قرأت ما كتبه الكاتب عبدالله بن بخيت وذلك خلال مقاله الأصلي في عدد الجزيرة رقم 12354 الصادر بتاريخ الأول من رجب 1427ه وفي رده على الشيخ في عدد الجزيرة 12361 الصادر بتاريخ 8 رجب 1427ه. وأقول إن واجهة الخلط في حديث ابن بخيت عن مصطلح الأنوار (التنوير) جاء من واقع زعمه أن عصر (الأنوار) الذي ساد أوروبا عابراً التاريخ والجغرافيا، أن فيه (قبساً) من تلك المشكاة التي أشعلها الرسول عليه الصلاة والسلام وعلقها في سقف الوجود! وفي هذا الزعم (تضليل) واضح للقارئ وتسطيح لتاريخ الحضارة الغربية، التي استبعدت الدين كأساس ومصدر معرفي وسلمت قيادها لسلطان العقل، بل تزوير حقيقي لمضمون (التنوير) الغربي الذي ساد أوروبا، كل ذلك لكي تجعله منسجماً مع مضمون (التنوير) في المفهوم الإسلامي! رغما أن المضمونين يتضادان تماماً. عند هذه النقطة أجدني في وادي المشاركة لتوضيح الفارق الكبير والتضاد بين مفهوم التنوير الغربي الذي يحتفي به الأخ عبدالله بن بخيت من واقع استشهاده برموز من حضارة الغرب، وبين مفهوم التنوير الإسلامي الذي لم يشر إليه أو يشد به، رغم تاريخه العطر الذي يمتد لأكثر من عشرة قرون، بل خلطه وأخفى جوهر حقيقته بين طيات عصر الأنوار (التنوير) الذي يريد، بزعم تلك العلاقة بين أنوار الغرب ومشكاة النبوة. الأنوار (التنوير) مصطلح غربي من حيث اللفظ والمضامين، وهو: حركة فلسفية ظهرت في القرن الثامن عشر الميلادي، تقوم على مبدأ التحرر من السلطة الكنسية والتقاليد الدينية، من خلال الاعتداد بالعقل والاستقلال بالرأي، مع الإيمان بالأخلاق، والتنوير يعكس فترة تاريخية حرجة في مسيرة الغرب الحضارية، تعود جذورها إلى فرنسيس بيكون (1561 - 1626م)، الذي كان له السبق في رفض تدخل الدين بالمعرفة، غير أن (التنوير)، ارتبط بالقرن الثامن عشر الميلادي الذي شهد صعود الفكر التنويري، حتى أن أبرز المفكرين الفلاسفة صاروا يمثلون التنوير، فعرف العالم عصر (التنوير)، بمعرفتهم لرموز غربية أمثال فولتير، وروسو، حتى جوته وكانت وغيرهم!. والتنوير أو الفكر التنويري جاء رد فعل على أفعال الكنيسة الاستبدادية وسيطرتها المطلقة (الدينية والفكرية) على حياة الناس، وتقاليدها التي كبلت حركة الفكر الإنساني وجمدت واقع الحياة اليومي وألغت العلوم والمعارف، وذلك من خلال رفض هيمنة الفكر الكنسي وتحرير العقل وإطلاق كل ملكاته الإبداعية واعتبار الدين علاقة روحية محدودة الإطار بين العبد وربه في دار عبادته، حتى وصل الأمر إلى رفع شعار: لا سلطان على العقل إلا للعقل. وبفعل المد التنويري المتصاعد تهاوت أبراج الكنيسة المنيعة، وراحت أوروبا تضع خطواتها على الدرب الحضاري بعد عصور الظلمة، فانتشر الفكر التنويري الذي راح يمجد العقل وحده، بل وتأليهه، فخرج الكفر والإلحاد وظهرت النزعة المادية، وتشكلت التيارات الفكرية وازدهر العلم ودبت الحركة الصناعية في أوصال الأمة الغربية. بهذا يكون التنوير الغربي (الوضعي) قد أقام - خلال مسيرته التاريخية - قطيعة مع الموروث الديني المسيحي، داعياً إلى رفضه، وعدم استلهام تعاليمه أو الانطلاق من أسسه الفكرية، وجعل العقل هو الإله والمرجعية الوحيدة. في المقابل يبدو (التنوير) حسب المفهوم الإسلامي مغايراً تماماً، فهو الانطلاق من خلال تعاليم (الإسلام) الذي جاء ذكره بالقرآن في معنى (النور)، المقررة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لذلك فالمسلم الحق يؤمن بالتنوير الإسلامي فقط، الذي يعني النظر بعقل مؤمن في المنابع الجوهرية للإسلام وتعاليمه النقية، ولفقه أحكامه الربانية، واستلهام إجاباتها على كل ما يستجد في واقعه.