يسعى أبو مازن لتحقيق (رزمة استقرار) تسمح باستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وفي محيطه بدأت تنهض عناصر تؤيد إقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، شريطة أن تُمنح ضمانات دولية ل (إنهاء الاحتلال) في جدول زمني محدد. عناصر فلسطينية مقربة من(أبو مازن) تعتقد، لأول مرة بأن على إسرائيل أن تبادر إلى خطوة إستراتيجية حسب مبدأ (سوريا أولا)، وأن التقدم في القناة السورية سيساعد في إنقاذ عربة المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية من الوحل. هذه هي مبادئ وثيقة وضعتها جهات إسرائيلية غير رسمية، في أعقاب سلسلة من ثلاثة لقاءات سرية، عقدت في الأشهر الأخيرة في أوروبا بين إسرائيليين وفلسطينيين. ويدور الحديث عن اتصالات غير رسمية، ومن الجانب الفلسطيني شارك اثنان من مستشاري(أبو مازن) الأكثر قربا، ويعتبر الرجلان مقربان جدا من رئيس السلطة، وأدارا عن(أبو مازن) اتصالات عديدة في الماضي، وهذه المرة أيضا أرسلهما الزعيم الفلسطيني بتكليف وبصلاحية، ونقلا إليه التقارير. من الجانب الإسرائيلي كان هناك ثلاثة مندوبين: محفل أمني كان حتى وقت أخير ذو منصب مركزي في جهاز الأمن، شخص كان عضوا في (منتدى المزرعة) لأريئيل شارون وذو قدرة وصول عالية إلى مكتب أولمرت ومحافل سياسية عليا، وإسرائيلي ثالث مختص بالمفاوضات السياسية، كان ذا منصب مركزي في (طاقم السلام لدى إيهود باراك.). أول لقاء عقد في باريس بين 2 و 4 مارس من هذا العام، أما اللقاء الثاني ففي مدريد في ذروة الحرب (21 - 23 يوليو)، واللقاء الثالث جرى هو أيضا في مدريد، وانتهى قبل تسعة أيام، وحضر اللقاءات وسطاء أوروبيون على مستوى رفيع، ونقلت العناصر الإسرائيلية أثناء اللقاءات وبعدها تقارير الكبار المسؤولين الرسميين في إسرائيل شفويا وخطيا. اللقاء الذي عقد أثناء الحرب تضمن نقطة مثيرة للاهتمام وحاضرة على نحو خاص: تبين أن الفلسطينيين هما لبنانيان سابقا يتمتعان بعلاقة خاصة مع نبيه بري، رئيس البرلمان في بيروت، والمقرب من حسن نصر الله. وفي أثناء المداولات عقدا معه اتصالا مباشرا وبلورا بتوجيه منه، وفي ظل مفاوضات مع نظرائهما الإسرائيليين، مسارا لتحقيق وقف لإطلاق النار، ويجدر بالذكر أن الحديث يدور هنا عن الأيام التي سبقت قصف البيت في قرية قانا، وكان وضع إسرائيل العسكري في حالة أفضل. (حزب الله ينقل المخطوفين إلى الحكومة اللبنانية، إسرائيل تتعهد بعدم تحريرهما بالقوة، حكومة لبنان تعلن أن المخطوفين تحت مسئوليتها، وأنها مستعدة للتفاوض على تحريرهما، يتم الإعلان عن وقف للنار، إسرائيل ولبنان يبدآن، عبر طرف ثالث في مفاوضات فورية حول مسائل الأمن، وتحرير السجناء وغيرها من المواضيع)، هكذا جاء في وثيقة وضعها المشاركون، أحد الإسرائيليين حاول الاتصال من مدريد بمكتب رئيس الوزراء، وفي النهاية تحدث مع وزير كبير مقرب من إيهود أولمرت، ولكن تم إلغاء هذا المسعى وأبلغوه أنه لا توجد أي نية للدخول في مفاوضات أو لوقف النار، حتى إلحاق الهزيمة بحزب الله. اللقاء الأخير الذي انتهى قبل تسعة أيام، تضمن أقوالا في غاية الأهمية من الفلسطينيين، فالطرفان بلورا اقتراح (رزمة استقرار) يمكنها أن تنفذ بصلة بالتحرير المرتقب لجلعاد شاليط، ولكن ليس كاشتراط. أساسها: الجانب الفلسطيني يطبق وقف إطلاق نار كامل لكل المنظمات، في كل المناطق الفلسطينية. إسرائيل تسمح لحكومة السلطة الفلسطينية بالحكم. إسرائيل تخرج من مراكز المدن في مناطق أ، وتعود إلى مواقعها ما قبل 28 سبتمبر 2000، وتوقف عملياتها العسكرية، باستثناء نشاطها في إحباط العمليات الإرهابية، وتسمح بتواصل مواصلاتي فلسطيني، مع التشديد على شمالي الضفة. المبعوثان الفلسطينيان تلقيا من(أبو مازن) مصادقة على النقاط الأساسية في هذا البرنامج، أما الجانب الإسرائيلي فاكتفى بنقل تقرير مكتوب إلى القدس. وقال المبعوثان الفلسطينيان: إنه (لن تكون حكومة وحدة فلسطينية، وإذا قامت فستكون ضعيفة)، وحسب أقوالهما فإنه في أعقاب المعركة في لبنان (فإن حماس كفيلة بأن تشدد مواقفها، ولهذا فاحتمالية تحقق حل وسط مع فتح ضئيلة). وعلى حماس قالا: (لا توجد حماس خارج وداخل، لا فارق بين دمشق وغزة، وإن كانت هناك آراء مختلفة. في نهاية المطاف، فإن مجلس الشورى لديهم، هو الذي يتخذ القرارات بعد عملية طويلة من المشاورات، لقد أثبتت المعركة في لبنان عدم فشل نموذج حماس، والآن هناك جدال في أوساط حماس، بين الذين يقولون: إن نموذج حزب الله يثبت أنه لا مجال لحل وسط مع إسرائيل وبين أولئك الذين يقولون: إنه يجب البحث عن الطريق السياسي الذي يعني اتفاقا سياسيا مع فتح في إطار حكومة وحدة. وحسب الفلسطينيين، فقد فهما بأنه (على المستوى الإستراتيجي إسرائيل في ورطة، فقد علقت في واقع لا يوجد فيه بديل متفق عليه أو أحادي الجانب، ولهذا بدأ الفلسطينيون يرفعون السعر قبل لبنان، ظن(أبو مازن) أنه لا خيار لتسوية دائمة، ولا يوجد سوى خيار أحادي الجانب، أما الآن فهو يظن أن التسوية الدائمة تعود إلى جدول الأعمال، وذلك لأنه لا يوجد انطواء). في موضوع المبادرة العربية الجديدة: (أبو مازن يعلق آماله بالمبادرة العربية الجديدة التي ستطرح على الأممالمتحدة وتقرر مبادئ التسوية الدائمة في إطار خريطة الطريق، على أساس قرار الجامعة العربية). ويجري حث المبادرة على أساس أن هذا موضوع إقليمي وليس إسرائيلي-فلسطيني، وحسب الفلسطينيين فإنهم (في قطرلا يريدون للمبادرة العربية أن تنجح، ويدفعون باتجاه المفاوضات مع سوريا). النقاط المثيرة للاهتمام في أقوال المسئولين الفلسطينيين، كما أسلفنا هي حقيقة أنه في محيط (أبو مازن) بدأوا ينظرون بجدية في فكرة (دولة بحدود مؤقتة)، شريطة أن توفر الأسرة العربية ضمانات (لإنهاء الاحتلال)، وكذا الموقف غير المسبوق في أوساط بعض الفلسطينيين المقربين من(أبو مازن) الذي يقول: إنه يجب على إسرائيل أن تستأنف المفاوضات مع سوريا أولا. (التسوية مع سوريا هي مفتاح إنقاذ القناة الفلسطينية من المأزق والانطلاقة الإقليمية)، يقول أحدهما. (لا أمل في أن يتحقق تقدم في لبنان دون سوريا. الاتفاق كفيل بإخراج سوريا من نطاق النفوذ الإيراني، تقليص تأثير الخط المتطرف في طهران، وإخراج الجهاد الإسلامي من دمشق سيخفف على القناة الفلسطينية، وهذه إمكانية لخلق سابقة أخرى لإنهاء المطالب حيال إسرائيل، والتطبيع). وعن حسن نصر الله قال الفلسطينيان: (الإحساس في لبنان هو أن هذا نصر عظيم لحزب الله، وهو القوة السياسية والعسكرية المركزية في الدولة. الدمار الذي يتركز في المناطق الشيعية يساعد حزب الله على أن يتخذ صورة من دفع ثمن الحرب، ويتحمل أيضا عبء الترميم، والاعتراف بخطأ نصر الله لا يعتبر اعترافا بالهزيمة بل ندما، وتأثرا بالدمار في لبنان وولاء لطريق حزب الله الجماهيري، الذي هو طريق الشفافية. الردع الإسرائيلي تآكل: القتال الإسرائيلي عبر عن وحشية لم تحقق هدفها. تآكل الردع الإسرائيلي في العالم العربي هو أولا وقبل كل شيء نتيجة التورط الأمريكي في العراق. خطوة إسرائيلية ضد إيران، إذا ما فشلت من شأنها أن تمس بصورة شديدة بقوة الردع الإسرائيلي). ويعتقد المسئولان الفلسطينيان أن (حزب الله ليس ذراعا إيرانية، بل حركة لبنانيةأصيلة. إسرائيل محظوظة لأنها لم تقتل نصر الله. في مكانته الحالية، اغتيال نصر الله من شأنه أن يؤدي إلى خلق أثر يؤدي إلى تخليد المواجهة بين اليهود والشيعة في المنطقة).