كثيرة هي الألقاب التي يجمعها وليد جنبلاط فهو النائب والأستاذ والبك والرفيق وقبل كل هذه الصفات وليد جنبلاط المثقف الذي لا يغيب الكتاب عن يديه . يبدأ نهاره في السابعة والنصف صباحاً يوم السبت يوم استقبال الوفود بدون مواعيد يراجعونه بالصغيرة والكبيرة مثل شق طريق بين بلدة وأخرى أو طلب مساعدته في توظيف شاب في مؤسسة عامة أو خاصة . تقصده وفود من بلدة حاصبيا الجنوبية وتستمر رحلتها 3 ساعات للوصول إلى المختارة فيرد عليها جنبلاط في 30 ثانية. ينتقل من صالون إلى آخر في قصر المختارة الشهير المشبع بالتاريخ الذي تروي حجارته قصة عائلة جمعت الكثير من صفحات المجد والتاريخ الذي يعتز به أبناء بني معروف(الطائفة الدرزية). هذا الرجل يقف صلباً كالرمح في عز الأزمات فهو ينام على تراث لا ينضب وليس مبالغة إذا قلنا إنه طبع الطائفة الدرزية باسمه. خطفته (الجزيرة) من بين حشود الزائرين ورد على سلسلة من الأسئلة بطريقته البرقية المعهودة التي يألفها الصحفيون وخصوصاً مع وليد جنبلاط الذي لا يهدأ كعادته. يطلق سهام أجوبته بجرأة ويخاطب المسئولين في لبنان والخارج من قصر المختارة ويتردد صدى أجوبته في صالونات أروقة السياسة المحلية والدولية. ******* *من أين يأتي وليد جنبلاط بكل هذا الحضور؟ والمفارقة أن صالون استقباله يجمع بين المواطن العادي وأكبر مسؤول درزي في الدولة اللبنانية. تزين جدران صالونات القصر صور كمال جنبلاط وقادة من نخبة مشايخ الطائفة الدرزية وآخر الصور التي احتلت مساحة لافتة تعود للرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي بكاه جنبلاط من القلب في يوم استشهاده ولا يزال . يختار أجوبته بميزان من ذهب ولا تستطيع أن تأخذه إلى حيث تريد. هذا الرجل أثبت أنه قبطان سياسي ماهر في سفينة لبنان يعرف جيداً حركة الرياح الإقليمية والدولية, هناك مَنْ يقول إنه متقلب المزاج لكن باختصار يعرف جيداً كيف يقرأ حركة العواصف.. فإلى نص الحوار: * ما هو تقويمك لآثار العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي استمر نحو 33 يوماً؟ - كما وعد أولمرت بإعادة لبنان سنوات طويلة للوراء فعلاً عدنا إلى الوراء وقد كنا نتأمل قبل هذه الحرب بصيف واعد وحركة سياحية واستثمارات لكن الحرب أفشلت كل ما كنا نأمله وقد هجر ثلث شعبنا وما زلنا في بداية الطريق, حمداً لله أن هناك دولاً صديقة مثل المملكة العربية السعودية والكويت تقدم الدعم السياسي والمالي لكن آثار العدوان تتطلب وقتاً إلى أن يُعاد إعمار البلاد وإلى أن تُعاد الثقة وتستقر دولة واحدة على كامل الأراضي اللبنانية. * هل توافق على القول أن أميركا كانت تخوض هذه الحرب بواسطة إسرائيل ضد حزب الله؟ - سبق وذكرت أنه ربما كان هناك عدوان إسرائيلي يحضر من خلال أميركا على حزب الله لكن بنفس الوقت نحن في لبنان أصبحنا من جهة بين السياسة الأمريكية التي قامت بحرب استباقية وإيران التي قامت بحرب استباقية على حزب الله وهذا رأيي وهذا ما قاله حسن نصر لله أنه كان يتوقع حرب في أيلول أو تشرين فقام بهذه العملية لاستباق العدوان. هذا منطق؟ * هل أخذ حزب الله لبنان إلى هذه الحرب أم أنه أُجبر على خوضها؟ - لست أدري المهم جرت الحرب على أرضنا وعلى حساب أهل الجنوب وعلى حساب الدولة اللبنانية وعلى حساب الاقتصاد اللبناني والنتيجة اليوم هي نتيجة التسوية الهشة التي جرت. * هل كنت تتوقع هذا الصمود لحزب الله الذي وصفه البعض بالانتصار؟ - شخصياً وصفت صمود حزب الله بالانتصار وهذا الأمر ليس بمنكر عليهم لكن إذا استمرت الأمور بهذه الطريقة دولة ضمن الدولة، فإن مصير البلد يتجه إلى المجهول . * اللبنانيون منقسمون بالطبع اتجاه الحرب الأخيرة علماً بأنهم توحدوا في استقبال النازحين واستيعاب الصدمة. هل خرج الحزب على المستوى اللبناني منتصراً؟ - الذي يعطي السلاح والمال هو الذي يأمر بما أن السلاح والمال يأتيان عبر سورية من إيران، إذاً جدول أعمال الحزب خارج الإطار اللبناني بالرغم من أن مقاتليه لبنانيون. * قلت إن النظام السوري استغل هذا الانتصار. خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير هل تم بالتنسيق مع حزب الله أم أنه أزعج قيادة الحزب دون أن تُعلِّق على هذا الأمر؟ - بشار الأسد سرق هذا الانتصار في خطابه الذي أهان فيه الملوك والرؤساء العرب ثم استدرك واعتذر كعادته, لم يفعل الرئيس الأسد شيئاً سوى أنه كان فقط واسطة مرور للسلاح والذخيرة. ولست أدري إذا تم هذا الخطاب بالتنسيق مع حزب الله. * بعد صدور القرار 1701 يبدو أن لبنان أصبح في عنق الزجاجة لأن الأساطيل البحرية والجوية تطوق لبنان. هل لديكم قلق من وجود هذه القوات على أرض لبنان ولا سيما أن البعض يشبهها بالانتداب؟ - الأساطيل البحرية لا تطوق لبنان بل أتت للتدقيق في السلاح والذخيرة القادمة إلى لبنان لكن عملياً السلاح والذخيرة والصواريخ والمتفجرات تأتي عبر الحدود السورية ولا تزال. * عذراً وليد بك لكن وجود القوات الدولية في لبنان هل يمنع الخروق الإسرائيلية؟ - القرار 1701 تسوية مقبولة في الوقت الحاضر من قبل الأطراف جميعها. * بالأمس القريب اختطفت إسرائيل (5) مواطنين من عيتا الشعب ماذا لو استمروا على هذا المنوال؟ - لم ينسحبوا بعد من عيتا الشعب عندما ينسحبون سنرى إذا كان الجيش سيسيطر على الجنوب نتمنى ذلك؟ * هل تخشى الهجوم الذي تمارسه بعض القوى على حكومة الرئيس السنيورة وفي مقدمها التيار الوطني الحر الذي طالب بتغيير الحكومة واستبدالها؟ - سورية تريد استبدال الحكومة بأي ثمن وعندما هدأ المدفع خرجت نظرية حكومة الاتحاد الوطني أول من تحدث عنها حسن نصر الله ثم أتانا العماد عون بنفس الاتجاه, يريدون فقط إدخال البلاد في فراغ لأنهم يخشون من تشكيل المحكمة الدولية. * هل تعتب على الجنرال عون في هذا الخصوص؟ - لا أعتب على أحد, في السياسة لا مكان للعاطفة . * لماذا تعتبرون تغيير الحكومة أمر عمليات سورياً؟ - بالأساس قوى 14 آذار اتهمت النظام السوري بأنه يقف وراء سلسلة عمليات الاغتيال التي جرت في لبنان وكان موقفنا واضحاً عندما اتهمنا النظام الأمني السوري اللبناني المشترك بما يجري في لبنان حينها اختلفنا مع حزب الله عندما أعلن الحزب في يوم القدس عام 2005 على لسان أمينه العام السيد نصر الله أنه يتضامن مع القيادة والنظام والشعب السوري أما نحن نتضامن مع الشعب السوري ولا نتضامن مع القيادة التي هددتنا وبالأمس القريب واُعْتُبِرنا منتجٌ إسرائيلي؟ * كان هناك تناغم بين المعارضة السورية والمعارضة اللبنانية قبل انسحاب الجيش السوري من لبنان لكن هذا التناغم لم يستمر لماذا برأيك؟ - سجنت المعارضة السورية وإن هناك بعض المثقفين سجنوا أمثال ميشيل كيلو الذي لم يتمكن من المشاركة في تشييع جثمان والدته. * لكنك استقبلت المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين في سورية علي صدر الدين البيانوني؟ - جاء البيانوني على رأس وفد تضامني وقعت معه على عريضة تدين حكم الإعدام لأي شخص ينتمي للإخوان المسلمين. * هل تخشى من عودة موجة الاغتيالات لا قدر الله ؟ - لم تتوقف موجة الاغتيالات منذ يومين حاولوا اغتيال ضابط كبير من الضباط الأكفاء الذين يعملون في جهاز أمن المعلومات الذي يحقق في جريمة اغتيال الحريري. * هل تتوقعون ظهور نتائج قريبة على صعيد التحقيق الدولي؟ - هذا الأمر ليس من اختصاصي, علينا أن نرى استنتاج المحقق الدولي لكن عندما تشكل المحكمة والأمر قد يستغرق بضعة أشهر حينها يحق للمحكمة أن تستدعي إلى خارج لبنان وسورية مشتبهاً بهم لذلك عندما تحدث بشار الأسد في خطابه الأخير شدد مراراً على أولوية الشرعية الوطنية واعتبرها أكبر من الشرعية الدولية لأنه خائف من تشكيل المحكمة ذات الصلاحيات التي تتخطى الشرعيات الوطنية. * كيف رأيت التعاطي العربي مع الأزمة الأخيرة في لبنان ولا سيما الموقف السعودي؟ - بالأساس كان الموقف السعودي واضحاً من خلال رفضه التعاطي مع لبنان بنوع من المغامرات ونحن نؤيد هذا الكلام وفي النهاية مغامرة خطف الجنود أدت إلى هذه الكوارث الفادحة سياسياً واقتصادياً. نترك جانباً الموضوع العسكري نحيي المجاهدين لكن في النهاية لبنان كبلد وكيان وبنى تحتية تقريباً دُمِّرَ والوقفة السعودية والخليجية والأردن ومصر كانت وقفة ممتازة . * لماذا تنتقد دائماً التعاطي القطري مع لبنان؟ - لا أنتقدهم لكن أقترح على أمير قطر تأسيس (جبهة تحرير قطر) وسأنضم إلى هذه الجبهة وإذا أرادوا أيضاً يمكن لنا أن نقوم بعمليات استشهادية ضد القواعد الأمريكية في قطر التي منها أتت القنابل لتضرب أهلنا وتدمر قراهم في جنوبلبنان, كفانا مزايدات ومسرحيات. * يقوم النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة بزيارة لسورية وأعلن كعادته تأييده لمواقف النظام السوري ورئيسه بشار الأسد. لماذا تصر على مهاجمته ونقده في لقاءاتك الإعلامية.؟ - كنت أشترك مع عزمي بشارة في لجنة المعروفين الأحرار برئاسة الأستاذ سعيد نفاع فيما يتعلق بمنع الفلسطينيين العرب والدروز العرب في فلسطين من الالتحاق في جيش الدفاع الإسرائيلي، عزمي اختار أن يؤيد النظام السوري، اليوم يزور سورية بشكل علني لكنه دوماً يزور سورية بشكل سري ونحن على خلاف معه في تأييده للنظام السوري، سهل جداً على عزمي بشارة وعلى جورج غالاوي أن يؤيدوا الحلف الإيراني السوري ولبنان هو الذي يدفع الثمن وضحية المغامرات وهذا سهل جداً. * ما صحة أنك قلت إن عزمي بشارة هو مَنْ يكتب خطابات بشار الأسد؟ - لم أصل إلى هذه الخصوصيات وهذا ليس من شأني ولم أقل هذا الكلام؟ * ما هي توقعاتك لمستقبل النظام في سورية؟ - لست أبالي في النظام السوري أبالي فقط ببلادي, لكن لن يرتاح لبنان طالما أن بشارالأسد في هذا العقل المغامر. * ما هي قراءتك لمستقبل لبنان إزاء كل التطورات التي يشهدها؟ - جرت التسوية على كل حال، الجيش اللبناني فوق الأرض وحزب الله تحت الأرض والقوات الدولية أيضا موجودة وليس هناك في العالم دول بالتراضي؟ * هل هناك إمكانية للعودة إلى طاولة الحوار؟ - السيد حسن قال إنه يعرضنا إلى الاستشهاد وشخصياً أنا لست ذاهباً إلى الاستشهاد. * يلاحظ أنك لا تكسر الجرة مع الرئيس بري مهما وصلت الأمور ضمن فريق 14 آذار؟ - وقف الرئيس بري وقفة أساسية وقال في مهرجان تغييب الإمام موسى الصدر نحن الشيعة نحن لبنانيون ونحن عرب وهذا موقف أساسي ومهم ونحن متمسكون بالطائف. * على سيرة الشيعة.. تحاول قوى 14 - آذار إيجاد شخصيات شيعية جديدة لشق الموقف السياسي داخل الطائفة؟ - ليس نحن الذين يفعلون ذلك هناك تفاعل بدأ داخل الطائفة الشيعية وهذا شأنهم وهذا البلد للجميع يحضنه ويحفظه اتفاق وطني رعته المملكة العربية السعودية اسمه اتفاق الطائف الخروج عن الطائف مغامرة كبرى. * لكن حزب الله يقول إنه تحت سقف الطائف؟ - لم يقل حزب الله هذا الكلام. * هل تعتقد أن انتشار الجيش اللبناني على الحدود الجنوبية مع إسرائيل انتصار للبنان؟ - إذا كانت هناك سلطة واحدة تملك قرار السلم والحرب نعم يكون وجود الجيش انتصاراً للبنان، أما إذا كان الجيش موجوداً في مكان ما وغيره يملك قرار السلم والحرب، فإن التسوية هشة. * هل تقلص رصيد الحكومة في الشارع اللبناني ولا سيما هناك اتهامات مبكرة للحكومة بالتقصير؟ - هناك مَنْ قام بالحرب وهناك من دفع تعويضات الإيجار للمنازل التي دمرت ثم بنفس الوقت يحمل الدولة مسؤولية الإعمار؟ هذا أمر غريب وعجيب لكن الدولة مسؤولة عن الإعمار بفضل المساعدات السعودية والخليجية ومؤتمر استوكهلم لكن الحكومة قالت من اليوم الأول إنها لا تتحمل مسؤولية خطف الجنديين الإسرائيليين. * هل تتخوفون من المد الإيراني في المنطقة؟ - المد الإيراني وصل إلى لبنان وكيفية المعالجة صعبة أعتقد إذا أرادت أمريكا مواجهة إيران، فإنها ستنعكس على المنطقة العربية وعلى لبنان. الأفضل لحل هذه المسألة هو التسوية السياسية مع الجمهورية الإسلامية أفضل بكثير من الدخول في مغامرات عسكرية ولاحقاً إذا ما أردنا أن ننظر إلى الأبعد قد يكون من المفيد للإدارة الأمريكية إعادة النظر في سياستها من أفغانستان إلى إيرانوالعراقوفلسطين لأن الفشل بدأ يتمحور في أفغانستان ويظهر في العراق والفشل الأساس هو في فلسطين. إذا لم تعيد الإدارة الأمريكية النظر في سياستها في فلسطين وتجبر إسرائيل على تسوية تعطي فيها الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فإن المزايدين في الجمهورية الإسلامية وسورية لا يخسرون شيئاً. لذا علينا العودة إلى الأساس وهي المبادرة العربية التي انطلقت من بيروت التي ترأسها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وغير ذلك فإن مشعل فلسطين سيبقى بيد المزايدين. * ما هي قراءتك لمستقبل الشعب الفلسطيني؟ هل أنت متخوف على القضية الفلسطينية؟ - الشعب الفلسطيني سينتصر عاجلاً أو آجلاً والعد العكسي لإسرائيل ابتدأ لكن على الإدارة الأمريكية التي تؤيد بشكل مطلق إسرائيل أن تعيد حسابها لأنها وصلت إلى أفق مسدود. * وليد بك دائماً تتحدث بإيجابية عن حماس وتميز بين حماس الداخل والخارج؟ - حماس انتخبت ديمقراطياً ولكن أتى من يحاول أن يسرق هذا الانتصار الديمقراطي ولكن على الغرب والعرب أن يفك الحصار عن حكومة حماس. * كيف تصف علاقتك بالجنرال عون؟ - ليس لديَّ علاقة. فقط هناك بعض المراسلات. * كلمة أخيرة حول الوضع الإقليمي؟ - على الجمهورية الإسلامية أن تحدد مطالبها إذا كانت تريد أن تتوسع في الخليج وعلى حساب الدولة اللبنانية هذا أمر نرفضه وفي النهاية عليها أن تحترم دول الخليج وألا تستخدم العراق كورقة ضغط على دول الخليج وألا يستخدم حزب الله للضغط على لبنان.