لقد تفضل الأخ الدكتور عبدالله الصالح العثيمين بقراءة كتابي المترجم عبر الجزيرة العربية على ظهر جمل ثم كتب نقداً عنه من ثلاث حلقات في جريدة الجزيرة الغراء, والكتاب من تأليف باركلي رونكيير الذي قام برحلته إلى الجزيرة العربية في عام 1912م, لا شك أن النقد في عالم الكتب والدراسات عامة هو الشريان الذي يبعث فيها الحياة وهو الدليل على أن العمل المنقود ترك أثراً لدى القارئ يستحق أن يعلن عنه سواء كان ذلك الأثر سلباً أو ايجاباً أو خليطاً من كليهما, وأنا من هذا المفهوم أشكر الدكتور عبدالله على دراسته التي ظهرت عن كتابي في ثلاث مقالات, كما أود أيضاً وبالتواضع المطلوب هنا أن أعبر له عن امتناني عندما اختار أن يذكر انني درّسته عندما كان طالباً في كلية الآداب, درّسته اللغة الانجليزية وأنا على كل حال لم أمارس التدريس في الجامعة إلا لفترات قصيرة متباعدة طبقاً لظروف ليس هنا مجال الحديث عنها, وانما الشيء الذي أود أن أضيفه هو أنه يحدث أحياناً أن يبز التلميذ استاذه وهو ما حاول الدكتور عبدالله جاهداً أن يظهره ولا لوم عليه فلا شيء يسعد الأستاذ أكثر من أن يتفوق تلميذه عليه, أعود الآن للدراسة نفسها وأبدأ بالعنوان, العنوان الأصلي للكتاب هو عبر الأراضي الوهابية على ظهر جمل الذي غيّرته إلى عبر الجزيرة العربية على ظهر جمل , والواقع انني سعيت قبل اتخاذ قرار التغيير هذا إلى نصح واستشارة بعض ذوي الرأي وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ولم أجد منهم اعتراضاً على تغيير العنوان, إنما أن أجعل عنوان الكتاب عبر الأراضي السعودية على ظهر جمل كما اقترح الدكتور عبدالله، فهذا غير ممكن لأن اسم المملكة العربية السعودية لم يكن قد استخدم في ذلك الوقت وهو عام 1912م,لقد قدم الأخ الدكتور عبدالله العثيمين دراسة مستفيضة وقيمة عن ترجمتي لرحلة باركلي رونكيير استحق عليه شكري وثنائي ولفت انتباهي إلى غلطات وهفوات كان حرياً بي مع شيء من المراجعة أن أتجنبها, منها مثلاً تشكيل العنوان الذي وضع فتحات على كلمة عَبرَ فجعلها عَبَرَ وهذا خطأ واضح كان يجب أن أنتبه له, ولكن الأهم من هذا هو أسماء الأماكن التي مرَّ بها الرحالة وأنا هنا أعترف أنه كان يجب أن أستعين بأحد المختصين لكن عذري هو أن المسئول في مكتبة العبيكان الذي تولى أمر الكتاب هو شاب مجتهد ومثقف أكد لي أن لديهم مختصين أكفاء في الجغرافيا واللغة العربية وأنهم سوف يقومون بالمراجعة والتصحيحات اللازمة, وهو ما لم يحصل, يتناول الدكتور عبدالله الترجمة نفسها ويعدد بعض المثالب التي يرى أنني وقعت فيها ويختار جملاً من الكتاب ويعيد ترجمتها كما يرى أنها يجب أن تكون, بدايةً أقول للأخ عبدالله ولا أظنه يجهل ما سأقوله أنه لا توجد أبداً ترجمة حرفية كاملة, والسبب أن كل لغة في الدنيا تضع معانيها الخاصة بها في كلماتها حسبما تتشكل هذه المعاني في وجدان شعوبها, بمعنى أن شيئاً بسيطاً واضحاً مثل كلمتي الشمس والقمر مثلاً نجد أن لهما معاني ودلالات تتباين لدى كل مجموعة من الناس أو مجتمع حسبما يشكلها وعي ذلك المجتمع، كما أن تلك المعاني والدلالات تتغير أيضاً على مدى الأيام في نفس البلد الواحد وبين الشعب الواحد لأن اللغة كائن حي يولد ويتطور ويموت,, ويبقى هناك دائماً الدلالات المتعددة المتعلقة بكل كلمة والتي تأتي بمعاني تختلف باختلاف النص مما يجعل الترجمة الحرفية الكاملة كما أشرنا ضرباً من المحال, فأنا عندما ترجمت كلمة Elders Of Islam علماء المسلمين لم أكن مخطئاً لأنها بالسياق الذي أتت به وما قصده الكاتب كان هذا معناها, وعلى كل حال فكلمة Elder تعني فعلاً شخصاً كبير السن ولكنها كما يعرف الذين يتقنون الإنجليزية تعني الكبير السن الذي يتمتع بالحكمة والمعرفة, كما أن كلمة Proclaiming التي يعترض أيضاً عليها الأخ عبدالله، فهي في سياق النص تعني مدعياً كما ترجمتها وليس المعنى الظاهر لها وهو معلناً كما ظنَّ الدكتور عبدالله, يقول الدكتور عبدالله في مكان آخر من دراسته أما أن أتباع الشيخ محمد أطلقوا على أنفسهم جماعة الدعوة، فأمر لم أره في كتاباتهم , وهو بهذا يرد على ما قلته في مقدمتي من أن اتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب كانوا أحياناً يطلقون على أنفسهم الموحّدون أو جماعة الدعوة , وأنا لا أرى غرابةً في إطلاق مثل هذه المسميات على أناس كانوا ضالّين ثم اتبعوا طريق الهدى، الذي بيّنه لهم الشيخ محمد ورجعوا إلى الاسلام الصحيح, وأنا هنا أُحيل الأخ عبدالله الى كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد لعثمان بن بشر الحنبلي، وعلى حاشية الصفحة الثانية من الكتاب الذي نشرته مكتبة الرياض الحديثة نقرأ ثم إن هذا الذي مَنَّ الله به على أهل نجد بعدما كثر فيهم الجهل والضلال والظلم إلخ,, هذه العبارة ربما استشكلها من لم يطّلع على الحال الأولى في نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وما صاروا عليه بعد دعوته فكانت عبادة غير الله والتحاكم إلى الطواغيت,, إلخ , ونقرأ أيضاً في كتاب تاريخ نجد لحسين بن غنام والذي حققه الدكتور ناصر الدين الأسد في صفحة 99 وفي هذه السنة ارتدّ إبراهيم,, ونقض عهد الشيخ محمد بن عبدالوهاب والأمير محمد بن سعود وقتل من أشراف بلده وقوم وجماعة هم,, لأنهم من أهل الدين ومن دعاة الإسلام , ويشير الأخ عبدالله إلى بعض فقرات أو جمل قائلاً إن الترجمة تُقرأ وكأنها كلمات إنجليزية كتبت بالعربية, وهذا حكم أتركه لمن يهمُّهم أن يقرأوا الكتاب ولكن أود هنا أن أنقل فقرة اعترض الدكتور عبدالله ليس فقط على ترجمتها، ولكن على مدلولها التاريخي ولا أظنني في حاجة هنا أن أقرر حقيقة واضحة هي أن عملي مقصور على الترجمة فقط وليس على دراسة تاريخية فأنا لست مؤرخاً ولم أحاول في ترجمتي أن أفند أو أعترض أو أصحح، تاريخياً أو غير تاريخي فهذا عمل آخر منفصل يقوم به من هو مؤهل له, والفقرة المقصودة والتي يعترض عليها الدكتور عبدالله هي: إن رغبة الاستقلال لدى المدن الحدودية وخاصة بريدةوعنيزة هذه الرغبة كانت ولا تزال قائمةً الشيء الذي لاحظه رونكيير, وفي وقت رحلته إلى المنطقة لا بد أنه كان هناك رجال أحياء ما زالوا يذكرون كفاح عنيزة من أجل الاستقلال، مما يكون ربما قوّى من رغبة أمير بريدة التخلص من ذلك الأجنبي الفضولي بدون أن يدخل عنيزة, ليس المهمُّ أن الناقد قدم ترجمته هو للفقرة السابقة ولكن أن يطالبني بما هو خارج عن الهدف الذي تصدّيت له وهو الترجمة، فهذا لا أحسبه عدلاً في قانون النقد, يقول الأخ عبدالله على أن الأهم من دقة الترجمة أو عدم دقتها هو الواقع التاريخي,, ثم يسترسل في الحديث عن أمراء عنيزةوبريدة وعلاقاتهم مع الملك عبدالعزيز, أنا لا أختلف حول الحقائق التاريخية مع الأخ عبدالله، لكنني أكرر أنني أترجم كتاباً وأمانة الترجمة تتطلب أن أنقل ما جاء في العمل المترجم، سواء كان صحيحاً تاريخياً أو واقعياً أو معقولاً أو غير ذلك, وقد ذكرت في مقدمتي للكتاب أن أولئك الرحالة يذهبون للبلاد التي يريدون اكتشافها وأدمغتهم قد تكون محشوة بأنواع شتى من المعلومات مما قد يكونون قرأوه أو سمعوه عن المناطق التي يقصدونها وكثير منهم لا يتوانون عن الاتيان بالغريب والخرافي والخيالي لجذب انتباه القارئ كما أن بعضهم قد يتعمد الإتيان بمعلومات غالباً مغلوطة وغالباً منحازة وغالباً غير متعاطفة وغالباً قصيرة النظر, ولكن هذا لا ينفي أن بعض الرحالة قد تركوا آثاراً طيبة وسجلوا ما شاهدوا بصدق وعدل, وفي كل الأحوال على من يتصدى للترجمة أن ينقل ما يترجمه بأمانة,, أما المجالات التاريخية أو أي مجالات أخرى، فهي أمور مختلفة لا تدخل ضمن عمل المترجم,