يبدو أن الحلم المفزع للدكتور محمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية الطاقة الذرية، سرعان ما سيتحول إلى حقيقة. فوزراء مجلس التعاون الخليجي اجتمعوا في الرياض واتخذوا قرارا بدراسة إمكانية تطوير خطة نووية. الدول الخليجية الأعضاء في المجلس تخشى من مساعي إيران المتواصلة للحصول على سلاح نووي. صحيح أن هذه الدول صرحت بأنها تنوي بناء مشروع نووي سلمي، إلا أن إيران تدعي ذلك أيضا. وكانت قد سبقتها في ذلك كل من الهندوباكستان من أجل تبرير إنشاء مشروعها النووي الذي انتهي به المطاف إلى مشروع سلمي - عسكري. وبذلك تنضم دول الخليج إلى مصر التي أعلنت قبل ثلاثة أشهر أنها ستستأنف مشروعها النووي الذي تم تجميده إثر كارثة تشيرنوبل. تركيا أيضا أوضحت مؤخرا أنها تنوي بناء مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء. يضاف إلى ذلك المغرب والجزائر وسوريا التي تملك بدرجات متفاوتة بنى تحتية نووية وبإمكانها أن تطورها. الشرق الأوسط يسرع من تسلحه النووي وهذا هو الخطر الذي يحذر منه البرادعي في السنوات الأخيرة. مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي نال جائزة نوبل للسلام بسبب جهوده في تقليص الانتشار النووي، يدعو منذ سنوات إلى تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من السلاح النووي. هذه دعوة موجهة بالدرجة الأولى ضد إسرائيل التي يعتقد الجميع أنها تملك سلاحا نوويا. إسرائيل لا تعارض الفكرة من حيث المبدأ، إلا أنها تعتقد أن هذا النقاش يجب أن يجرى بعد اعتراف كل الدول العربية بإسرائيل وتوقيعها على اتفاقيات سلمية وأمنية معها. للوهلة الأولى، يبدو أن خطوات التسلح النووي في الشرق الأوسط تؤكد صدق موقف البرادعي، ولكن إن كانوا يبحثون عن المذنبين لاتهامهم، فيبدو أن البرادعي يتحمل الذنب أكثر من إسرائيل في هذا التدهور النووي. فوكالته نامت خلال الحراسة ولم تبدأ في الاستيقاظ إلا في عام 2002، بعد انتهاك إيران لالتزاماتها للوكالة ولمعاهدة حظر نشر السلاح النووي. ولكن حتى بعد كشف أكاذيب إيران واصلت الوكالة الدولية المراوحة في مكانها. بدلا من الإعلان عن طهران كدولة (مارقة)، فضل البرادعي صياغة تقارير تصالحية ومحاولة التفاوض معها، الأمر الذي وفر لها المزيد من الوقت وتطوير قدراتها النووية. طهران أصبحت اليوم قريبة جدا مما تسميه المخابرات الإسرائيلية (العتبة التكنولوجية) التي تسمح لها بعد عامين أو ثلاثة بإنتاج قنبلتين إلى أربع قنابل نووية. لو كان البرادعي قد صاغ تقاريره بطريقة أكثر حدة، لتم نقل القضية إلى مجلس الأمن قبل ثلاث سنوات وليس في فبراير 2006. جهود إيران ومساعيها لتطوير السلاح النووي هو جزء من تاريخها وهو لا يرتبط بإسرائيل بالأساس. الشاه السابق هو الذي كان قد أعد البنية التحتية وبعد فترة توقف محددة إبان حكم الخوميني - بسبب الحرب مع العراق والمعارضة العقائدية للسلاح النووي - تم استئناف المشروع في ظل القيادة الإيرانية الإسلامية بما فيها هاشمي رافسنجاني ومحمد خاتمي اللذين يعتبرهما الغرب (معتدلين). تطلع إيران المنهجي للحصول على السلاح النووي ينبع من اعتزاز قوي ورغبة في الحصول على مكانة عظمى إقليميا. وهو أيضا نتيجة للصدمة الصعبة التي نجمت عن استخدام صدام للسلاح الكيماوي ضدها. كما أن إيران تتطلع كذلك إلى تحقيق قدرة ردعية ضد ما تعتبره تهديدا لها من قبل واشنطن وإسرائيل. من الناحية الأخرى تعتبر الدول العربية، خصوصا مصر والسعودية، سعي إيران للحصول على السلاح النووي تهديدا شيعيا للإسلام السني. إفرايم أسكولاي عضو لجنة الطاقة النووية كان قد أشار إلى ذلك قبل ثلاث سنوات خلال مقال نشره في مركز يافي للدراسات الإستراتيجية. أسكولاي يعتقد أن الخوف السني من القنبلة الشيعية قد دفع السعودية إلى التوصل إلى تفاهم سري مع باكستان حول الصفقة التالية: - السعودية تبرعت وساهمت في المشروع النووي الباكستاني وحصلت على تعهد من إسلام أباد بتوفير (مظلة نووية) للسعودية. السعودية تملك وسائل إطلاق وقد اشترت قبل 20 سنة صواريخ بعيدة المدى (3000 كم) من إنتاج الصين. وهكذا، ورغم أن الدول العربية تواصل اعتبار إسرائيل النووية مصدر تهديد للاستقرار الإقليمي إلا أن قرارات هذه الدول بالسعي للحصول على السلاح النووي نابع بالأساس من خوفها من التهديد الإيراني.