في هذا المقال سأقوم بكشف الإعلام الشعبي المروج للنصوص ولأصحابها والموزع لعبارات الثناء والإطراء بطريقة حاتمية. كما يبدو لي أن هذا الإعلام قام مع سبق الإصرار والترصد بالتحايل على المتلقي والشاعر في آن معا، فقد أوهمهما بنماذج شعرية وقال إنها المثال الذي يجب أن يحتذى، ولهذا شاعت نظرية التقبل عند السواد الأعظم، كما شاع تبعا لذلك المفهومان التاليان المنبعثان من تلك النظرية التحايلية؛ الأول متعلق بالنص والآخر يتعلق بكاتبه. أولاً: أصبح كل عمل يصدر يحمل علامة الجودة ما دام تحت مظلة ذلك الإعلام فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حتى شاعت ظاهرة المحاربة لكل من يخالف أصحاب تلك النصوص المقدسة إعلامياً، والنصوص تبعاً لذلك، من هذا المفهوم لم يعد أحد يجرؤ على قول الحقيقية وإنما هو يردد: (صح لسانك - رائع - مبدع) على الطريقة الببغاوية. فهل من المعقول أن كل نص متميز وأن كل شاعر مبدع؟ ربما!! ثانياً: تزكية بعض الشعراء وإعطاؤهم (صكوك التميّز) وهي ألقاب تطلق جزافاً من دون وعي أو ثقافة تقبل، فهذا (شاعر نجد) ولكم أن تتخيلوا من هو شاعر نجد؟ لن يكون كما اعتقد في ذاكرة الكثيرين، ولكن الطبيعي أن يكون شاعراً صاحب تجربة متفردة، وله علاقة خاصة في نجد، طبعا أنا لست طامعا في ذلك اللقب مع أنه مغرٍ، لأنه بكل موضوعية أكبر بكثير من تجربتي الشعرية، وليس لنجد ذكر في شعري، ولكن من ضحية ذلك اللقب؟ الضحية شاعر شعبي، هو لم يلقب نفسه طبعا!! ولكنه ضحية لإعلام غير موضوعي متسرع في حكمه أو جاهل بما يعتقد أو واعٍ مستفيد! اللقب المكاني الآخر الذي يدعو للدهشة أكثر من سابقه هو إضافة مكان لإنسان لا يمت له بصلة ثقافية أو لا ينتمي لذاكرة ذلك المكان حالياً، إنه بكل بساطة (شاعر الأندلس).. أعتقد أن يحيل المكان لصاحبه، فنتوقع أنه ابن زيدون مثلاً أو ابن خفاجة، أو أي شاعر أندلسي عاش في تلك الأرض وامتزج بطبيعتها. لكن المفاجئ أن هذا الشاعر مع احترامي له ولتجربته الذي هو ضحية إعلامية احتل الأندلس بنص واحد!! فهل يقبل ذلك عقل أو ترتضيه شريعة؟! طبعاً الألقاب كثيرة ومثيرة للجدل وأغلبها لا يثبت عند التمحيص والتدقيق، ولكن عند متابعتي لأغلب تلك الألقاب ومصدريها وجدت أنها لا تصدر إلا عن عقليتين: أ- العقلية التبعية: وهذه جاهلة لا يعتد بها ولا حكم لها. ب- العقلية النفعية: وهي عقلية واعية بما تريد، وهدفها من ذلك الترويج لمصالحها الخاصة على حساب الشعر ومتذوقيه، وبالتالي يصبح توزيع هذه الألقاب من باب السخرية بكل من حمل اللقب ومن تبناه ومن انبهر به. إنني أضع أمامكم هذا الطرح القابل للنقد الموضوعي ويعلم الله ما قصدت رمي الأشجار المثمرة، ولكنها مجرد تساؤلات حول التراث وما آل إليه وكيف تحول من جواد مطهم مهاب إلى قميء - أجلكم الله - تمتطيه السوقة وخشاش الأرض ولا يحسب له حساب. ولا أقول إلا كما قال القاسمي: يا حيرة الشعر كم يلهو برونقه قوم هم الآفة الكبرى على الأدب