصحاح) كالحواشي مثل: الحواشي على الصحاح للقصباني (ت444ه)، والحواشي على الصحاح لابن القطّاع (ت515ه)، والتنبيه والإيضاح عمّا وقع في الصحاح لابن برّيّ (ت582ه)، وغيرها، وكالتكملات مثل: القراح بتكملة الصحاح للقرشي (ت في القرن السابع)، وكالاختصارات مثل: مختار الصحاح للرازيّ (ت666ه)، والجامع في اختصار الصحاح لابن الصائغ (ت720ه)، ونجد الفلاح في مختصر الصحاح للصفديّ (ت764ه)، وغيرها، وكالانتقادات مثل: الإصلاح لما وقع من الخلل في الصحاح للقفطي (ت646ه)، ونور الصباح في أغلاط الصحاح للقرشي، ورسالة في بيان ما في الصحاح من الأوهام للطربزونيّ (ت1200ه)، وكالمنظومات مثل: نظم صحاح الجوهريّ للزواويّ (ت628ه)(15). وقد وافق بعض المحدثين المتقدمين في تسمية معجم الجوهريّ بالصحاح، ومنهم إبراهيم أنيس في قوله: «وكان يُخيّل إليّ أنّ ذلك النظام المبسّط في معجم الصحاح»(16)، وحسين نصّار سمّاه الصحاح(17)، وإميل يعقوب سماه الصحاح أيضًا(18). أمّا غالب المحدثين فإنّهم يسمّون معجم الجوهريّ (تاج اللغة وصحاح العربيّة)، يقول كارل بروكلمان: «تاج اللغة وصحاح العربيّة، وهو معجم لغويّ مرتّب بحسب أواخره على حروف المعجم»(19)، ويقول فؤاد سزكين: «تاج اللغة وصِحاح (صَحاح) العربيّة، وهو أوسع المعاجم العربيّة انتشارًا قبل المحيط للفيروزابادي»(20)، وأحمد الشرقاوي إقبال سمّاه تاج اللغة وصحاح العربيّة(21)، وأيضًا سمّاه عبدالقادر أبو شريفة وزملاؤه بتاج اللغة وصحاح العربيّة(22)، وإبراهيم نجا سمّاه بتاج اللغة وصحاح العربية(23)، وسعيد بحيريّ سماه تاج اللغة وصحاح العربيّة(24)، وحلمي خليل أيضًا قال: «واسم الصحاح كاملًا هو تاج اللغة وصحاح العربية»(25)، وقد سمّى عبدالعليم الطحاوي كتاب الصغاني (ت650ه) التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربيّة(26)، مع أنّ الصغاني لم يشر إلى اسم معجم الجوهريّ في مقدّمته، فهو يقول: «هذا كتاب جمعت فيه ما أهمله أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ -رحمه الله- في كتابه، وذيّلت عليه، وسمّيته كتاب التكملة والذيل والصلة»(27)، فمن أين أتى المحدثون بهذه التسمية (تاج اللغة وصحاح العربيّة)؟ لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال أقول: إنّني أثناء بحثي في قضيّة تسميّة (الصحاح)، وقفتُ في مقدّمة محقّق العباب الزاخر واللباب الفاخر عند سرده لمؤلّفات الصغانيّ على قوله عند حديثه عن كتاب مجمع البحرين ما نصّه: «هذا كتاب جمعت فيه بين تاج اللغة وصحاح العربيّة تأليف أبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ -رحمه الله- وبين كتاب التكملة والذيل والصلة من تأليفي، وسردت ما ذكره الجوهريّ أولًا على ما سرده، وعلامته ص، وأردفته ما ذكرته في التكملة، وعلامته ت، ثم أردفتهما حاشية التكملة، وعلامتها ح، وسمّيته كتاب مجمع البحرين، والله وليّ التوفيق»(28)، ثم علّق المحقّق في الحاشية الثانية هذا التعليق: النسخة المصوّرة من مجمع البحرين في مكتبة معهد الأبحاث الإسلاميّة بإسلام آباد ناقصة من الآخر؛ فلذا ما أحلتُ الكلام عليها(29)، والنصّ الوارد في الحاشية يطرح تساؤلًا مفاده من أين جاء المحقق فير محمد حسن بهذا النصّ الذي يعزوه إلى كتاب مجمع البحرين، وهو لم يحل إلى النسخة المصورة منه؟ وهذا الأمر دعاني إلى مراجعة كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، فوجدت فيه ما نصّه: «مجمع البحرين في اللغة في اثني عشر مجلدًا للإمام حسن بن محمّد الصغاني المتوفّى سنة 650 خمسين وستمئة، أوله الحمد لله حمد الشاكرين... إلخ، ذكر فيه أنّه جمع بين كتاب تاج اللغة وصحاح العربية للجوهريّ، وبين كتاب التكملة والذيل والصلة من تأليفه، فردّ ما ذكره أولًا على ما سوّده، وعلامته ص، وأردف ما ذكره بالتكملة، وعلامته ت، ثم أردف بحاشية التكملة، وعلامتها ح، وسمّاه كتاب مجمع البحرين»(30). وفي الختام، يتّضح من العرض السابق أنّ اسم معجم الجوهريّ هو (الصحاح) كما سمّاه معاصروه، ومن جاء بعده من العلماء الذين نقلوا عنه، والذين ألّفوا حوله استدراكات ومختصرات وانتقادات ومنظومات، وكما ورد أيضًا في كتب بعض من ألّفوا في المعاجم العربية من المحدثين، ولأنّ صاحب كشف الظنون، ومحقّق العباب الزاخر لم ينسبا اسم معجم الجوهريّ (تاج اللغة وصحاح العربية) إلى مصدر، وإنما أرسلا الكلام دون عزو، وهذا يجعلني لا أطمئنّ لما قالا، ولم يظهر لي من أين جاءت التسمية (تاج اللغة وصحاح العربيّة)، ولم أجدها أيضًا معزوّة إلى مصدر في كتب الدارسين المحدثين. (1) الجوهريّ، إسماعيل: الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربيّة، تحقيق: محمّد محمّد تامر، ص19. (2) الجوهريّ، إسماعيل: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطّار، صفحة العنوان. (3) عطّار، أحمد عبدالغفور: الصحاح ومدارس المعجمات العربيّة، ص13. (4) ابن الأنباريّ، عبدالرحمن بن محمّد: نزهة الألباء في طبقات الأدباء، تحقيق: إبراهيم السامرائيّ، ص252. (5) الحموي، ياقوت: معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تحقيق: إحسان عبّاس، ج2، ص657. (6) القفطي، عليّ بن يوسف: إنباه الرواة على أنباه النحاة، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، ج1، ص230. (7) اليماني، عبدالباقي: إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويّين، تحقيق: عبدالمجيد دياب، ص55. (8) الفيروزابادي، محمّد بن يعقوب: البلغة في تراجم أئمّة النحو واللغة، تحقيق: محمد المصريّ، ص88. (9) السيوطيّ، جلال الدين: بغية الوعاة في طبقات اللغويّين والنحاة، ج1، ص447. (10) انظر لسان العرب، مادّة (أدب). (11) انظر لسان العرب، مادّة (أبل). (12) انظر لسان العرب، مادّة (أهق). (13) الصفديّ، خليل بن أيبك: غوامض الصحاح، تحقيق: عبدالإله نبهان، ص61. (14) السيوطيّ، جلال الدين: المزهر في علوم اللغة وأنواعها، شرح وتعليق:محمد أبو الفضل إبراهيم، ومحمد جاد المولى، وعليّ البجاوي، ج1، ص84. (15) انظر الشرقاويّ، أحمد: معجم المعاجم ص227-ص234. (16) الفارابي، إسحاق بن إبراهيم: ديوان الأدب، تحقيق: أحمد مختار عمر، ص1، (التصدير بقلم إبراهيم أنيس). (17) انظر نصار، حسين: المعجم العربيّ نشأته وتطوّره، ص450. (18) انظر يعقوب، إميل: المعاجم اللغويّة العربيّة بداءتها وتطوّرها، ص105. (19) بروكلمان، كارل: تاريخ الأدب العربيّ، النسخة المنقولة إلى العربيّة، ج1، ص590. (20) سزكين، فؤاد: تاريخ التراث العربيّ، المجلّد الثامن، الجزء الأول، علم اللغة، نقله إلى العربيّة: عرفة مصطفى، ص392. (21) انظر إقبال، أحمد الشرقاوي: معجم المعاجم، ص216. (22) انظر أبو شريفة، عبدالقادر وزملاءه، علم الدلالة والمعجم العربيّ، ص133. (23) انظر نجا، إبراهيم محمد: المعاجم اللغويّة، ص96. (24) انظر بحيري، سعيد: المدخل إلى مصادر اللغة العربيّة، ص290. (25) خليل، حلمي: مقدّمة لدراسة التراث المعجميّ العربيّ، ص227. (26) انظر الصغاني، الحسن بن محمّد: التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربيّة، تحقيق: عبدالعليم الطحاوي، (صفحة العنوان). (27) انظر الصغاني، الحسن بن محمّد: التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربيّة، تحقيق: عبدالعليم الطحاوي، (صفحة المقدمة). (28) انظر مقدّمة العباب الزاخر واللباب الفاخر للصغاني، تحقيق: فير محمّد حسن، ص33. (29) انظر مقدّمة العباب الزاخر واللباب الفاخر للصغانيّ، تحقيق: فير محمد حسن، ص33، الحاشية رقم (2) (30) خليفة، حاجي: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، المجلّد الثاني، ص1599. ** **