فتحت حوادث"الكولونيا"في السعودية ملفات كانت مغلقة، بعد أن فتكت خلال أسبوع ب54 شخصاً من متعاطيها من مدمني المُسكر، بينهم 17 شخصاً فارقوا الحياة، تحت تأثير مادة الميثانول السامة التي تدخل في تركيبها. وعلى رغم التحرك السريع للجهات المعنية للتباحث في هذا الشأن، والخروج بتصورات ورؤى علمية، لاتخاذ وسائل احترازية تحد من مسلسل"الموت"، الا ان الظاهرة تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك، خصوصاً أن معظم متعاطي الكولونيا هم من المدمنين السابقين الذين أصابهم العوز. ظاهرة تعاطي"الكولونيا"عن طريق الشرب ليست بالأمر الجديد على المجتمع، ذلك ما يؤكده بعض المتعافين من المدمنين السابقين، ممن يعملون حالياً في برامج الدعم الذاتي في إدارة مكافحة المخدرات. يقول بعض أصحاب التجربة السابقة من هؤلاء المتعافين، إن متعاطي"الكولونيا"يصطلحون على تسميتها ب"الخُرش"منذ السبعينات الميلادية، ويؤكدون"أن تعاطي هذه المادة مُضر ويسبب تقلصات وأوجاعاً حادة في الأمعاء، ولكنهم في الوقت نفسه يستبعدون إمكان أن تكون سبباً رئيساً للوفاة". هذا التصور الذي جاء نتيجة ممارسة وخبرة، يقودنا إلى سؤال عن نوعية ونسب المواد التي تدخل في تركيبة"الكولونيا"الجديدة القاتلة، بعد أن أصبحت الوفاة بسبب تعاطي"الكولونيا"ظاهرة خطيرة، خصوصاً أن مادة"الميثانول"التي ذهبت التقارير الطبية إلى أنها سبب الوفاة، موجودة أصلاً في تركيبة كل أنواع"الكولونيا"، بل إنها المحفز الأول لتعاطي الكولونيا، كونها مادة كحولية مسكرة. اختصاصي الباطنة الدكتور صفوان زعتري، يرجّح أن تكون هذه النوعية القاتلة من"الكولونيا"مشبعة بالمواد المثبتة السامة، أو أنها تحتوي على نسبة عالية من مادة"الميثانول"السامة، التي تؤثر في شكل مباشر في وظائف الجهاز العصبي، وتتسبب في تلف الأعضاء. المطالبات بضرورة تفكيك وتحليل المواد الداخلة في تركيب نوعيات"الكولونيا"، ومن ثم العمل على تصنيفها على قائمة المواد المحظور دخولها للبلاد، يقابلها تحفظ على القيام بمثل هذا العمل، لأن الحال"سوء استخدام"قبل أن يكون"خطأ استهلاكياً"، وهذا ما يؤكده المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور خالد المرغلاني بقوله:"الكولونيا للاستخدام الخارجي فقط وليست للشرب، لذلك ليس من المنطق منع بيعها في الأسواق، لمجرد أن البعض يسيء استخدامها"، ولكنه يؤكد أن"هذا الوضع محل اهتمام الوزارة، من خلال لجان طبية مختصة تعكف حالياً على درس الحالات والعمل على تفادي وقوع مثل ذلك مستقبلاً". وبحسب وزارة الصحة، فإن متعاطي"الكولونيا"هم من مدمني الكحول لخمس سنوات وأكثر، وهو ما يتماهى مع استطلاعات إدارة الشؤون الوقائية في إدارة مكافحة المخدرات، التي تؤكد أن مدمني الكولونيا هم مدمنو خمر سابقون، ولكنهم يعيشون حال عوز وفقر، بعد أن فصلوا من وظائفهم وساءت أوضاعهم المادية، وباتوا لا يجدون قوت يومهم، وبالتالي، ما يشترون به المسكر، فيضطرون إلى تعاطي"الكولونيا"التي تعد بديلاً رخيصاً وفعالاً، يحتوي على نسبة كبيرة من الكحول تصل إلى 75 في المئة. ويقول مدير الشؤون الوقائية وبرامج الدعم الذاتي في إدارة مكافحة المخدرات عبدالإله الشريف، إن 98 في المئة من متعاطي"الكولونيا"هم من الفقراء والمعدمين، ويصل الأمر ببعضهم إلى أن يتسول في الشوارع للحصول على جرعته اليومية من"الكولونيا". ويطالب الشريف بتشكيل لجان وفرق طبية متخصصة، لدرس هذه الظاهرة وأسبابها، والتركيز على الجانبين الوقائي والتوعوي، لإيضاح مخاطر مثل هذه السلوكيات على الفرد والمجتمع.