الترجمة أحد أهم أدوات التواصل بين الثقافات والحضارات، وهي جزء فعال في الإثراء الثقافي في المجتمعات، وأداة تواصل وانفتاح على الآخر. للأسف يعاني العالم العربي من نقص في ترجمة الكتب المؤثرة من الثقافات الأخرى. وتبدو عملية الترجمة عشوائية، مع نقص المؤسسات الداعمة للترجمة في العالم العربي. من المبهج أننا نلاحظ في السعودية، حركة شبابية للترجمة من شابات وشباب سعوديين، ولكنها تعتمد في أغلبها على النشر الإلكتروني، وبشكل ذاتي دون دعم من مؤسسات ثقافية، مما يجعلنا نتساءل .. لماذا يترجمون؟ كيف يختارون ما يترجمونه؟ ولماذا ينشرون ترجماتهم إلكترونيا؟، في حين أنّ الصحف والمجلات لها منافذ إلكترونية؟ ماهي الصعوبات التي تواجههم كمترجمين سعوديين؟ ومن الجهة الأخرى.. ماهو دَور دُور النشر السعودية في دعم المترجمين؟ كيف يختارون المترجم والكتاب؟ هل يثقون بترجمة الشاب السعودي المبتدئ؟. راضي النماصي ( مهندس ومترجم ومدون سعودي) (صعوبة النشر الورقي لم يكن متعلًقا بالطباعة، بقدر ما أن يكون المحتوى مختلفًا) لعل الترجمة هي الفن الوحيد الذي يعتبر أحد أشكال الكرم، وهو الوحيد الذي يكون التميز به بمقدار ما تمنح من ذاتك، إذ لا توجد فيه أي نزعة فردانية، بل إن جودة الترجمة تتناسب عكسيًا مع ظهور شخصية المترجم وأسلوب الكتابة الخاص به. لم تكن علاقتي بالترجمة أكاديمية، إذ تخرجت العام الماضي من قسم الهندسة الكيميائية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ولكن مشواري معها كان منذ أيام الدراسة هناك، وبالتحديد قبل عامين خلال شهر رمضان المبارك في مدينة الخفجي بالمملكة العربية السعودية، وأول نص كان بعنوان (لماذا نقرأ الأدب)، للروائي البيروفي الحائز على جائزة نوبل للآداب ماريو بارغاس يوسا. كان السؤال نفسه مورقاً لي منذ مدة طويلة، فالأدب أكثر أصناف الكتب رواجاً، ومع ذلك يواجه استهجانًا غريبًا عند فئة لا بأس بها من القراء. تضمن مقال يوسا إجابة رائعة وحساسة على هذا السؤال، وتنبه عن وعي واطلاع واسع على عدة معارف انتجت ذلك النص الموسوعي والثاقب. فترجمته من باب المسؤولية في المقام الأول، وكتجربة أولى بهدف المتعة؛ فلم أكن مرتبطاً بموعد تسليم لأحد. أرسلت ترجمتي للصديق العزيز فيصل الحبيني بهدف التعقيب، وإذ به يطلب مني أن ينشره مباشرة، فوافقت؛ ولم أعلم أنني سأفاجأ بتواجده في موقع عربي جديد كل فترة حتى اليوم. تابعت القيام بما أفعله عبر مدونتي الإلكترونية www.radhiblog.com وأنا أضع نصب عيني أن يكون المحتوى متميزًا وموصًلا وذا فائدة جمة للمتلقي، ففي النهاية أنا قرأت النص واكتفيت، لكنه حب نشرالمعرفة بين الناس الذي يحدوني للقيام بالترجمة إلى الناطقين بلغة الضاد بالإضافة إلى المتعة التي أجدها أثناء نقل نص ما من ضفة لأخرى، وما زالت ردود الفعل تبهجني في كل مرة أترجم بها نصاً جديداً. أما بالنسبة للنشر الورقي فلم أقتنع بإمكانيتي له إلا بعد مدة طويلة. كان النشر بحد ذاته تحدياً عسيراً، ولم يكن متعلقاً بإمكانية الطباعة قدر ما أن يكون المحتوى مختلفًا، ولم تكن الرؤية واضحة بخصوصه لظروفي الشخصية وقتها، إذ يجب أن أجد عنوانًا عظيما يستحق الترجمة؛ لذلك عزفت عن البحث عن عنوان جاهز وقررت أن أكوّن كتابا من مختاراتي الشخصية، وهنا برز تحد آخر، ففي المعارض العربية كتب مختارات كثيرة حول غالبية المواضيع، وبالتالي فلا بد أن يكون ما يجمعها مميزًا، فاخترت موضوع القراءة بسبب قصة أخرى بطلها ماريو بارغاس يوسا أيضا, وقد ذكرتها فيالكتاب، وكانت هذه المجموعة هي أول مجموعة نصوص مترجمة حول القراءة في الوطن العربي. اخترت لما جمعته عنوان (داخل المكتبة.. خارج العالم!) وقد قدم الكتاب الدكتور سعد البازعي مشكورا، ونشرته عند دار أثر السعودية دون أي صعوبات تذكر. اتضحت الرؤية حالياً فيما يتعلق بالعناوين القادمة، ونسأل الله التوفيق والسداد والقبول فيما نقدم. هديل الدغيشم (مترجمة سعودية) (تقل دور النشر العربية التي ترحب بالمترجم اليافع وتثق به ليترجم كتابا) لا أظن أن التخصص الدراسي شرط أساسي للخوض في الترجمة. المهم هو إتقان اللغة المُترجم منها (اللغة المصدر) واستيعابها وفهم أساليبها وتراكيبها اللغوية، ثم القدرة على النقل بشكل سلس وبقواعد صحيحة وسليمة للغة المُترجم إليها (اللغة الهدف). إذ أن اتقان اللغة المصدر وحده لا يكفي، فهو لاينتج إلا ترجمات ركيكة ورديئة لا لون لها ولا طعم. ومن المؤسف أن نرى تلك الترجمات تملأ رفوف المكتبات لأغراض تجارية بحتة رغم التفجر المعلوماتي في القرن الحالي إلا أن المحتوى العربي بات ضئيلا وضعيفًا، ولا سبيل لمحاولة اللحاق بالركب الثقافي سوى عملية الترجمة. لذا فإن الشعور بالمسؤولية لإثراء المحتوى العربي هو أحد الدوافع الرئيسة للترجمة. بالإضافة إلى الشغف والاهتمام الشخصي، فالعمل لا يخلو من متعة وفائدة واكتشافات جديدة دائما. إذ أن المترجم أثناء ترجمته لا يقف عند نقل النص فحسب، بل عليه البحث والاطلاع في موضوع النص مما يثري حصيلته اللغوية والعلمية، لذا أرى أن الفائدة ثنائية. وعلى ذلك أيضًا يختار المترجم المواضيع التي يؤمن بقدرته على ترجمتها ويرى إلمامه فيها، إن الترجمة ليست مجرد نقل للكلمات ومعانيها، بل هي نقل خطاب وفكرة يجب تشربها أولاً, ثم إعادة كتابتها. وبالحديث عن النشر، فبما أنني في بداية طريقي في الترجمة، حيث أن ترجماتي حالياً تقتصر على المقالات والنصوص القصيرة، فلا أجد مجلات أو صحف ثقافية تدعم النشر وترحب به. لذا أظن أن النشر الإلكتروني هو الوسيلة الأسرع والأكثر فعالية في الوقت الحاضر، حيث يسهل تداول النص وانتشاره بين القراء، بالإضافة إلى التحرر من القيود التي قد نجدها في الصحف والمجلات. وفي سياق النشر الإلكتروني، وفرت لنا مدونة "حكمة" منصة رحبة للترجمة والنشر، وأصبحت داعمًا أساسيًا للشباب. أما عملية النشر الورقي فربما أنها إحدى المشكلات الرئيسة التي تواجه المترجم السعودي حين يحاول أن يخطو خطوته التالية نحو الترجمة، إذ تقل دورالنشر العربية التي ترحب بالمترجم اليافع وتثق به ليترجم كتابا، أما الدور السعودية فلا أرى لها نشاطًا للأسف. باتت حركة الترجمة والنشر الإلكتروني نشطة مؤخرا رغم عشوائيتها، ويسعى المترجم جاهداً لانتقاء ما يثري ويمتع القارئ العربي، لذا أتمنى احتواء هذه الطاقات الشبابية واستثمارها قبل أن تنضب. أثير الوابل (مترجمة سعودية) (تعاني الترجمة من قلة دعم المؤسسات والجامعات) الترجمة هي مزيج بين متعتيّ القراءة والكتابة، فهي تتيح للمترجم الكتابة بأفكار غيره. المترجم هو سفير الحضارة وناقل العلوم، ففي عهد المأمون ولإيمانه بقيمة الترجمة وأهميتها كان يكافئ المترجم بوزن ما ترجمه ذهباً. أما في حاضرنا اليوم فالوضع مختلف، تخرجت من كلية اللغات والترجمة، جامعة الملك سعود تخصص اللغة الانجليزية والترجمة ، حيث تدربت في برنامج مدته خمس سنوات على الترجمة التحريرية بمجالات مختلفة منها الأدبية والاجتماعية والسياسية والعسكرية وغيرها مع التركيز على الترجمة الشفوية أيضاً. بدأت أترجم باجتهاد شخصي ورغبة مني في الخروج من مجال النصوص الدراسية، مشاريع خاصة متفرقة من دروس وأخبار ومقابلات واستبيانات وما إلى ذلك لجهات خاصة متعددة منذ أن كنت طالبة. الترجمة بالنسبة لي هي تجمع بين شغف الاطلاع ومتعة إعادة صياغة الجمل لتتناسب مع اللغة الهدف مع المحافظة على روح النص الأصلي، فكنت عندما أقرأ كتاب أو رواية, أترجم جزءاً أعجبني وأقارن ترجمتي مع الترجمات المنشورة لهذا الكتاب. أتاح لنا الفضاء الإلكتروني فرصة للترجمة ونشر ترجماتنا بسهولة، فالإنترنت اليوم هو الأقرب للقارئ المتلقي لسهولة الوصول للمحتوى من مقال أو مواد بصرية مترجمة ونحوها. تُصنف المواد المتاحة للترجمة التحريرية من حيث العمل عليها على نوعين فهناك الترجمة السريعة قصيرة المدى ويدخل ضمنها ترجمة المقالات والأخبار، والنوع الآخر أعمال النفس والجهد الطويل وهي ترجمة الكتب بتخصصاتها المختلفة فيؤخذ في الاعتبار تصنيف الكتاب هل هو علمي؟ أم أدبي؟ أم فلسفي؟ فكل نوع يتطلب أسلوباً خاصاً به. تعاني الترجمة أيضاً من قلة دعم المؤسسات والجامعات للترجمة. في الرياض تحديداً، هناك ثلاث كليات حكومية تُخرج مترجمات، لكن نجد أن عدداً كبيراً منهن لا يترجمن ويعزفن عن الترجمة لأسباب كثيرة إما لقلة الفرص ولأن الترجمة بطبيعتها تتطلب من المترجم أن يكون قارئاً مطلعاً ويتحلى بالصبر ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنه لا توجد هناك جهات تدعم وتنشر مساهماتها في الترجمة، وليس هناك دعم لمشاريع التخرج، وهي ترجمة كتاب بإذن من الناشر ينص على أن هذا الكتاب سيترجم لأغراض تعليمية وليس للنشر، ونتمنى أن تدعم الجامعة هذه المشاريع بشراء حقوق الكتب و نشرها حتى لا تبقى حبيسة مكاتب الكليات. عبدالله ناصر (كاتب ومترجم سعودي) (الترجمة إحدى طرق التعبير عن الإعجاب، هي فعل حب) لم يكن التخصص الأكاديمي ما دفعني إلى الترجمة بقدر ما دفعني الحب أو الشغف لترجمة بعض القصص القصيرة والرائعة جداً للأسباني خوان خوسيه مياس ومن ثم الكوبي فرخيليو بنييرا، حتى وجدت نفسي أترجم لكتاب آخرين بعض القصص والقصائد التي لم تترجم على حد علمي حتى الآن. أرى الترجمة إحدى طرق التعبير عن الإعجاب وهي قطعاً - على استنزافها الشديد للوقت والجهد - فعل حب. ربما لو كانت حركة الترجمة إلى العربية أسرع قليلاً لما راودتني الفكرة على الإطلاق. أختار ما أجده رائعاً وفقاً لذائقتي الشخصية ومن المهم ألا يكون قد سبق ترجمته، كما يهمني أيضاً أن أتمكن من تعريب القصة أو القصيدة بشكل يضمن إيصالها تماماً أو لنقل أكبر قدر ممكن لأني أتوقف فوراً عندما لا تبدو الترجمة مقنعة بالنسبة لي. لا أفكر بالنشر الورقي حتى الآن، أعتقد أنها فكرة مبكرة جداً وأن كنت قد قطعت شوطاً كبيراً في أحد الكتب. أرى أن النشر الإلكتروني لا يقيدك بنصوص معينة كما أنه لا يفرض ضوابطه وشروطه التي قد تبدو تعسفية في بعض الأحيان لتطال النص وتوجهاته أو عدد الكلمات مثلاً. لا طموحات بعيدة حتى الآن، وإن وجدت نفسي أكثر ميلاً لاقتناء بعض الكتب التي تعنى بهذا الأمر. عبدا لله فهد الغبين( شاعر ومؤسس دار أثر للنشر) (المراهنة على دعم دور النشر فقط ليست كافية لأن لهذه الدور طاقة محدودة) ظهور مترجمين سعوديين تأخر كثيراً مقارنة بالدول العربية الأخرى، على الرغم من أن الكثير من الشباب يتقنون اللغات الأجنبية. أتصور أن السبب يعود لقلة توفر الكتب الأجنبية في المكتبات بالإضافة لافتقادهم في سنوات مضت للجرأة والإقدام على خوض تجربة الترجمة. مع ظهور الإنترنت صار الوصول للكتب أسهل، وفرص اكتشاف كتب جديدة تثير شغف القراء أكبر، بالإضافة لظهور ترجمات عربية سيئة لبعض الكتب، كل هذه الأسباب كانت دافعاً مهماً لظهور مترجمين سعوديين. يتجه الكثير من الشباب لنشر ترجماتهم في الإنترنت أولاً، لأنه الطريق الأسهل للنشر، فالمسألة لا تحتاج إلا لمدونة يستغرق إنشاؤها بضع دقائق ويكون النص أمام القارئ. وربما البحث عن الثقة وقياس مدى رضى القراء عن أعمالهم قبل أن يتجهوا بشكل رسمي لدور النشر. في أثر كنّا من أوائل دور النشر التي منحت المترجم السعودي الثقة ، ونشرت ترجماتهم وقدمتها لجمهور القراء. حذرنا البعض من ذلك، واتهمونا بالمغامرة. لكنها كانت مغامرة ناجحة ونعتز ونفخر بها. ومازلنا نسعى لاكتشاف مزيد من المترجمين الموهوبيين. عملية اختيار الترجمة في دار أثر تتم بالتشاور مع المترجم. في بعض الأحيان نقوم بعرض الأعمال عليه. وإذا أعجب بها وشعر بقدرته على ترجمتها نبدأ العمل. ولا نفرض أي كتاب على مترجم لا يشعر تجاهه بألفة. وفي أحيان أخرى يقوم المترجم بترشيح الكتب وتعرض على لجنة متخصصة للموافقة عليها. العملية لا تتوقف بانتهاء المترجم من نقل النص، لكنه يعرض بعد ذلك على محرر يقوم بمراجعته وتقديم ملاحظاته للمترجم ولو استدعى الأمر تعرض على محرر ثاني وثالث. حتى تنجح حركة الترجمة في السعودية وتتطور نحتاج لوجود هيئات تدعم هؤلاء الشباب وتقدم لهم الحوافز الكافية للاستمرار.هذه الحوافز لا تقتصرعلى الدعم المادي فقط كما يظن البعض..ولكنها تشمل إقامة دورات تدريبية لإعداد المترجم، ابتعاثهم إلى معاهد متخصصة بالترجمة في أوروبا وآسيا وأمريكا. تسويق ترجماتهم في المكتبات. المراهنة على دعم دور النشر فقط ليست كافية لأن لهذه الدور طاقة محدودة، ولا يمكن أن تتحمل كل أعباء الترجمة في ظل التدهور الذي يشهده عالم النشر.