سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أشاد ب "حزب الله" والمقاومة التي "أعطت درساً تاريخياً" ... لكن "هل يبقى لبنان وحده يتحمل الصراع العربي الاسرائيلي" ؟ . جنبلاط ل "الحياة" : طلبت اعادة النظر في طريقة ادارة سورية للملف اللبناني
قال الوزير اللبناني السابق وليد جنبلاط انه لم يطلب انسحاب القوات السورية من لبنان "وانما طلبت اعادة النظر بطريقة ادارة سورية للملف اللبناني"، مبدياً رغبته في اللقاء مع الرئيس السوري بشار الاسد لشرح وجهة نظره بشأن "التوازن في العلاقة السياسية والأمنية والاقتصادية" بين البلدين. واوضح جنبلاط، في حديث الى "الحياة"، ان "ما لا أريده هو التدخل الافقي للجهاز الأمني السوري في لبنان، فهذا الأمر أصبح مزعجاً" ولذا "طلبت جعل العلاقة الأمنية مركزية بين الدولتين". واكد انه يريد العلاقات اللبنانية - السورية واضحة ومحددة "على اسس سليمة ومتينة" معتبراً انه "اذا كان البعض يريد ان يكون في لبنان النظام السياسي نفسه كما في سورية، فإن هذا الأمر سيكون سيئاً". وتحدث جنبلاط عن "حزب الله" فقال ان هذه المقاومة أعطت درساً تاريخياً "على غرار الدرس الذي تلقاه الاميركيون في فيتنام والجيش السوفياتي في افغانستان والجيش الفرنسي في الجزائر"، لكن "السؤال هو ما اذا كان لبنان سيبقى وحده يتحمل الصراع العربي - الاسرائيلي؟ وهل يمكن فتح جبهات أخرى؟"، وقال انه لا يعارض استمرار الصراع في لبنان "ولكن أين هو الدعم المالي؟ الا اذا كان المطلوب هو أرض محروقة، وعندها على الكل تحمل مسؤولياته". هنا نص الحديث: "الحياة": لماذا تطلب الآن تقويم العلاقة اللبنانية - السورية؟ ما سبب توقيت هذا المطلب وما الذي تطلبه بالتفصيل؟ جنبلاط: كنت دائماً أدعو الى تقويم موضوعي للعلاقات اللبنانية السورية. وفي المرحلة الاخيرة هناك حدثان مهمان وقعا، انهزام اسرائيل في جنوبلبنان وتحرير الجنوب، ووفاة الرئيس حافظ الأسد التي تركت آثاراً كثيرة. في مرحلة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب والبقاع الغربي وفي عهد الرئيس حافظ الأسد لم يكن ممكناً مناقشة الوضع السوري في لبنان. تحرير الجنوب أحدث انفراجاً كبيراً، وكان لا بد من طرح اسئلة حول طريقة ادارة سورية للملف اللبناني. لم أطلب انسحاباً سورياً، بل طلبت اعادة النظر بطريقة ادارة سورية للملف اللبناني. ماذا أقصد؟ لا نقاش بوجود الجيش السوري في لبنان، فالظروف الاستراتيجية العسكرية تفرض حماية الخاصرة السورية في مواجهة اسرائيل، الى ان تطبق الاتفاقات الدولية وينسحب الاسرائيليون من الجولان. حوار مع الرئيس بشار الأسد؟ "الحياة": لعل الرئيس بشار الأسد يطمح للعلاقات الأفضل مع لبنان، ألا تعتقد ان دورك يقضي بدعمه الآن، ربما في مواجهة الراغبين في ابقاء السيطرة المتشددة؟ جنبلاط: لا أريد التدخل في الشؤون الداخلية لسورية. واذا كان في الامكان القيام بحوار مع الرئيس بشار الأسد حول كيفية تعزيز وتصحيح العلاقات السورية اللبنانية، فأتمنى ذلك. "الحياة": ولكنك التقيت به مرات عدة. جنبلاط: التقيت به رسمياً مرة واحدة. "الحياة": هل في الامكان القول انك ترغب في التوجه الى دمشق للحوار معه وتحسين العلاقة؟ جنبلاط: اذا كانت هناك فرصة لتوضيح أفكاري المستندة الى الكلمة التي ألقيتها في مجلس النواب حول تصحيح العلاقة السورية - اللبنانية، وحول التوازن في العلاقة السياسية والأمنية والاقتصادية، فليس لدي مانع اذا كانت هناك ايجابية في تفهم ذلك. "الحياة": ما الذي يهمك على وجه التحديد؟ جنبلاط: لقد حددت في المجلس النيابي مسألة العلاقات الامنية بين الدولتين. وما لا أريده هو التدخل الافقي للجهاز الأمني السوري في لبنان، فهذا الأمر أصبح مزعجاً. هناك أمن دولة يتعاطى مركزياً مع أمن دولة أخرى عبر الأجهزة المختصة. لا داعي لهذا الانفلاش الامني الحاصل، ولذا طلبت جعل العلاقة الأمنية مركزية بين الدولتين. فلدى سورية مثلاً مسؤولون أمنيون منتشرون في كل مكان في لبنان. أليس في امكاننا نحن في لبنان ضمان متطلبات سورية الأمنية؟ لقد ورد في اتفاقية الطائف ان أمن سورية من أمن لبنان وان أمن لبنان من أمن سورية. هذا عنوان عريض جداً. الأمن اللبناني لا يتدخل في سورية. ونحن لا نريد ان نتدخل في سورية. فيجب ان يكون العكس أيضاً كذلك. مع العلم بأننا كلبنانيين أقحمنا في مراحل عديدة المسؤولين السوريين في أمور مختلفة وكان علينا ان نتحمل مسؤوليتنا تجاهها. المصالح الأمنية السورية ينبغي ان نكون قادرين الآن على تحديد ما نعنيه بالمصلحة الاستراتيجية الأمنية لسورية في لبنان. فنحن لا نريد ان يعود لبنان مركزاً للتآمر على النظام السوري، مثلما كان عليه الامر في الخمسينات والستينات. فالانقلابات التي كانت تحدث في سورية، كان منطلقها في لبنان. وحتى في نهاية السبعينات، كان أحد مراكز الاخوان المسلمين موجوداً في لبنان، واليمين اللبناني وحتى بعض الفلسطينيين، ساعدوا الاخوان المسلمين في عمليات تخريب ضد سورية. اما اليوم، فاستقرت الامور ولم يعد هناك اخوان مسلمون ولا عامل اسرائيلي. اما بالنسبة الي فما أقصده بالأمن الاستراتيجي السوري في لبنان هو ألا يسمح لبنان لتنظيمات سياسية أو عسكرية بالتآمر على النظام السوري، مع الاحتفاظ بحرية الحركة السياسية والصحافية فيه. "الحياة": قال الرئيس بشار الأسد ان للوجود السوري في لبنان وجهين، احدهما لاستعادة السلام والاستقرار في لبنان وهذا شأن يخص الدولة اللبنانية، والوجه الآخر يتعلق بالحرب والسلام مع اسرائيل وهذا شأن يخص سورية ولبنان. جنبلاط: نعم. قال الرئيس بشار الأسد ان هذه المسألة تثار بين الحكومتين. فرئيس الجمهورية اللبناني اميل لحود ورئيس الحكومة رفيق الحريري قالا لاحقاً ان الوجود العسكري السوري ضروري وموقت وشرعي. فلنحدد لماذا هو ضروري. هل من أجل السيطرة على المخيمات الفلسطينية؟ فليكن. أم لحماية سورية من اي اعتداء اسرائيلي؟ فليكن. أم لاحلال السلام في لبنان؟ لقد أحلّ السلام وسلمت الميليشيات أسلحتها. ويقولون ان الوجود العسكري السوري موقت. فليكن، ولكن الى متى؟ قال الرئيسان لحود والحريري ان القوات السورية ستبقى حتى السلام وربما بعد السلام. هذا مبهم. أنا لا أناقش الوجود العسكري السوري في الاماكن الاستراتيجية حيث يعتبر الجانب السوري وجوده ضرورياً، وفي مواقع تمكنه من الدفاع عن نفسه. لكنني أناقش موضوع دور الأمن السوري في الحياة اللبنانية. "الحياة": أنت اذن منذ البداية لم تناقش الوجود العسكري السوري. جنبلاط: لا. فقد إتُهمتُ بالتواطؤ مع البطريرك والاميركيين. البطريرك طالب بالانسحاب السوري الكامل. لكني طالبت باعادة الانتشار مع تحقيق المركزية على صعيد الشؤون الامنية. وحدة المسارين والمصيرين "الحياة": هل ان وحدة المسارين اللبناني والسوري في المفاوضات مع اسرائيل تدخل في اطار الأمن الاستراتيجي السوري؟ جنبلاط: لقد اتفقنا على وحدة المسارين، آخذين في الاعتبار انه مفهوم لبناني. فوحدة المسارين لم ترد في قرارات الاممالمتحدة. ولا نستطيع ان نحصل من الاممالمتحدة على قرار يربط بين القرارين 425 و242 فهذا غير وارد. لكننا اتفقنا على وحدة المسارين كعلاقة أخوية واستراتيجية بين لبنان وسورية. "الحياة": أنت لا تتحدى معاهدة الأخوة والصداقة بين البلدين؟ جنبلاط: كلا أنا لا أرفضها. لكن ما أثيره هو كيفية تنفيذ بعض بنودها، بدءاً بالتدخلات الأمنية. "الحياة": هناك دول عديدة تريد مساعدة الرئيس بشار ودعمه. وأنت والبطريرك في لبنان تبدوان مهمشين دولياً. وبالنهاية أنت زعيم الدروز في لبنان، فهل تعتبر انك تضع نفسك في موقع خطر؟ جنبلاط: اذا عدنا الى التاريخ القريب، والى المعادلة الدولية، نرى انه في العام 1976 أعطت الولاياتالمتحدة الى حد ما تفويضاً لسورية في لبنان "من أجل الاستقرار". واعترض كمال جنبلاط على هذا التفويض ولم ينجح. وحتى هذه اللحظة، الكلام الاميركي واضح. فالرئيس بوش أبلغ الحريري ان الادارة الاميركية تتعامل مع الواقع، ولا تستطيع ان تتفادى سورية لأنها قلب المنطقة، وهي تتعاطى معها كعامل استقرار، وصاحبة دور في المنطقة. ولا ننسى اهتمام اميركا بموضوع العراق وأهمية الدور السوري فيه. كل ما نقوله ونطلبه هو تحسين الادارة معنا. فنحن شركاء في السياسة والحرب والاقتصاد ونقول حسّنوا هذه الادارة. "الحياة": هل تريد وضع هذه العلاقة في اطار شراكة بين طرفين. جنبلاط: على أسس متينة واضحة. "الحياة": على أسس أفضل؟ جنبلاط: نعم على أساس أفضل. "الحياة": انت لا تناقش طبيعة العلاقة ولا تتحدى المصالح الحيوية لسورية؟ جنبلاط: لا أبداً، لكن ينبغي تحديد هذه المصالح الحيوية بوضوح، لأن نظامنا في لبنان مختلف عن النظام في سورية. واذا كان البعض يريد ان يكون في لبنان النظام السياسي نفسه، فإن هذا الأمر سيكون سيئاً. "الحياة": لكن يبدو ان سورية مستاءة من موقفك؟ جنبلاط: هناك نقطة أريد توضيحها. فقد تكون لدى البعض أحلام، مفادها ان لبنان الذي سلخ عن سورية سنة 1920 ، نتيجة لاتفاق سايكس بيكو، عاد اليها. اعتقد ان المجموعات الكبيرة الاقتصادية والسياسية تبنى من خلال ارادة مشتركة وفي جو من الديموقراطية والحريات وتعزيز المجتمع الاهلي. هذا ما حدث في اوروبا بعد حروب دامية بين فرنسا والمانيا، حيث برزت شخصيات تاريخية مثل جان مونيه وكونراد اديناور، قررت طي صفحة الحرب والمضي في اتفاقات عبر احترام خصوصيات الشعوب وارادتها في التعبير. وعندما نصل الى هذه المرحلة في العالم العربي، بدءاً بلبنان وسورية، لبناء وحدة عربية ديموقراطية واحترام المجتمع الاهلي، تكون ذلك قفزة نوعية كبيرة جداً. وعندما نتحدث عن وجود الجيش السوري فقط كأساس في العلاقة اللبنانية السورية، فنحن نشوّه هذه العلاقة لانها وُجدت قبل وجود الجيش السوري في لبنان وستبقى بعده. هناك علاقات طبيعية بين الشعبين وحتى أكاد أقول، كما قال حافظ الأسد، اننا شعب واحد في دولتين. واذا عدت الى المفهوم الدرزي الصغير، فنصف الدروز في سورية ينتمون الى العائلات نفسها في لبنان والى التفكير نفسه. والأمر نفسه بالنسبة الى المسيحيين والمسلمين. حدثت ظروف، وانفصل لبنان عن سورية سنة 1920 فماذا نفعل؟ "الحياة": اذن موقفك مختلف جداً عن موقف البطريرك؟ جنبلاط: نعم. إتُهمتُ بالتآمر، كما إتُهم البطريرك بالتآمر مع الاميركيين. وتبيّن انه ليست هناك مؤامرة اميركية تساند البطريرك، الذي ذهب الى الولاياتالمتحدة ولم يستقبله أحد من المسؤولين الاميركيين. مشكلة مزارع شبعا "الحياة": الغرب والأمين العام للأمم المتحدة يقولان ان مزارع شبعا موضوع يُحل في اطار القرار 242 ، فما رأيك في هذا؟ جنبلاط: حسب قرار الأممالمتحدة المنطقة خاضعة لقوات الاوندوف. وما يفيد قانونياً لتحديد الأمر هو ترسيم الحدود، والمنطقة اليوم محتلة. اذا كان البعض يريد من خلال مزارع شبعا ابقاء الصراع مع اسرائيل مفتوحاً، على ان تكون وسيلة ضغط على اسرائيل، مثلما هي وسيلة ضغط على سورية من الطرف الآخر، فلا مانع اذا كان هذا المطلوب، بغض النظر عن القرارات الدولية. لكن لهذا الوضع تبعات. والسؤال هو ما اذا كان في استطاعة لبنان ان يبقى بوابة الصراع مع اسرائيل الى الابد. وماذا عن النتائج الاقتصادية والاجتماعية؟ وهنا اتساءل عن قدرة الشعب اللبناني على تحمل حرب مفتوحة. "الحياة": انت اذن تنتقد عمليات "حزب الله" في مزارع شبعا. جنبلاط: ان "حزب الله" وجزء من الشعب اللبناني مدعومان مالياً وعسكرياً واجتماعياً من ايران. هل في امكان ايران تمويل كل الشعب اللبناني من أجل حرب تستمر الى الأبد؟ خلال الحرب الأهلية الرهيبة، وفي أسوأ أيامها كانت هناك حركة مالية محلياً ومن الخارج. اما الآن فالدولة مفلسة وليس هناك مال ووضع الجنوب صعب جداً. الناس في الجنوب يشكون ويتذمرون من الاوضاع القائمة والحاجات كثيرة. بدأ رفيق الحريري تطبيق مشروع من أجل النهوض الاقتصادي على أساس انه يريح الشعب اللبناني. لكن هذا المشروع يصطدم اليوم بوضع اللا حرب واللا سلم. نحن على مشارف مأزق اقتصادي كبير والحركة المالية التي كانت موجودة في زمن الميليشيات لم تعد موجودة الآن. الحركة المالية التي يمكن توقعها ستأتي عبر مشروع الاعمار المنتظر من جانب حكومة الحريري. فهل يستطيع ان يقوم بهذا الاعمار في ظل هذا المأزق وفي حالة لا سلم ولا حرب؟ وكيف يمكن التوفيق بين حالتي اللاسلم واللاحرب، فهذا هو السؤال. دور "حزب الله" "الحياة": يبدو ان "حزب الله" هو الميليشيا الوحيدة التي لا تزال تحظى بتمويل. جنبلاط: نعم انها الميليشيا الوحيدة الباقية، وبتمويلها. "الحياة": كنت في السابق حليفاً ل "حزب الله" فهل تغير الوضع الآن، وكيف ترى هذه المقاومة؟ جنبلاط: هذه المقاومة أعطت درساً تاريخياً، على غرار الدرس الذي تلقاه الاميركيون في فيتنام والجيش السوفياتي في افغانستان والجيش الفرنسي في الجزائر. اما الآن فقد تحررنا، صحيح انه لا تزال هناك قضية مزارع شبعا، وأهمية مزارع شبعا العسكرية قد تكون فعلية أم لا، لكنها بوابة فلسطين. السؤال هو ما اذا كان لبنان سيبقى وحده يتحمل الصراع العربي - الاسرائيلي؟ وهل يمكن فتح جبهات أخرى؟ لقد اجتمعوا في طهران وقرروا دعم الشعب الفلسطيني، ولكني أريد أيضاً دعم الشعب اللبناني. أحدهم قال فلتفتح كل الجبهات - وأعتقد انه أحد ممثلي "حماس" - وهذا جيد، لكنه يتطلب دعماً عسكرياً ومالياً. واذا عدنا الى اتفاقية وادي عربة، او حتى كمب ديفيد، نجد انها اتفاقات سياسية وعسكرية ولها أيضاً موجبات مالية من الغرب. فثمن كمب ديفيد اتى ب 2 الى 3 بليون دولار سنوياً لمصر، فهل يستطيع العرب استبدال الدعم الاميركي بالدعم العربي؟ واذا كان ذلك ممكناً فسيكون شيئاً عظيماً. وعندئذ سيكون في الامكان استعادة مصر وفتح جبهتها الغربية. والأمر نفسه ينطبق على الاردن. ولكن ما هو الدعم المالي الذي تلقاه حتى الآن الشعب الفلسطيني؟ فعلى حد علمي ان الحركة الصهيونية العالمية تقدم لاسرائيل 12 بليون دولار سنوياً، فهل يستطيع العرب القيام بالمثل؟ فأن نريد استمرار الصراع في لبنان ليس مشكلة، ولكن أين هو الدعم المالي؟ الا اذا كان المطلوب هو أرض محروقة، وعندها على الكل تحمل مسؤولياته. "الحياة": ألا تعتقد ان "حزب الله يلعب دوراً رادعاً مهماً في وجه اسرائيل؟ جنبلاط: نعم ولكن في الوقت نفسه علينا ان نتحمل الضربات المترتبة على ذلك. واذا أردنا الاستمرار في هذا الوضع حتى نخرج اسرائيل من الجولان ونصل الى السلام، فكيف نتحمل في لبنان النتائج على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي؟ "الحياة": لقد استاء الرئيس بشار الأسد من عنوان صحيفة "المستقبل" التي انتقدت توقيت عملية "حزب الله" والغى موعداً كان محدداً لاستقباله الحريري ولم يحدد له موعداً آخر. جنبلاط: من حق الحريري الذي يتعاطى مع المؤسسات المالية الدولية، والذي كان عائداً من اجتماع "باريس الاول" ويسعى الى التحضير لاجتماع "باريس الثاني" ان يدرك ان هذه المؤسسات لن تعطي أموالاً على ظهر الجمال للبنان، وانما تعطيها من خلال وضع سياسي. فاذا كان الوضع السياسي مناسباً فإنه يُسهل مهمة الحريري. ومن حقه ان يقول انه بالطبع مع المقاومة ولكن هناك حداً أدنى للعلم والخبر. وعلى حد علمي، فإنه لم يناقش قضية المقاومة، بل يناقش التوقيت والتنسيق وبالنهاية فهو رئيس وزراء. "الحياة": هل تعتبر ان "حزب الله" مستقل، مثلما يقول الرئيس بشار الأسد وقبله الرئيس حافظ الأسد، بأن سورية ليس لها علاقة بعمليات الحزب؟ جنبلاط: لا أعتقد ان السوريين يتحملون استقلالية او انفراداً في العمليات في جنوبلبنان، لان هذا كلف السوريين ولبنان الكثير في الماضي. فعندما كان ياسر عرفات يتصرف كما يريد في جنوبلبنان، لتحسين شروطه في التفاوض مع اسرائيل والغرب، استغلت الاوضاع العسكرية الخاصة التي كانت سائدة في الجنوب وكان الاجتياح الاسرائيلي للبنان سنة 1982. لا أعتقد ان سورية تستطيع ان تتحمل مجدداً الحالة الخاصة نفسها. بل أعتقد ان هناك تنسيقاً سياسياً وعسكرياً كبيراً بين "حزب الله" وسورية. اللقاء بين لحود وجنبلاط "الحياة": التقيت الرئيس اميل لحود، وكان يُقال ان علاقتك تدهورت مع سورية نتيجة حملتك على لحود، فهل تمت المصالحة معه؟ جنبلاط: ما حدث مع الرئيس لحود هو التالي. قلت له ان البطريرك الماروني يطالب بانسحاب عسكري سوري من دون قيد او شرط. والجواب السياسي على هذا الطلب أتى من السيد حسن نصرالله الذي قال انه مع بقاء القوات السورية في لبنان من دون قيد أو شرط. قلت للرئيس لحود، أليس هناك حل وسط؟ لا بد من حل وسط. والحل الوسط الذي إقترحته هو العودة الى اعتماد الكلام الذي قلته في مجلس النواب حول تحسين شروط الوجود السوري في لبنان وتحسين الادارة السورية للملف اللبناني. فأجاب لحود بشكل ايجابي، بأنه لا بد من حل وسط. فقلت له اني لست وسيطاً، وهو رئيس الجمهورية. وكان الرئيس بشار الأسد قال انه يتعاطى مع الدولة اللبنانية عبر الرئيس. فهذه وجهة نظره لكننا في بلد ديموقراطي يوجد فيه تشاور، وهذا لا يعني انه ليس من حقي العودة لاحقاً لمناقشة الموضوع. فأنا كمواطن من حقي أن أناقش الرئيس لحود، حول ما وصل اليه الملف السوري - اللبناني، ضمن المعطيات التي تحدثت عنها. وسألتقيه مجدداً لهذا الغرض. قضية العمال السوريين "الحياة": هل ترى ان العلاقات الاقتصادية مع سورية سليمة وماذا عن العمال السوريين في لبنان، الذين باتوا يتعرضون لنوع من العنصرية من جانب بعض اللبنانيين؟ جنبلاط: لنأخذ العلاقات الاقتصادية اليوم. على رغم كل الاتفاقات التي تم التوصل اليها في عهد الرئيس الياس الهراوي والحريري، فإن ما أراه اليوم عملياً على الأرض هو ان العلاقات الزراعية محكومة من جانب مجموعة قليلة من النافذين اللبنانيين والسوريين. الحدود بين البلدين مفتوحة، ولكن من المستفيد من ذلك، المزارع السوري؟ لا، المزارع اللبناني، أيضاً لا، بل فقط المافيا من الطرفين. والشيء نفسه ينطبق على المصالح الاقتصادية الاخرى. قبل الحرب كان لبنان بحاجة الى اليد العاملة السورية. اما اليوم فينبغي النظر في العدد المطلوب من العمال وفي أي قطاعات. نحن بحاجة اليهم في قطاع البناء وفي القطاع الزراعي، اما في القطاعات المتخصصة من النجارة والتبليط، فلسنا بحاجة. وعلى وزارة العمل اللبنانية ان تضع جدولاً، لنعرف عدد الذين يعملون في لبنان وكيف دخلوا، علماً بأن الارقام التي ترد في هذا المجال مضخمة "الحياة": أنت تدافع باستمرار عن الحريات في لبنان فهل هناك نتائج؟ جنبلاط: لم يحدث شيء. فمن أجل الدفاع عن الحريات في لبنان، نحتاج الى قضاء مستقل، والقضاء اللبناني غير مستقل وغالبيته خاضعة لأمرة الاجهزة اللبنانية. فقد انهار القضاء. استغرق الأمر ثلاثة اسابيع لنمنع عناصر الامن العام من ملاحقة سمير قصير لأنه كتب مقالاً في "النهار" وقال فيه رأيه في أحد المسؤولين. وأنا والحريري وغازي العريضي لا نستطيع ان نمنع الملاحقة. هناك خلل. من يحكم الاجهزة في لبنان؟ هذه الاجهزة لها استقلالية، والمواطن اللبناني يعتبر انها امتداد للأجهزة السورية. والقضاء في رأيي، خصوصاً بفي وجود البعض، لم يعد قضاء مستقلاً. "الحياة": جرت محاولة اغتيال لشقيقة النائب أكرم شهيّب فهل كانت موجهة ضدك أم كانت قضية شخصية بالفعل؟ جنبلاط: في اللحظة التي وقع فيها الانفجار، كانت الاشاعة في البلد على المستوى الرسمي والقضائي ان الحادث فردي، علماً بأن التحقيق لم يكن قد بدأ بعد. كانت الاشاعة أشبه برسالة سياسية. ولذلك كنت حاداً في الجواب، فطلبت انتظار التحقيق. ثم توصلوا الى الاستنتاج، وكانت الاشاعة كأنها تعميم بأن الحادث فردي، على أساس ان خطيب الفتاة التي فقدت عينها في الانفجار يعمل مع سلطان بروناي. فهذه مزحة، ان يعمل سلطان بروناي على تصفية حساباته في لبنان بواسطة قنابل يدوية. الأزمة المالية في لبنان "الحياة": هل تعتقد ان لبنان على أبواب أزمة مالية كبرى؟ جنبلاط: نعم هناك وضع اقتصادي شديد الخطورة، فهو مأزق اقتصادي. وما يحاول الحريري القيام به هو تأجيل ديون قصيرة المدى بانتظار لحظة سياسية داخلية، لجلب الاستثمارات والمضي في مشروع النهوض الاقتصادي. هل يستطيع ذلك؟ هذا هو السؤال. "الحياة": هل يمكن للأسرة الدولية ان تقوم بتحرك لانقاذ الوضع في لبنان، على الصعيد الاقتصادي، خصوصاً ان انهياره سيؤثر في الودائع السورية في لبنان وفي سورية نفسها؟ جنبلاط: هنا أيضاً أعود الى القضية الاساسية. أنا مقتنع بأن لبنان المستقر والديموقراطي، مع دور قوي لمسيحييه على الصعيد الاقتصادي والسياسي والثقافي، هو مكسب لسورية. بعد عشر سنوات من النزوح والهجرة المستمرة ما الذي بقي للبنان من النوعية الجيدة، 10 في المئة؟ فسورية والعالم العربي اضافة الى لبنان، تخسر مكسباً كبيراً للمستقبل. "الحياة": هل تعتقد ان الحريري سينجح في مساعيه؟ جنبلاط: الحريري يسير بصعوبة. كل ما يقوم به هو تأخير لحظة تناول الكأس المرة. فهو يحاول تأخير موعد التسديد، الى ان تأتي ظروف سياسية أفضل. "الحياة": وماذا عن اللقاء الذي ستعقده في الاردن مع عزمي بشارة، وبعض الدروز؟ جنبلاط: لدي مشروع عبر اللقاء في عمّان مع عزمي بشارة والوزير الفلسطيني أسعد عبدالرحمن ومع رؤساء بلديات من الجليل. فدروز فلسطين في مأزق اذا لم يتحرروا من قبضة الحكومة الاسرائيلية ولم يدخلوا في عملية اعتصام واحتجاج على استخدام بعضهم كمرتزقة وجنود في الجيش الاسرائيلي. الدروز في مأزق وهذا يشكل احراجاً كبيراً لدروز فلسطين مع باقي عرب فلسطين، وأيضاً للدروز في لبنان وفي سورية. لا بد من الخروج من هذه الدائرة ووقف التعامل بينهم وبين السلطة الاسرائيلية. ولذا سألتقي مع عزمي بشارة لوضع آلية معينة على هذا الصعيد، لأنه وسواه، يقوم بحركة لرفض التطوع في الجيش الاسرائيلي.