سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اختفت (السيديهات) الإباحية من الشوارع الخلفية وأوصدت المباني بأبواب حديدية ( الجزيرة ) تقف على أطلال البطحاء.. مازال هناك الكثير من الملفات المفتوحة ( 2-2)
*رصد - فهد الغريري وسعود الشيباني: (ج.ع) شاب سعودي يبلغ من العمر 32 عاماً، تعاطى الكحول لمدة ستة عشر عاما، ترك الحياة كلها خلفه وعاش في أزقة البطحاء وبيوتها المهدمة وشققها المفروشة مع مدمنين آخرين وكان يشرب يوميا 12 زجاجة (خرش) (نوع من أنواع الكولونيا المسكرة ذات أضرار صحية قاتلة)، وبعد أن شاهد صديقه يموت أمام عينيه قرر (ج.ع) أن يقلع نهائيا عن الكحول والمخدرات، وهو الآن يحمل صفة (مدمن تائب) منذ قرابة العام. إنها إحدى نماذج الحياة التي تزخر بها شوارع منطقة (البطحاء) في وسط الرياض، حيث تمتلئ الأزقة هناك بنماذج أخرى كثيرة ومتعددة تشكل بانوراما تستحق التوقف عندها طويلا: تمرير مكالمات بشكل غير قانوني، أقراص مدمجة وأفلام إباحية، دعارة، كحول، مخدرات، هذا عدا المخالفات (البسيطة (لأنظمة البلدية والمرور من بيع على الأرصفة ووقوف خاطئ وعرقلة سير، جنبا إلى جنب مع المتسولين والمساكين من أمثال (ابوعلي). ومنذ أكثر من عام انطلقت حملة أمنية شاملة على منطقة (البطحاء) بأمر من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، يوما وراء يوم لمدة أربعة أشهر كان الفريق المشكل من جهات أمنية ورقابية مختلفة تقودها شرطة منطقة الرياض يداهم البطحاء ابتداء بما يسمى (سوق البنغالية)، مرورا (بالمرقب)، وانتهاء بتوسع اقليمي للحملة لتصل إلى جدة والدمام وغيرها، خلال تلك المدة تم الكشف عن ملايين الأقراص المدمجة غير الشرعية، وعشرات مصانع ومخازن الكحول، بالإضافة إلى أوكار تمرير المكالمات وشبكات الدعارة، وتم القبض على مئات المخالفين. في الحلقة الأولى من هذه الجولة سلطت (الجزيرة) الضوء على مشاكل أصحاب حافلات (خط البلدة) والنقل الخصوصي مع المرور، ومشاكل أصحاب (البسطات) التي تمتلئ بها أرصفة البطحاء مع موظفي البلدية، بالإضافة إلى (ابوعلي) كنموذج للمتسولين هناك.. وفي هذه الحلقة ننتقل إلى أزقة مايسمى ب (سوق البنغالية) بحثا عن مخلفات الماضي من أقراص إباحية ومروجي كحول ومدمنين. الأزقة الفارغة في المساء بدأنا جولتنا داخل (سوق البنغالية) الذي كان يعج بشتى أنواع المخالفات فيما مضى، كانت الشوارع الخلفية مليئة بالعمالة الأجنبية مابين مشاة ووقوف على جوانب الطريق، ولكن لم يكن بينهم عمالة يبيعون (السيديهات) الإباحية في الشارع على منصات خشبية انتصبت في جوانب الشارع بشكل علني كما كانوا يفعلون في الليالي الخوالي قبل أكثر من عام! كما اختفت أيضا (بسطات) الخضار التي كانت تبيع نبات (التمبل) المخدر الذي يتعاطاه العمّال الشرق آسيويين. نحن نعرف هذه الشوارع جيدا فقد قمنا بزيارتها كثيرا لكتابة تقارير عن كل هذه المخالفات، كما قمنا بمصاحبة رجال الأمن وهم يداهمون أوكار المخالفين، ولكنها الآن يسودها الهدوء، حتى المقيمين الذين كنا نتحدث معهم بلغة عربية مكسرة لنطلب منهم (سيديات) ممنوعة كانوا يقولون مباشرة: خلاص.. بطحا مافيه (سيدي)..كله يمسك شرطة! حتى أن أحدهم وهو يدير محل فيديو امتلأ بالملصقات الهندية والبنغالية دعانا إلى تفتيش المحل بكل ثقة مؤكدا أنه لا يبيع أي ممنوعات وأنه يحمد الله لأنهم تخلصوا ممن يبيعها. بعض المباني تم تغيير أبوابها بأخرى جديدة مصنوعة من الحديد، وأغلب الأبواب كانت مقفلة، وكنت تشاهد العمّال ينسلون من الأبواب خروجا أو دخولاً بهدوء وخفة. موسم الهروب اتجهنا إلى أزقة (المرقب) المظلمة بحثا عن مدمني (الخرش) الذين سبق أن شاهدناهم ينامون في الطرقات وكتبنا عنهم ناشرين صورا لهم قبل عام مضى، كانت الأزقة خالية إلا من المارة العاديين من المقيمين والأجانب، بحثنا عن مروجي هذا النوع من الكحول والذين كانوا يقفون في تلك الشوارع فلم نجدهم، عندها قررنا الذهاب إلى مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالبطحاء والذي كان له صولات وجولات في القبض على المدمنين والمروجين. في مركز الهيئة التقينا بالشاب (ج.ع)، وصفه أحد أعضاء الهيئة بأنه (مدمن تائب) وأنهم يتواصلون معه للاستفادة من علاقاته في القبض على المروجين، وأيضا لمراقبته ودعمه حتى لا يعود إلى تعاطي المسكرات والمخدرات. وقد تعاون مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونتج عن هذا التعاون قيام الهيئة بالقبض على أحد أكبر مروجي (الخرش)، والذي يعتبر المروج الأساسي لمنطقة (البطحاء) حتى أن الهيئة صرحوا لنا أنه بعد أن تم إيقافه لاحظوا انحسار ظاهرة ترويج وتعاطي (الخرش) في البطحاء بشكل كبير وملاحظ يقدرونه بنسبة خمسين بالمئة تقريبا، وإن كان أغلبهم قد نزحوا إلى مناطق أخرى قريبة وشكلوا جماعات إدمان أخرى في (العود) و (الحلة) وغيرها. وبدأ (ج) في الحديث عن تجربته: بدأ في شرب الخمور عام 1411 ه (منذ ستة عشر عاما تقريبا وحين كان عمره 16 سنة !)، توظف بشهادة الابتدائي في حرس السجون عام 1414 وفقد وظيفته عام 1420 بعد أن كثر غيابه عن العمل ومشاكله بسبب التعاطي، وترك منزل أهله ليعيش في غرفة وصفها بأنها (لاتكاد تكفيه إذا تمدد (، ويعاني من حالة نفسية يقول أن سببها (عمل) من السحر وضعته له فتاة كان على علاقة عاطفية بها، توقف عن تعاطي الكحول منذ قرابة السنة، وكان السبب في ذلك كما يقول هو موقفين: الأول عندما شاهد اثنان من أصدقائه يصابون بحالة هيستيرية في إحدى المرات التي تعرضوا فيها للإيقاف لمدة ستة أيام في مركز شرطة البطحاء، يقول: كنت أعتقد أني وصلت إلى مرحلة خطرة من الإدمان حتى رأيت ماذا فعلا حين انقطعوا عن الشراب، لقد كانوا يصرخون ويهرشون في أجسادهم ويستفرغون وهنا سألت نفسي إن كنت أريد أن أصبح مثلهم مستقبلا ؟ وقررت التوقف، والثاني عندما مات أحد أصدقائي أمام عيني في جلسة سكر وكان قد أصيب قبلها بشلل في الوريد ولم يعد يصل الدم إلى دماغه ! وعن السحر الذي يقول أنه قد تم وضعه له يقول: أصبحت أنتبه إلى نفسي أحيانا فأجدني في مقبرة (السبالة) التي تبعد مسافة طويلة عن البطحاء، كنت أمشي مسافات بعيدة دون أن أشعر إلا فيما بعد، وفي إحدى المرات وجدت نفسي على طريق (الحائر) (عشرات الكيلومترات). (ج) كان يشرب يوميا 12 زجاجة (خرش) وكان يتناول أنواعا أخرى من الكحول مثل (العرق)، كما أنه تعاطى الحشيش المخدر في فترات سابقة، ولكنه يصف نفسه بأنه كان مدمنا على (الخرش) ويقول أنه أشد أنواع الإدمان وأنه أقوى مفعولا من الهيروين المخدر. و بالإضافة إلى الاستخدام كان أيضا يمارس الترويج في فترات متقطعة لتوفير المال والمسكر، ويصف مدخوله اليومي وقتها بالضخم مشيرا إلى أصحاب الأعمال الأخرى: كمثال عندك سواق خط البلدة اسأله آخر اليوم كم كسبت ؟ فيقول 200 - 250 ريال، بينما أنا معي 2000 - 3000 آلاف ريال من بيع (الخرش) الذي كان المصدر يشتري الكرتون منه (24 زجاجة) ب 90 ريالاً ويبيعه ب 150 ريالاً. وعن مجتمع المدمنين ذكر (ج) أنه مجتمع غريب وتحدث فيه أشياء لايقبلها العقل السليم، تحدث عن العراك الذي يحدث في جلساتهم بسبب أن كثير منهم لايتعارفون بل يجمعهم (الخرش) وكثيرا ماتحدث بينهم مشادات كلامية تنتهي بالعراك، وأشار إلى أن هناك امرأة اربعينية مدمنة (خرش) تحضر معهم في البيوت الطينية وفي الغرف المستأجرة لتعاطي الكحول حتى لو كان ذلك على حساب (شرفها) فهي تمارس الدعارة مع أي مدمن وقد تم القبض عليها أكثر من مرة ولكنها تعود دائما بعد أن تخرج من السجن، وهنا سألناه: ولكننا نعرف أن المرأة لاتخرج من السجن إلا بحضور وكفالة ولي أمرها، فأجابنا: بالضبط..اخوها كان يكفلها كل مرة ويخرجها من السجن، واخوها هذا هو نفسه الذي كان يحضر معها إلى جلسات المدمنين فهو مدمن أيضا ! وعن تعاونه مع الهيئة في القبض عل المروجين الذي كان هو أحد زبائنهم يقول: عندما كنت مدمناً كثيرا ما تسببت بالأذى للمروجين فقد كنت أحيانا أصرخ بهم: الهيئة.. الهيئة، لدفعهم إلى الفرار خوفا من القبض عليهم، ومن ثم أقوم بأخذ بضاعتهم من كراتين (الخرش)، وفي إحدى المرات كنا في جلسة سكر مع أحد المروجين وعندما لاحظت أنه بدأ يفقد وعيه أخذت مفتاح سيارته من نوع (ميكروباص) وكان فيها 16 كرتون مليئة بزجاجات (الخرش) وقمت بتفريغ السيارة من حمولتها ثم أعدتها دون أن يعرف المروج فيما بعد من قام بسرقته. ويكمل (ج): أما الآن فقد أصبحت أعقد معهم صفقات وهمية لتقبض عليهم الهيئة متلبسين بالجريمة وبحيازة الممنوعات. عندما سألناه عن تعرض المدمن للسجن قال أنهم لايخافون من السجن لأنهم لايتعرضون له إلا قليلا حيث يتم إيقافهم ليوم أو أيام قليلة ويعمل لهم محضر ثم يتم إخلاء سبيلهم، وهنا أضاف الشيخ فهد الموزان رئيس مركز الهيئة قائلا: كثير من المدمنين نقبض عليه أكثر من مرة حتى أصبحنا نعرفهم ويعرفونا بالأسماء، لأنهم في كل مرة يخرجون من التوقيف و يعودون للبطحاء من جديد لتناول المسكر في البيوت الطينية والغرف المستاجرة مع البقية، بل أنه حتى مستشفى الأمل لايقبل استلامهم ومعالجتهم بداعي أنهم ليسوا من مدمني المخدرات. وماذا بعد؟ المرور، البلدية، الشرطة، وزارة الصحة، الجوزات، وزارة العمل، كل هذه الجهات هي ذات علاقة مباشرة بهذه النماذج التي ترسم ملامح (البطحاء)، وإذا كانت الحملات الأمنية الماضية قد نجحت في محاربة الكثير من أشكال الفساد والعفن في تلك الأزقة فإنه لازال هناك الكثير من الملفات المفتوحة تنتظر البت فيها، تدور هذه الملفات في أغلبها حول عدد من الأنظمة والقوانين التي تطبقها الجهات الرسمية أعلاه في النماذج المذكورة وغيرها، ابتداء من قانون المرور في منع نقل ملكية (خط البلدة)، مرورا بأنظمة البلدية في مراقبة (البسطات)، وانتهاء بعدم إيجاد حل قانوني لدى الشرطة ووزارة الصحة للتعامل مع ظاهرة مدمني الكحول (الخرش تحديدا)، ولاننسى الإشارة إلى الجوازات ووزارة العمل إذا تذكرنا قصة (ابوعلي) الذي يشتكي مسّاً من الجن، وإذا وضعنا نصب أعيننا أن أغلب مشاكلنا ترعاها يد العمالة الأجنبية.