في مجالسهم لا بد وأن يتكلموا عنهن، إما بسرد قصص مختلفة عن نقص عقولهن كما يدعون، وغرابة طباعهن، أو يتندرون على من تستطيع زوجته أن ترهبه وتعيده لحظيرتها رغماً عنه، وهم يرون أن كمال الرجولة ليس في مواجهة الفرسان والتغلب عليهم بقدر تحجيم دورها في حياتهم.. يستمع لهم لكن خياله يأخذه عنهم وعن حكاياتهم ومواقفهم البطولية معهن إلى حيث تكون هي.. هذه المخلوقة الرقيقة التي ملأت حياته بكل المتناقضات، ويتذكر.. في الصباح هي ريح عاتية تعصف بكل السكون الذي خلفته ليلة نوم هادئ.. (يلا.. أذن للصلاة.. أقام وأنت لا تزال نايم) ومن غير المستبعد أن تسحبه سحباً من فراشه إن وجدت في نفسه بعض الجرأة على تمييع ما تقول أو تأخير تنفيذه.. الأولاد أيضاً لهم نصيب من هذه الريح العاتية التي تقتلعهم اقتلاعاً من فرشهم بنبرات لا يمكن إلا أن تطاع.. ويستمر في تخيل الموقف بعد الصلاة وعند الاستعداد للخروج من البيت، وكيف تبدأ معه بمسلسل المتابعة والمراجعة وما عليهم أن يفعلوا.. تبدأ بالفطور الذي تفرضه فرضاً عليه، وعلى أولاده بطريقتها التي لا يمكن ردها ثم بتذكيره بكل التفاصيل.. (لا تنس مصروف الأولاد.. ولا تنس جوالك.. شنطة العمل أيضاً لا تنسها.. البس الجاكيت اليوم الدنيا برد.. غير غترتك والبس الشماغ أنسب.. أخذت الأوراق اللي قلت ذكريني فيها؟) إلى آخره من التفاصيل التي لا يعرف كيف تستذكرها كل صباح دون أن تنسى شيئاً منها.. بعد خروجه والأولاد من البيت تتحول الريح العاتية إلى نسائم.. مليئة بالحب والاهتمام والخوف عليهم.. في العمل لا بد من اتصال منها إما تذكره بمواعيد انصراف البنات من المدارس حتى لا يؤخرهن كعادته أو مجرد (سلبطة) يشعر أنها تشتاق فقط للحديث معه.. في الظهيرة هي أمهم جميعاً لا تفرق بينهم في توزيع اهتمامها أو الحرص على راحتهم وتهيئة البيت كله ليرتاح الجميع بعد عناء يوم عمل بما فيه. لكنها تتبدل مرة أخرى بمجرد الانتهاء من صلاة العشاء تصبح مزاجية وغير منصفة (يا ابن الحلال مشنا ومشي الأولاد.. ما غير حابسنا في البيت.. لو أنهم أصحابك كان طرت لهم طيران) إلى آخره من عبارات الضغط والإلحاح التي لا يجد بداً من الرضوخ لها.. ورغم أن خروجه بهم من البيت جاء رغماً عنه إلا أنه لا بد وأن يضحك ويشعر الجميع بحجم سعادته وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور ستحل عليه، ولا بد أيضاً من أن يكون كريماً في كل شيء وإلا فالمقارنة بما كانت عليه في بيت أبيها جاهزة وطبعاً في غير صالحه دائماً.وقت النوم. يتذكر كيف يتبدل حالها إلى نهر من الحنان.. كل فرد من أسرته يشعر أنه المدلل وأنه حظي منها بما لم يحظَ به غيره من الحب والحنان وتطييب الخاطر ما يجعله ينام نوماً هانئاً قرير العين.. المشكلة أنه لا يرى حياته بدون ضوضائها وبدون متابعتها وبدون تسلطها واستسلامه لها.. وعدم قدرته على مواجهتها.. فهي في نهاية الأمر الحياة التي تمنى أن يرزق بها رغم ما يسمعه في مجالسهم وتحقق دعائه فيحمد الله أن جعلها قدراً في حياته حتى وإن قال عند أصحابه ما يقولون.. والله المستعان [email protected]