أن يغيِّب الموتُ محبوباً عنك بقضاء الله وحكمته وهو خير لك في دينك ودنياك وآخرتك ولا شك، ولئن كان الإيمان والتسليم ينوِّران القلب ويطمئنان الجوارح ويسكنان القلب، فتهدأ بذلك الروح ويظهر ذلك كله على المحيا، بل ويتعدى نتاج ذلك كله إلى الأقربين وليست دعوة للجزع والتسخط. ولكن أن يغيِّب الموت ثلاثة من محبيك وثمرة فؤادك، وقرة عينيك، وسواعدك، وأملك في الحياة، ودعوات ترجوها في حياتهم وبعد موتك ترفعك عندالله الدرجات، وأن يجمع الله عليك فقدهم في ساعة واحدة ويكرمك بالقبول والتسليم بإرادة ملك الملوك، وتحمد وتسترجع، لهي من النعم، وهي من أجل أعمال القلوب التي يطلع عليها من يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وهي من توفيق الله للعبد المبتلى، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط. وهذا كله قد رأيته وأشهد الله عليه متجلياً ظاهراً على فضيلة الشيخ أبي عبدالله الشيخ عبدالرحمن السويح إمام وخطيب جامع الشفا بحوطة سدير والمدرس بالمعهد العلمي فيها ومدير مكتب الدعوة وتوعية الجاليات بالحوطة، الذي رزئ بوفاة ثلاثة من أبنائه كبيرهم عبدالله ومن بعده عبدالسلام ثم عبداللطيف في حادث يوم الأربعاء الأول من ذي القعدة من هذه السنة، رحمة الله عليهم وأبدلهم داراً خيراً من دارهم وأهلاً خيراً من أهلهم وأسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة. ولكن العلم والاستقامة على أمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام يفعلان بالمرء المسلم أنموذجاً طيباً ويكسبانه سلوكاً مرضياً - وأحسب ذلك في الشيخ عبدالرحمن ولا أزكيه على الله - فلقد ودعت سدير كلها شباباً من خير شبابها، وأولاداً بررة من خير بريتها، فإنه بلغني عنهم ما يثلج الصدر ويطمئن القلب، فكيف بوالديهم عوضهم الله خيراً وخلفهم في عقبهم خيراً. وسلوا إن شئتم من سكن حوطة سدير ومن عرفهم ووالديهم، وصدق الله إذ يقول (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) فكانت المنجاة لهم بسبب صلاح والدهما فكيف إذا كان الأب والأبناء أكرمهم الله بالصلاح والهدى بل والأم كذلك، أليست منجاة للجميع في الدنيا والآخرة. وإني لأرجو الله أن ينال أسرة الشيخ السويح هذه المنزلة والمكانة. ولمعرفتي بالشيخ أبي عبدالله فإني لأعجب من هذا الرجل الشهم، كريم الخصال، سمح النفس، سخي الروح والأيادي، تراه فتحبه، قريب الدمع فيما يرضي الله، صاحب خلق رفيع وذوق سديد، حسن المعشر، وقور سليم القلب، أحبه الله يوم أن أحبه من قبض ثلاثة من أبنائه إليه فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله واسترجع. فهنيئاً لأبي عبدالله ما وعده الله لمن فقد ولده وحمده واسترجع بيتاً في الجنة اسمه بيت الحمد اللهم بلغه إياه.. آمين. أبا عبدالله وعدتم فأجبتم، ونذرتم فأوفيتم، ولقد قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} «1» سورة المائدة، وهذه من صفات المؤمنين، وقوله: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} «34» سورة الإسراء فقد أمنكم الله هذه الأمانة ونذرتم على حفظها وتقوى الله فيها فنلتم بذلك قول الباري سبحانه ممتدحاً أهل الإيمان وبما ظفروا به من نعيم بما وفوا من النذر فقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} «7» سورة الإنسان. وسلمتم الأمانة لمالكها وهي على أحسن حال، فلكم من ربكم الجزاء الحسن والنعيم المقيم. ولا تخف ولا تحزن، ولكم غبطم بهذه الأمانة وحسن استلامها وتسليمها، وأبشر بقوله سبحانه {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} «10» سورة الزمر. وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، وتذكر أخيراً شهادة الناس فيهم بالخير والصلاح ولا تنس تلك الجموع التي شهدت الصلاة عليهم كأنها جنازة سلطان عادل أو عالم عابد، وقد ثبت في الصحيح أن من شهد عليه أربعة بصلاحه فإنه من أهل الجنة. وتذكر أن الله لن يخذلك بصبرك وتجلدك، فلك في قلوب محبيك منزلة عظيمة، فيا لصبرك المشهود ولرفعتك المحمودة. أخيراً ابتهل إليه سبحانه أن يجزي الشيخ عبدالرحمن خير الجزاء وأن يثبتنا وإياه على الحق والهدى والرشاد ويرزقنا الصبر والاحتساب وحسن الختام آمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد. فاكس 4502267