في كلمته التاريخية والأولى أمام مجلس الشورى تحدث خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- حديث القلب والوجدان، وكعادته في مثل هذه المناسبات فقد بعث الأمل وبث الطمأنينة في النفوس، وبشر بالخير الذي يسعى إلى تحقيقه دائما بسخاء وتوكل ورجاء. وجاءت عباراته الصادقة المعبّرة منهجا ونبراسا لسياسات الدولة الداخلية والخارجية، حيث أكد الاستمرار على نهج التطور الذي دأبت عليه المملكة، ومواصلة مسيرة تحرير الاقتصاد، ومحاربة الفساد الذي خطت فيه البلاد خطوات ملموسة، مؤكدا الالتزام بنشر العدل والمساواة بين أبناء الوطن كافة دون تفرقة أو تمييز. الكلمة الضافية للمليك أشارت إلى ضرورة التحرك بعزم ورؤية واضحة، وتطلع واع إلى غد مشرق يكون إيقاع خطواته منسجما مع وتيرة التحرك العالمي من حولنا ومواكبة تطوره المدهش، وكما عهدنا من ملكنا دائما، حرصه على راحة المواطن وتوفير وسائل العيش الكريم له، فقد أكد -حفظه الله- العزم على توفير السكن والعمل والتعليم والعلاج لكل مواطن في إطار السعي لتحقيق التنمية الشاملة، وتحقيق سعادة المواطن ورفاهيته، ومكافحة الفقر، وليس غريبا على خادم الحرمين - أيده الله- فهو نصير الفقراء والمتفقد لأحوالهم، المتلمس لاحتياجاتهم وأوضاعهم، وقد رآه المتابع في الداخل والخارج وهو يتنقل بين مساكن الفقراء والمحتاجين متحسسا جوانب حياتهم في مبادرة منه تنم عن الإدراك العميق لعظم المسؤولية، ولم تغفل تلك الكلمة الرصينة الوافية نهج المملكة القويم والواعي تجاه السياسة النفطية، حيث طمأن العالم على الالتزام بالاستمرار في السياسة المعتدلة في الإنتاج والأسعار، وحماية الاقتصاد الدولي من الهزات التي قد يتعرض لها جراء تذبذب إنتاج وأسعار النفط، ووازنت الكلمة ما بين العلاقات الدولية، والعلاقات العربية والإسلامية، بحيث تحفظ العلاقات الخارجية في مجملها الإخاء، والصداقة والتعاون ونشر السلام العادل الذي يحفظ كل الحقوق. وجدّد المليك المفدّى من خلال كلمته التي تفيض أملا وثقة، العزم على القضاء على الفئة الضالة من الإرهابيين القتلة، ومكافحة الفكر التكفيري وذلك بالفكر السليم، وحيّا الجنود البواسل حماة الدين والوطن وترحّم على الشهداء مبشرا بالنصر المبين، ولم يكتف المليك -حفظه الله- بإصدار التوجيهات السديدة من المنصات فقط، بل أكد أنه سيكون في المعترك مع المواطن في مسيرة البناء قائلا: (ستجدوني إن شاء الله مخلصا لديني ثم لوطني صادقا معكم وفيا للعهد أخا وأبا وصديقا صادقا، سأكون بينكم في السراء والضراء في المسيرة الواحدة لإعلاء كلمة الإسلام ورفعة الوطن وذلك من خلال المتابعة الدءوبة والرعاية والتوجيه بالآراء السديدة والدعم المتواصل). بدت الكلمة التاريخية في مجملها نهجا شموليا استند على مبدأ الحقوق والواجبات على الصعيد الداخلي، أما خارجيا فقد برهنت تمسك المملكة بالأخوة العربية الإسلامية رغبة في إعادة الأمجاد السابقة، واضطلاعها بدورها في الحفاظ على توازن الاقتصاد الدولي بصفتها إحدى الدول المؤثرة والفاعلة في الحراك الدولي. وخرجت عبارات خادم الحرمين -حفظه الله- وهو يخاطب رجال الشورى، مليئة بالصدق، معبّرة، دقيقة وواضحة، تنم عن إدراك ووعي ودراية كاملة بكل ما يستحوذ على اهتمام المواطن.. وتؤكد حضور الملك عبدالله -أيده الله- ومتابعته عن كثب لكل ما يدور في خواطر المواطنين، وما يشغل بالهم، بل وهموم العرب والمسلمين، وكذلك اهتمامات السياسة الدولية وأولوياتها، وكان يحمل لكل ذلك الوصف الدقيق والتشخيص السلم والدواء الناجع، بحكمة ورويّة وثقة وأمل في النجاح والوصول إلى الأهداف المبتغاة.. هكذا تكون المكاشفة، والشفافية وسياسة الباب المفتوح.. والقلب الكبير الذي يحتوي الجميع بالحب والحنان والوفاء، ويسعى إلى ما فيه سعادة الجميع.