اطلعت مؤخراً على ما خطه بنان الأخ بداح بن فهد السبيعي في صفحة (عزيزتي الجزيرة) يوم الاثنين الموافق 13 من صفر 1427ه تحت عنوان (في هذه الحالة يكون اللقب مستحقاً)، وأنا إذ أشكره على هذه المداخلة فإنه يسرني أن أتواصل مع القراءة الواعية عبر منبر الجزيرة المتمثل في صفحة عزيزتي الجزيرة. أولاً: إن الألقاب قيمة رمزية تطلق على الأشياء والأشخاص في هيئة طقس اجتماعي تبجيلي تكريمي، مما يكسبها قيمة عالية تلامس القداسة، بحيث إن أي مساس بها أو تساهل في إضفائها قد يفرغها من محتواها ويدخلها في باب المجاملات المكشوفة البائسة، ومن هنا تتأكد ضرورة التمسك بالصرامة في شروط إضفائها. واللقب لا يكتسب هذه الصفة إلا إذا تواطأ عليه أهل الاختصاص أذيع بين الناس انطلاقا من هذا المبدأ.. وإلا أصبح وساما مزيفا في مسرحية هزلية. (عدم تبني بعض النقاد لبعض الألقاب الممنوحة لبعض الشعراء.. كما ذكر الأخ بداح). وفي بعض الأحيان قد يلعب اللقب دور المعوض الشكلي عن الخواء الداخلي فيكون تشريفا لمن لا يستحق التشريف!! إن الألقاب عبر التاريخ توزعت حسب الميادين الحربية والفنية أو حسب المجالات كالمكانية أو الإنسانية أو الحيوانية، والامتلاك الرمزي للمكان مبرر للاختصاص به، ويكون ذلك عبر تواتر قصائد الشاعر الواحد في مكان محدد أو بسبب الإقامة فيه، ومن هنا يتبادر إلى الذهن عند سماع اللقب وقبوله سؤالان: 1- هل اختص صاحب اللقب المكاني يقول الشعر في ذلك المكان فتميز به وفاق غيره فيه؟ 2- هل كان من سكان ذلك المكان وأصبح سفيراً حقيقياً له؟ وللإجابة عن هذين السؤالين يمكن أن نستحضر مثلا ابن خفاجة الملقب ب(جنان الأندلس) باعتباره مثالا جامعا لما ذكرناه آنفاً، إذ اللقب في النهاية تتويج لمسيرة لا منطلق لها، وإلا أثار الريبة والشك. ثانياً: الأخ بداح لم يخالفني فقد جاء بأدلة تؤكد صدق ما ذهبت إليه حيث قسم متلقي الألقاب إلى قسمين: أ- قسم مختص لا يقبل الألقاب إلا بما يسندها ويرفض أي شيء لا يوافق العقل وهم المعنيون في مقالتي السابقة. ب- قسم متلق تبعي يروج لكل ما يقدمه الإعلام ويتبناه على علاته تأثراً بالحقنة الإعلامية الموجهة. ثالثاً: جعل الأخ بداح الجمهور هو المعيار.. والجمهور ليس من أطلق لقبا على الشاعر بل هو مؤيد بالتبعية.. إذا كان القبول هو المعيار فما هو معيار القبول؟ كذلك جعل الأخ بداح القبول ضمنياً ولم يجعله صريحا إذن هناك شيء مسكوت عنه فما هو؟ ومتى ينكشف هذا المستور؟ أعتقد أن الخلاف هو ما يبدد ظلمة المجاملات ويعري سوآتها. كذلك ذكر الأخ بداح أنه ما دام الجمهور راضياً، فالألقاب مستحقة.. لكن لم يوضح لنا ما نوعية هذا الجمهور؟ ومتى ما حددنا نوع الجمهور (اختياري - تبعي - نفعي...) تحددت مصداقية المعيار الذي اتبعه للقياس والحكم والتبني. وكأني به يقول سمعنا وأطعنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه. رابعاً: أعتقد أن ترك الحرية للجمهور البسيط بالتبني والتلقيب والتصويت والتقييم جعل هنا سقفاً وهمياً للإبداع حدده نوعية الشعراء الذين نسبوا إلى الإبداع دونما إبداع، ومن هذا الباب دخلت الشللية والقبلية والمحلية والإقليمية والعبث بالموروث، فأصبح الشعر الحقيقي والشاعر الحقيقي متواريا حتى إن كلمة شاعر لم يعد لها ذلك الوهج الاجتماعي والأدبي بسبب كثرة الزبد والتماهي بين الشعر والشعير. خامساً: خص الأخ بداح شاعر الأندلس ونافح عنه وتبنى لقبه وهمش شاعر نجد، فهل لذلك دلالة على ما قلت؟ فهو يرى أن هناك إمكانية لقبول لقب شاعر الأندلس على قول العامة (شيء يرقع وشيء لا يرقع) وهذا التجاهل هل يدل على أنه غير مقتنع بأحقية شاعر نجد للقب؟ أم أن المكان الموجود (نجد) له هيبة أكبر من المكان المفقود (الأندلس). ختاماً أشكر الأخ بداح السبيعي على هذه المداخلة المثرية، كما أشكر صفحة (مدارات شعبية) على تبنيها لمثل هذا الطرح آمل للجميع التوفيق. سالم الرويس/ مملكة البحرين