تشير كل المعطيات العسكرية والسياسية إلى أن إسرائيل قرَّرت توسيع هجومها البري في جنوبلبنان من أجل تحقيق اختراق ميداني لأهداف سياسية ومعنوية أكثر منه لأهداف عسكرية وعملانية بحتة.ويبدو أن قادة الدولة العبرية يلهثون وراء أي تقدّم أو عملية يمكن أن يسموها نصراً أو ما يشبه النصر، وذلك من أجل إنقاذ هيبة الجيش الإسرائيلي وسمعته، ومن أجل رفع معنويات جنوده وضباطه الآخذة في الانحدار نتيجة عجزه لأول مرة عن (إهداء) نصر صاعق وساحق لقادة دولة إسرائيل، على الرغم من أن هؤلاء امتلكوا زمام المبادرة في هذه الحرب التي يشنونها ضد لبنان ومقاومته, إذ إنهم هم الذين حدَّدوا توقيتها ومداها والأسلحة المدمرة المستخدمة فيها.ويبدو أن (الجيش الذي لا يُقهر) عجز حتى الآن عن تحقيق ما أملت به الطبقة السياسية في إسرائيل، في وقت أصبحت فيه حكومة أيهود أولمرت في عجلة من أمرها لإحراز أي نصر مهما كان بسيطاً أو ضئيلاً, لأن من الواضح أن المجتمع الدولي لن يستمر في تقديم الضوء الأخضر لهم لتنفيذ العمليات العسكرية في لبنان إلى ما لا نهاية. كما أن الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليين غير مستعدين لمعركة طويلة.وتكذب الوقائع الميدانية يومياً طموحات قادة الكيان الصهيوني، فبعد يوم واحد على إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت في كلمته أمام رؤساء بلديات المدن الشمالية لإسرائيل: (إننا لن نوقف الحرب إلى أن يزول تهديد ضرب إسرائيل بالصواريخ، وعودة الجنديين الإسرائيليين، وإلى أن تنعموا بالأمان)، انهالت على المدن الإسرائيلية مئات الصواريخ التي طاولت مدناً وأهدافاً لم تصلها من قبل، وشعر المستوطنون اليهود أن الأمان الذي يعدهم به أولمرت ليس أكثر من أضغاث أحلام.وفيما ذكر أولمرت أن الحملة العسكرية المستمرة منذ 20 يوماً أدت إلى إضعاف حزب الله بشكل كبير، حيث شهدت تدمير مراكزه القيادية والكثير من مستودعات الصواريخ التي يملكها، وجّهت المقاومة اللبنانية عدداً قياسياً من الصواريخ إلى شمال إسرائيل، وإلى عمق وصل إلى مدينة بيسان، لتكذّب بذلك ادعاءات هذا المسؤول الصهيوني المتغطرس الذي يتخبط في مأزق لا يعرف كيف يخرج منه.ومما لا شك فيه أن إسرائيل ومن ورائها أمريكا سيستمرون في هذه الحرب ويصعدونها أكثر وأكثر كلما بدا عجزهم عن حسمها واضحاً، فقد أكد الرئيس السابق للموساد إفراييم هاليفي في حديث لزميلة روسية من وكالة نوفوستي الرسمية، أن (العمليات العسكرية ستستمر إلى أن يصبح واضحاً أن أحد الطرفين انتصر على الآخر)، وآمل أن يصبح الوضع في المنطقة بعد أسبوع مغايراً لما هو عليه الآن. وقال محلِّل عسكري إسرائيلي في حديث لهذه الزميلة لقد جاء ردنا على عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين غير متوقع بالنسبة لقيادة حزب الله التي تكبّدت خسائر كبيرة، ولكن من الصعب تحويل النجاح العسكري إلى نصر رمزي. ومن الصعب بالنسبة للجيش الإسرائيلي أن يحدّد تلك النقطة التي يمكن أن يعلن عن إحراز النصر عندها، ومن الصعب تحويل النجاح العسكري إلى نصر رمزي. وطلب المحلّل العسكري عدم الكشف عن اسمه لأنه استدعي الآن للخدمة في الجيش.وأضاف أن تصريح أيهود أولمرت حول منع رايات حزب الله من أن ترفرف مرة أخرى في جنوبلبنان لم يأت مصادفة.وعلى الرغم من كل هذه التصريحات المكابرة والمهددة، فإن إسرائيل ليس فقط ما زالت بعيدة عن الوصول إلى إحراز أي نصر رمزي، بل إن صورة قوة الردع التي كانت وما زالت تتغنى بها أصبحت مهتزة إلى حد كبير، وهذا ما سيترك تأثيره بكل تأكيد على المواجهات المستقبلية مع الفصائل الفلسطينية المسلحة في الداخل. فالجيش الإسرائيلي الذي يحاول التقدّم على عدة محاور في وقت واحد في الجنوباللبناني يتعرض لخسائر فادحة يصعب عليه إخفاء أثرها بالكامل حتى الآن، وما زالت صواريخ حزب الله تتساقط على المستوطنات الإسرائيلية. ويبدو التخبط واضحاً في مواقف وخطط القيادة الإسرائيلية، فقد غيّرت القيادة الإسرائيلية أهدافها أكثر من مرة، إذ تراجعت عن إعلانها الأول في بداية الحرب الذي قالت فيه إنها تسعى إلى نزع سلاح حزب الله أو تدميره بالكامل، لتتحول في وقت لاحق إلى الاكتفاء بإبعاد مقاتليه عن الحدود الإسرائيلية ونشر قوة دولية مكانهم!وأدت المجازر المتنقلة التي ارتكبها جيش الحرب الإسرائيلي، سواء بحق المدنيين اللبنانيين في مناطق ومدن وبلدات مختلفة, أو بحق المراقبين الدوليين التابعين للأمم المتحدة في بلدة الخيام إلى كشف طبيعة هذا الجيش ووحشيته وعنصريته. وقال الخبير العسكري الإسرائيلي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: تخسر إسرائيل معنوياً بغض النظر عما سيؤول إليه الوضع.وعلى الرغم من أن ما يسمى بالمجتمع الدولي بدا متعاطفاً مع الدولة العبرية في حربها في البداية، إلا أن الوضع أخذ في التغيّر شيئاً فشيئاً بعد انكشاف دور إسرائيل السافر في الخطط الأمريكية الرامية لبناء شرق أوسط جديد، فأي دولة عربية أو إسلامية أو أوروبية لا يمكن أن تقبل بولادة هذا الشرق الأوسط الجديد على يد الدبابات والمقاتلات الجوية الإسرائيلية التي تدك المدنيين اللبنانيين بحممها وتهدم الطرق والجسور والمنشآت المدنية. لقد أصبح من الواضح الآن أن إسرائيل ستستمر في عملياتها العسكرية بغض النظر عن نتائجها الميدانية، وذلك إلى أن يتم نشر قوات دولية في منطقة النزاع، إذ إن الرأي السائد في تل أبيب يميل إلى الاعتقاد أن الولاياتالمتحدة قادرة على تحقيق نصر سياسي دبلوماسي لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي يفوق ما يمكن أن يحققه جيشها من انتصارات ميدانية يبدو عاجزاً حتى الآن عن إحراز أي منها.من الأكيد حتى الآن أن تل أبيب وواشنطن تسعيان إلى إبعاد حزب الله من منطقة الحدود مع إسرائيل، وهما تعملان لتحقيق هذا الهدف ليس فقط بالوسائل العسكرية، بل بالوسائل السياسية والدبلوماسية أيضاً على خط موازٍ، وما محاولة إدراج اسم حزب الله في لائحة الحركات الإرهابية في أوروبا في هذا الوقت بالذات إلا خير مثال على ذلك.فالغطاء الدبلوماسي والسياسي الذي توفره إدارة جورج بوش والمحافظين الجدد في البيت الأبيض لعدوان إسرائيل، يشكِّل سابقة في العلاقات الدولية لا مثيل لها من قبل، إذ إن مجلس الأمن الدولي لم يتمكّن في بيانه الخاص بالمجزرة الإسرائيلية ضد المدنيين والأطفال في بلدة قانا من إدانة لإسرائيل لأسباب لم تعد خافية على أحد. ويقول مندوب روسيا الدائم لدى الأممالمتحدة فيتالي تشوركين إن ممثلي الولاياتالمتحدةالأمريكية رفعوا كل ما يمكن أن يلقي ظلاً على إسرائيل . ويؤكِّّّّّد أن المزيد من أعضاء مجلس الأمن بدؤوا يستاؤون من استعداد الولاياتالمتحدة لمعارضة أي قرار يمارس ضغوطاً على إسرائيل، وليس أعضاء مجلس الأمن وحدهم مستائين من الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل، بل إن الرأي العام العالمي في مختلف الدول بدأ يعبر عن استيائه من عدوان إسرائيل وهمجيتها، إذ أكد استطلاع للرأي أجراه مركز دراسات الرأي العام لعموم روسيا على أن حوالي نصف المواطنين الروس يحمّلون إسرائيل وحلفاءها المسؤولية عما يحدث في الشرق الأوسط. ويرى 23 بالمائة من الذين شملهم الاستطلاع أن إسرائيل هي المسؤولة عن بدء الحرب مع لبنان، في حين يلقي 21 بالمائة مسؤولية ذلك على الولاياتالمتحدة وحلفاء إسرائيل الآخرين. وحمّل 14 بالمائة و13 بالمائة من الذين شملهم الاستطلاع حزب الله وحركة حماس على التوالي مسؤولية الأحداث في حين أشارت أصابع 5 بالمائة إلى سوريا وإيران، و4 بالمائة إلى الحكومة اللبنانية. وقال 28 بالمائة من المواطنين الروس الذين استطلعت آراؤهم إن جميع الأطراف المشاركة في النزاع تتحمّل مسؤولية ما يحدث في الشرق الأوسط حالياً. ويرى 39 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع أن ما يجري في الشرق الأوسط هو عبارة عن مواجهات بين إسرائيل من جهة وتنظيمات فلسطينية ولبنانية إرهابية من جهة أخرى، (هنا يبدو دور الإعلام الروسي الداعم لإسرائيل واضحاً). وذكر 26 بالمائة أن إسرائيل تقوم بعدوان ضد لبنان المسالم مقابل 17 بالمائة يرون أن المتطرفين الفلسطينيين واللبنانيين والإيرانيين يخوضون حرباً ضد إسرائيل المسالمة. واستصعب 18 بالمائة من الذين استطلعت آراؤهم التعليق على ذلك.