شددت الناقدة سارة الرشيدان على أن التنوير سبب للنازية التي كانت مسؤولة عما أصاب اليهود، فمؤلف كتاب جدل التنوير مفكران ألمانيان من أصل يهودي جاء في الورقة التي ألقتها ضمن نشاط «الملتقى الثقافي»، الذي يشرف عليه الناقد الدكتور سعد البازعي، وعنوانها «تاريخ التنوير في الثقافتين العربية والأوروبية» مساء الثلاثاء الماضي بنادي الرياض الأدبي وعرفت الرشيدان التنوير بأنه النمط من التفكير الذي يعتمد العقل أو العقلانية أو يستمد نوره من العقل، كما هو المجاز الكامن في المصطلح نفسه. ويقوم على قيم مثل الحرية، والعدالة بدلا من الأوهام والتسلط والظلم، مرجعة بداية تاريخ التنوير في القرن الثامن عشر نتيجة مجموعة من الظروف الفكرية والاجتماعية والاقتصادية في التاريخ الغربي الأوروبي أمريكي. وبالتالي ارتبط بثقافته تلك، حيث عد المؤرخون الربع الأخير من القرن السابع عشر بداية التنوير والربع الأخير من القرن الثامن عشر نهايته ويربطون تاريخ البداية بأعمال نشرت للورد شافتسيري وجوزف أديسون 1699م. كما يربطون نهايته بوفاة أعلامه ومن آخرهم هولباخ 1789. الرشيدان قالت في ورقتها إن المؤرخ الفرنسي بول هازار عد بداية تاريخ التنوير 1680 و 1715في كتابه أزمة الضمير الأوروبي وأن التنوير نتيجة مخاض ثقافي يمتد لما يعرف بعصر النهضة وبعصر الإصلاح. وعددت الرشيدان المفهوم والسمات التي يصعب الوصول معها لتعريف دقيق لمصطلح التنوير، لاختلاف مؤرخيه في كونه حركة أو ظاهرة، مستشهدة برأي إيمانويل كانط الذي عرف التنوير في إجابته عن سؤال ما هو التنوير إن التنوير هو تحرر الإنسان من الوصاية التي يفرضها على نفسه. ثم يعرف الوصاية بأنها عجز الإنسان عن استعمال قدرته على الفهم دون توجيه من الآخرين. ولفتت إلى أن ميشيل فوكو أجاب عن سؤال (ما هو التنوير؟) مازال سؤال تقف أمامه الفلسفة مقدار إجابة إيمانويل كانط عن السؤال بأنها لحظة وعي تنويري لا تقدم وصفا كافيا له ووصف فوكو لإجابة كانط يمثل أحد تلك المداخل الممكنة للتعامل مع تلك الظاهرة من جيل معاصري التنوير فهي وثيقة تاريخية، في حين اتخذ التنوير شكلا معلنا، فالوصف الأقرب له هو الحركة أوالأيديولوجيا. وصف القرن الثامن عشر في فرنسا بأنه «عصر الأنوار» ومن أعلام التنوير من الفرنسيين مونتسكيو وفولتير و هولباخ وديديرو و روسو. موضحة أن الداعي للتنوير يعرف بالفيلسوف التي تعني معنى أقرب لقولنا»المثقف» ومن الأوصاف الممثلة لتلك الرؤية، وصف فولتير لمدام دي شاتيليه، مشيرة إلى أن من أوائل من تنطبق عليهم صفة الفيلسوف التنويري في فرنسامونتسكيو الذي ألف رسائل فارسية وكتاب روح القوانين وجه مونتسكيو في كتاب روح القوانين تحليلا لعدد من الأنظمة السياسية وفي رسائل فارسية انتقد المؤسسات الفرنسية من خلال رسائل متخيلة من رجل فارسي زار فرنسا في كتاب رسائل فارسية إثارة حسية للشغف الأوروبي بفانتازيا الشرق لاسيما أروقة الحريم الفارسية، وساهم مونتسكيو مع غيره من الفلاسفة الفرنسيين في تأليف (الموسوعة أو المعجم المنظم للعلوم والفنون والحرف). كما اشترك في كتابة المقالات، وتعد الموسوعة أنموذجا للإعلاء التنويري من شأن المعرفة، كما تُعد منجزا معرفيا للتنوير خارج فرنسا، حيث لعبت إنجلترا و أسكوتلندا وهولندا دورا بارزا في التنوير أثر في الفرنسيين أنفسهم واختتمت الرشيدان ورقتها بقولها إن الرومانطيقية تُعد أول التطورات المعارضة للتنوير خاصة في أنها أعلت قيمة الخيال والوجدان نظرة الرومانطيقية للطبيعة، من حيث هي منطلق التاريخ البشري انتقدت المدرسة الفرنكفونية التنوير في كتاب بعنوان جدل التنوير كان نقدهم لها من أن نظرة التنوير كانت شمولية تغيب عنها الفروقات كما انتقدوا أن التنوير لم يستطع التخلص على الرغم من عقلانيته من الإرث الأسطوري، فتتحول الأسطورة إلى تنوير والطبيعة إلى شيئية موضوعية. وعلّق عبدالله الشهيل فكان مما قال: إن اكتشاف الأمريكيتين كان فرجاً للعالم بعد أن ظهر التعصب كأحد ملامح النهضة التي تلت التنوير الأوروبي، و مما يُحسب للنهضة أنها كانت الفاصل بين العصور الوسطى و العصور الحديثة فهي الجسر الذي أدى لتغيير جذري. وأشار الشهيل إلى أن تأثير الثورة الفرنسية كان بسبب وجود قيادات فكرية لكنها أنتجت مجانين ومستبدين و دفعت لاحتلال المغرب العربي. و ذكر عبد الكريم المطلق أن من أبرز حسنات التنوير هو الإصلاح الديني والطباعة و رجال الدين المجددين. وأشار صالح الزهراني إلى أن دخول مصطلحات جديدة كالحداثة والتنوير دون تعريفها وتحديدها يحيل إلى صعوبات أخرى، فهناك دول نجحت في نقل المفهوم مع تكييفه ونحن عجزنا عن ذلك، وأشار إلى أن ربط التنوير بالتطور أمر غير صحيح ، فالتنوير الصناعي كان في بريطانيا على سبيل المثال محتكراً ، فالوصف الأدق هو أنه صراع تحت مظلة فكر. كما أن المبتعثين الأوائل كالطهطاوي لم يلتفتوا إلى الأوضاع الإنسانية السيئة في باريس آنذاك وإنما نظروا إلى ما كان ظاهراً لهم. و في تعليق للدكتور سعد البازعي ذكر أن التنوير في فرنسا لم يكن ليظهر دون وجود سياق تاريخي أو منظومة من القيم سبقت التنوير، و أشار إلى أن الفهم السائد بأن التنوير كان في فرنسا غير دقيق وأن أجزاء أخرى من أوروبا اشتركت في ذلك مثل إنجلترا وأسكتلندا وهولندا وألمانيا، الذين يعدون التنوير ظاهرة يرونه نتاج تطور تاريخي وغير محدود بمنطقة واحدة في أوروبا، في حين أن الذين يرونه حركة فيرونه فعلا حركيا منظما عمل فيه عدد كبير من التنويريين. وفي الطرف الثاني من النقاش حول التنوير في الشرق العربي الإسلامي ذكر الشهيل أن العرب لم يعيشوا تنويراً بل نهضة انتكست، وأن كل من حاول التجديد التنويري اتهم بتهم كثيرة منها الماسونية كما حدث لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. وبينت ملاك الخالدي أن التجربة البريطانية حين تعايش التنوير مع المؤسسات الدينية دون صراع و أكدت أن هذه التجربة جديرة بالاحتذاء في الشرق، كما ذكرت أن العقلانية المعتدلة هي من صميم الإسلام، فالدعوة إلى تغليب العقل لا يعني تغييب الدين وهنا يتجلى مفهوم الاجتهاد، كما أن هناك من أصول الفقه ما يقوم عليها التشريعات المؤسسة على قواعد عقلانية كالقياس مثلاً. وذكر سامي العريفي إلى أن الفرق بين التنوير الغربي والشرقي هو أن الغرب أبدعوه و الشرق قلدوه ، وأشار إلى أن بعض التهم التي اتهم بها المجددون كالماسونية كانت صحيحة، لكن أولئك المجددين كالأفغاني ومحمد عبده لم يعلموا بالأجندة والأهداف الخفية والحقيقة للماسونية، كما أن الماسونية تطورت بعدهم بشكل مخيف وحاد. وعلّق الدكتور سعد البازعي بقوله إن الكنيسة البريطانية كانت متسامحة مع الأفكار الجديدة نتيجة لدخول البروتستانية إنجلترا منذ القرن السادس عشر، ما أزال أسباب التصادم. و ختم بقوله إن نابليون كان نقطة مهمة في تغيير الحضارة العربية في العصر الحديث وإن كانت أطماعه سياسية أو قصد إلى التغيير، فقد جاء بالطباعة والعلماء والأسلحة الحديثة فاكتشف العرب عالماً جديداً عليهم.