في أي اقتصاد تتنوع توجهات الأفراد في استخدام وتشغيل فوائضهم المالية، فمنهم من يتطلع إلى تشغيل ذي عائد مرتفع ويتقبل بالتالي درجة مخاطرة مرتفعة، في المقابل هناك من لا يقبلون بدرجة المخاطرة العالية، ويفضلون عائداً أقل ولكن أكثر ضماناً. لذلك يوجد من المستثمرين من يفضل الاستثمار في الأسهم، ويوجد من يفضل الاستثمار في الودائع الادخارية أو الآجلة. ولكن برز في الآونة الأخيرة الكثير من المستثمرين من لا يرغبون في الاستثمار في سوق الأسهم رغم عائده المرتفع، وذلك نظراً لارتفاع درجة مخاطرته، فضلاً عن أن الاستثمار في هذا السوق يحتاج لدرجة مهارة عالية قد لا يمتلكها الكثيرون من المستثمرين. أيضاً برز كثير من المستثمرين لا يفضلون الودائع الآجلة إما لأسباب تتعلق بعدم قبول فكرة العائد الثابت شرعياً، أو نتيجة لصعوبة تسييلها، فضلاً عن كون عوائدها غير جذابة. لكل ذلك، ظهرت صناديق الاستثمار خلال السنوات القليلة الماضية كخيار أمثل يلبي كافة رغبات هؤلاء المستثمرين، فمن ناحية هي لا تحتاج لمهارات شخصية، حيث يقوم متخصصون بإدارتها، كما يفترض أنها ذات قدرة عالية على تسييل وحداتها، كما أنها خلال العامين الأخيرين حققت عوائد جذابة للمستثمرين فيها، فضلاً عن افتراض أن تكون ذات مخاطرة تقع بين المتوسطة وأعلى من المتوسطة قليلاً، ولكن ليست عالية. بمعنى أنها تمتلك العائد المناسب ودرجة المخاطرة غير المرتفعة وتعطي للمستثمرين إمكانات كبيرة للتحول إلى سيولة نقدية، لذلك فقد تزايدت أصول هذه الصناديق، وذاع صيتها, لدرجة أن كثيراً من الأفراد الذين لا يمتلكون مدخرات نقدية ذات قيمة مهمة اتجهوا خلال الآونة الأخيرة لتسييل عقاراتهم أو ممتلكاتهم رغبة في الحصول على العائد الجذاب والمضمون عند الاستثمار في هذه الصناديق. إلا أنه بداية من 26 فبراير ومع حدوث حركة التصحيح في سوق الأسهم السعودي أصبح المستثمرون في صناديق الاستثمار يتخوفون من الخسائر التي قد تلحق الصناديق بشكل مشابه تماماً لتلك الخسائر التي مني بها المستثمرون في سوق الأسهم. إن سوق الأسهم يعد من الأسواق التي تتسم باحتمالات عائد مرتفع في ظل درجة مخاطرة عالية، لذلك فربما يكون من المنطقي أن يعاني مستثمروه من خسائر مرتفعة بعد فترة طويلة من الأرباح الخيالية، ومن ثم فإن خسائرهم لها ما يبررها اقتصادياً. بالتحديد، نسعى إلى مناقشة فرضية الاستثمار الآمن في صناديق الاستثمار، ومدى سريانها بعد أزمة التصحيح القاسية التي تعرض لها سوق الأسهم السعودي، وتحت افتراض ارتفاع درجة المخاطرة في الاستثمار في الصناديق، وبخاصة صناديق الأسهم، فمن هو المسئول: الفرد المستثمر أم الصندوق؟ * ما هو مفهوم صندوق الاستثمار؟ تقوم فكرة صندوق الاستثمار على تأسيس محفظة استثمارية تأخذ شكل الصندوق، يقوم هذا الصندوق بتلقي أموال الأفراد واستثمارها إما في أسواق الأسهم أو العملات أو السندات أو أسواق النقد أو الصناديق المتوازنة، وتقوم فكرة توجه الفرد المستثمر لصناديق الاستثمار على اعتبار أن هذه الصناديق تمتلك مقدرة ومهارة عالية لا يمتلكها هو في إدارة وتشغيل الأصول المالية والنقدية، تمكنه من تحقيق عائد مناسب في ظل درجات مخاطرة مختلفة. * ما هي أنواع صناديق الاستثمار؟ تصنف صناديق الاستثمار حسب تأسيسها إلى صناديق مؤسسة داخل السوق المحلي، وصناديق مؤسسة خارج السوق المحلي، كما قد تكون هذه الصناديق مفتوحة أو مغلقة. أما من حيث النوع، فتصنف إلى صناديق مخصصة للأسهم، وهي تنقسم إلى صناديق للأسهم المحلية وأخرى للأجنبية، وصناديق مخصصة للسندات، وهي تنقسم إلى صناديق للسندات المحلية وأخرى للأجنبية، وصناديق مخصصة لأدوات النقد، وهي تنقسم إلى صناديق لأدوات النقد المحلية وأخرى للأجنبية، وصناديق للأصول الأخرى سواء المحلية أو الأجنبية. * ما هي أبرز خصائص صناديق الاستثمار في السوق السعودي؟ حسب إحصاءات 2005، يغلب على صناديق الاستثمار في السوق السعودي شكل الصناديق المؤسسة داخل المملكة، حيث تبلغ 99% من إجمالي الصناديق، وأن نحو 99% من الأخيرة تعد صناديق مفتوحة. ومن ناحية أخرى، فإن نحو 65.3% من إجمالي الصناديق داخل المملكة هي صناديق في الأسهم المحلية، وأن نحو 14.4% مخصصة للاستثمار في أصول محلية أخرى، أما النسبة المتبقية (20.3%)، فهي موزعة بين أسهم وأدوات وسندات أجنبية. بمعنى أنه يمكن القول بأن صناديق الاستثمار السعودية هي في الغالب صناديق للأسهم المحلية. النمو الهائل في أعداد المستثمرين في صناديق الاستثمار: بشكل مشابه لنمو سوق الأسهم السعودية على مدى العامين الأخيرين، نمت صناديق الاستثمار على نحو مقارب، حيث ارتفع عدد صناديق الاستثمار من 84 صندوقاً في عام 1996 إلى 199 صندوقاً في عام 2005م، كما ارتفعت قيمة إجمالي أصولها من 38.6 مليار ريال في عام 2000 إلى 136.9 مليار ريال في عام 2005م. ويفسر هذا النمو الهائل بالإقبال الكبير من الأفراد على الاستثمار في هذه الصناديق، حيث زاد عدد المشتركين فيها من 45.1 ألف مشترك في عام 1996 إلى 568.2 ألف مشترك في عام 2005م (جدول رقم 1). التغير في توجهات الصناديق بتركيزها على الاستثمار في الأسهم المحلية... هل لتلبية رغبات المستثمرين أم سعياً منها وراء الربح؟ لقد طرأت تغيرات كبيرة على التوجهات الاستثمارية لصناديق الاستثمار بالنسبة لتوزيع أصولها ما بين أصول محلية وأجنبية (جدول رقم 2). بل حدثت تغيرات كبيرة بالتحديد في تركيز توجهاتها الاستثمارية إلى الأسهم المحلية، حيث ارتفعت نسبة السيولة التي تستثمرها هذه الصناديق في الأسهم المحلية من 3.5% في عام 2001 إلى 64.9% في عام 2005م. هذا ومن الصعب تقرير هل حدث هذا التغير في التوجهات الاستثمارية لتلبية رغبات المستثمرين أم هو لتحقيق أرباح أعلى للصناديق نفسها، ولكن ربما في النهاية نتمكن من الوصول إلى إجابة على هذا السؤال (جدول رقم 3). * بناء على ذلك، هل الصناديق هي صناديق للاستثمار أم صناديق للأسهم؟ بداية من الآن سنغير مسمى صناديق الاستثمار لصناديق الأسهم، لأنه المسمى الذي يفترض أن تأخذه في ظل تركز 65% منها على الاستثمار في الأسهم، بل أن نسبة 14.4% التي يستثمرها في أصول أخرى غير محددة ربما لا تتصل من قريب أو من بعيد بسوق الأسهم. * لماذا هذا الإقبال الكبير على صناديق الأسهم؟ يمكن بسهولة تفسير ذلك من خلال النظر إلى الجدول التالي، الذي يوضح مدى تفوق صناديق الاستثمار من وجهة نظر المستثمرين الأفراد من حيث العائد والمخاطرة ودرجة تسييل الأصول (جدول رقم 4). «تم بناؤها بناء على مرئيات بعض المستثمرين». إن المدقق في الجدول يلاحظ مدى مناسبة الاستثمار في صناديق الاستثمار المخصصة للأسهم المحلية لرغبات المستثمرين الأفراد، فهي بدرجة مخاطرة ُيفهم أنها متوسطة، وبعائد أعلى من المتوسط. * ما هي الأخطاء التي قد يقع فيها الأفراد عند الاستثمار في صناديق الأسهم؟ بداية لا يمكن للفرد العادي غير المتخصص أن يستوعب الاشتراطات والمعايير التفصيلية التي يضعها أي صندوق استثماري، وهنا يأتي دور إدارة الاستثمار في كل بنك في الشفافية والإفصاح ليس في تقديم المعلومات - فالمعلومات بالفعل متاحة، ولكن في إيصال المضمون الحقيقي لنصوص تلك الاشتراطات، ونحدد هنا بعض أوجه الأخطاء التي قد يقع فيها الفرد العادي عند توجه للاستثمار في الصناديق: أولاً: منذ البداية يتعامل الفرد العادي مع مفهوم درجة مخاطرة أعلى من المتوسطة بشكل خاطئ، حيث يعدها مخاطرة متوسطة، بل ويعدها درجة منخفضة، وهو الانطباع الشائع عن كافة الصناديق بما فيها صناديق الأسهم، ولذلك فنحن نتساءل ما هي حدود أعلى من المتوسطة، فلفظ أعلى حدد سقف الحد الأدنى ولكنه لم يحدد السقف الأعلى الذي يمكن أن تكون عليه هذه المخاطرة. ثانياً: عدم استيعاب مفهوم العمولات والرسوم المفروضة على المشاركة في الصندوق. فالكثير من الأفراد يعتقد أن النسب المعلنة للأرباح (منذ بداية العام مثلاً) هي النسب التي سيحصل عليها، ولكنه بحساب رسوم الإدارة (ذات الطريقة المعقدة) قد يكتشف رقم مخالف لتوقعاته عن العائد، ففي بعض الصناديق مثلاً تفرض رسوم اشتراك 1% وهي تدفع مرة واحدة، ورسوم إدارية سنوية 1.5%، ولكنها تفرض رسوماً أخرى بعد تجاوز العائد لمستوى معين، وفي الغالب يكون هذا الرسم ذا نسبة مرتفعة، وفي الغالب فإن نسبة لا تزيد عن نحو 5 إلى 10% فقط من المستثمرين هم الذين يدركون مثل هذه النصوص المعقدة (جدول رقم 5). ثالثاً: اختيار الأفراد للصناديق المتخصصة في الأسهم ذات نسب العوائد المرتفعة في سجلها خلال الفترة الأخيرة، فعلى سبيل المثال صندوق (س) حقق عوائد منذ بداية نشأته في فبراير 2005 تبلغ 300%. في كثير من الأحيان يكون سعر وحدة هذا الصندوق مؤهلاً للسقوط أكثر منه للارتفاع. * كيف كان أداء صناديق الأسهم خلال فترة التصحيح القاسي لسوق الأسهم؟ يعرض (الجدول رقم 6) نتائج أداء صناديق الاستثمار العاملة في السوق خلال أيام 23 فبراير (قبل أزمة التصحيح مباشرة)، و29 مارس بعد التصحيح، ويوم 1 أبريل بعد الارتداد. يتضح من الجدول أن صناديق الأسهم قد حققت أرباحاً مغرية وجذابة خلال فترة انتعاشة وصعود مؤشر سوق الأسهم، حيث ارتفع أداؤها منذ بداية العام (خلال شهرين) بمتوسط يقدر بنحو 17.9%. إلا إنه مع هبوط المؤشر وانحداره منذ 26 فبراير انحدر أداء الصناديق ككل، لينخفض أداؤها منذ بداية العام في المتوسط إلى مستوى 4.9% خلال فترة تقدر بالشهر، أي أنها ارتفعت بنحو 17.9% خلال شهرين، ولكنها خسرت كافة هذه الزيادة، وأحرزت بجانبها خسارة صافية بنحو4.9%، أي خسرت نحو 20.3% خلال شهر، ومع ارتداد سوق الأسهم خلال الأسبوعين الماضيين، ارتدت الصناديق أيضا لتحقق أرباحاً، حيث ارتفعت بنحو 3.8% خلال الأسبوع الماضي. * ماذا يوضح هذا التطابق في الأداء بين سوق الأسهم وصناديق الاستثمار؟ بجانب ما يوضحه من أرباح وخسائر، فإنه يوضح شيئاً آخر أكثر أهمية وهو أن صناديق الاستثمار ترتبط بشكل رئيسي بأداء سوق الأسهم. ويمكن إبراز ذلك جوهرياً من خلال الشكل المرفق. أي أن المستثمر فيها يكاد يتحمل كافة المخاطر التي يتحملها المستثمر بشكل مباشر في سوق الأسهم، ولكن إذا كان المستثمر في الأسهم يتحمل مخاطرة عالية، فإنه يحصل على أرباح عالية أيضاً، أي أن العائد المرتفع يغطي المخاطرة المرتفعة. * هل بالفعل تعمل صناديق الاستثمار المخصصة للأسهم في ظل درجة مخاطرة أعلى من المتوسطة؟ إن المراقب لأداء الصناديق يكتشف أنها تركز على الاستثمار في أسهم المضاربة، بدليل مستوى الأرباح المرتفعة التي بدأت تحرزها خلال الشهور الأخيرة، فلا يعقل أن يحرز صندوق استثماري معدل ربح يفوق ال20 أو 30% شهرياً ولا يكون يستثمر بدرجة مخاطرة مرتفعة، وعليه، فهل يمكن القول بأن هذه الصناديق تعمل في ظل درجة مخاطرة أعلى من المتوسطة؟ إن لفظ مخاطرة أعلى من المتوسطة هو لفظ غير محدد، ويدرك المستثمرون بأن استثماراتهم في هذه الصناديق بدرجة مخاطرة أعلى من المتوسطة يبعدهم عن مخاطر سوق الأسهم المرتفعة، ولكن الواقع العملي طرح التساؤل حول الغرق بين مخاطرة صناديق الاستثمار، وبخاصة التي تشغل أصولها في الأسهم المحلية، وبين الاستثمار في سوق الأسهم مباشرة، وذلك رغم الفروق في مستوى العائد في كل منهما. * ما هي درجة الإفصاح في صناديق الاستثمار؟ بداية من مرحلة تقديم طلب الاشتراك في أي صندوق استثماري، لا يكون المستثمر على دراية بأكثر من أنه استثمر في صندوق بمسمى معين، ويديره بنك معين، وبمبلغ معين. من هذه النقطة، لا يكون المستثمر على دراية بأية تفاصيل عن الصندوق أو كيفية إدارته أو تشغيل أصوله، بل من المستغرب انك عندما تتجه إلى طلب الاشتراك في صندوق معين لا تستطيع معرفة سعر شرائك لوحدة الصندوق، لأنك تتقدم بطلب ثم يحسب لك سعر التقييم المحدد في اليوم التالي على ما اعتقد كسعر شراء، ومن ثم فالمستثمر لا يدري - في حينه- كم هذا السعر، ولا كم عدد الوحدات التي اشتراها. أيضا عندما يتجه فرد معين لبيع الوحدات التي يمتلكها في صندوق معين، فقد يتقدم بطلب البيع وهو في تصوره سعر معين -في الغالب مرتفع- للوحدة، وتحت افتراض حدوث هبوط مفاجئ وسريع في سوق الأسهم لأي سبب، فإن الصندوق سوف ينفذ طلب البيع بالسعر الجديد، والذي قد يفاجأ الفرد بأنه أقل بكثير عن السعر الذي قدم طلب الشراء للبيع على أساسه. أيضا من المعروف أن الصناديق لها صلاحيات الاقتراض بضمان ما تمتلكه من سيولة أو أسهم، واستثمار هذه القروض في تحقيق أرباح إضافية، تعرف بأرباح الرافعة، ولا يدري أحد متي وكيف وما حجم هذه القروض والأرباح المتحققة بناء عليها. أما عن أبرز الملاحظات التي يمكن أن يكون لها تأثير خطير على استثمارات الأفراد في الصناديق، والتي برزت خلال فترة هبوط المؤشر في التصحيح الأخير، هي تأخر بعض الصناديق عن تحديث أسعار تقييم وحداتها المعلنة للمستثمرين، فأنت يمكن أن تكون مستثمراً ولفترة قد تصل إلى أسبوع ولا تعرف قيمة استثماراتك. بالطبع يمكن تفسير ما حدث بالتكالب الكبير من مستثمري الصناديق على بيع وتصفية استثماراتهم حال انهيار السوق، ومع كل إعلان لنزول في قيمة هذه الوحدات، كانت الصناديق تتعرض لموجات بيع وتصفية جماعية جديدة، ولكن هل هذا مبرر لعدم تحديث العديد من الصناديق لأسعار وحداتها. * كيف يمكن أن تكون صناديق الاستثمار أداة للاستثمار الآمن؟ لكي تكون صناديق الاستثمار أداة للاستثمار الآمن، فإني أرى ما يلي: 1- إجراء تقييم يومي لأصول الصناديق. 2- تنفيذ طلبات البيع والشراء بشكل فوري، أو على الأقل احتسابها بناء على السعر ساعة (وليس يوماً) تقديم الطلب. 3- النظر في توحيد وتخفيض العمولات ورسوم الإدارة التي تفرض الآن بشكل متفاوت من صندوق لآخر. 4- الحرص على الشفافية التامة في الإعلان عن العمولات والرسوم المفروضة على المستثمرين في الصناديق. 5- الحرص على الشفافية التامة في إصدار تقارير شهرية أو أسبوعية تتضمن كيفية إدارة الصناديق لأصولها.