شرفت بمرافقة أستاذ الجيل الشيخ / عبد الكريم الجهيمان في سفره إلى جدة وحضور حفل تكريمه الذي أقامه بحضور عدد كبير من الأدباء والمثقفين مساء الاثنين 19/1/1421ه رجل الأعمال الشيخ / عبد المقصود خوجه بمنزله بجدة ، والذي اعتاد منذ أكثر من خمس عشرة سنة أن يكرم وجوه المجتمع مساء كل يوم اثنين ولمدة ثمانية أشهر في السنة تقريباً لذا سمي هذا الصالون الأدبي بالاثنينية , يحشد لها عدد من الرواد كل في مجاله ويتحلقون حول المحتفى به يعددون مآثره ويستعرضون سيرته العطرة ومؤلفاته المختلفة , نعود إلى المناسبة تحديداً، وقد رتب لها أن تكون في هذا الوقت وهو إقامة معرض الكتاب الدولي الأول بجدة الذي تقيمه الغرفة التجارية من 17/1 إلى 2/2/1421ه . ومنذ وصول الشيخ الجهيمان إلى جدة وهو محل حفاوة وتكريم وتقدير من الجميع ، ففي اليوم الأول هناك استقبله الأستاذ / محمد سعيد طيب رئيس اللجنة الثقافية والإعلامية بالغرفة التجارية والمسئول عن معرض الكتاب بمنزله ، حيث تناول معه الكثير من أطراف الحديث بدءاً من طلبه العلم إلى تدريسه بمكةالمكرمة منذ ما يقرب من سبعين عاماً إلى آخر مؤلفاته والظروف التي رافقته رسائل لها تاريخ وفي الليلة التالية كان الاحتفاء من رفيق دربه (عابد خزندار ) الذي جمعه بصفوة مختارة من الأدباء الشباب كمشعل السديري ومحمد الفايدي وسعد الدوسري وغيرهم ، حيث دار الحديث حول هموم المجتمع والوطن وذكريات الماضي ، ومساء الأحد الذي يليه كان احتفاء معالي الدكتور / محمد عبده يماني والذي جمع مجموعة كبيرة من أدباء ومثقفي جدةومكة ورجال الإعلام والتربية والتعليم . وفي الليلة الاثنينية المناسبة الرابعة حيث ذروة التكريم الاحتفالي والاحتفائي بهذا الرائد الكبير ، حيث استقبله الجميع بما يليق به ومكانته العلمية وتاريخه المشرف فبعد وصول المدعوين ومرتادي هذا الحفل وبعض ضيوف المعرض من الدول العربية ومن مختلف مناطق المملكة والذين لا يقل عددهم عن مائتي شخصية ،سعدنا جميعاً بالاجتماع بمن يماثلونه بالمركز والسن كالشيخ / محمد علي خزندار والد الأستاذ / عابد ، والشيخ / إبراهيم محمد الحسون أحد رجال الجمارك الأوائل وغيرهم الكثير , وقد بدأ الحفل الخطابي بكلمة مفصلة عن مؤلفات وسيرة حياة المحتفى به من المحتفي الشيخ عبد المقصود خوجه ، تلاها الدكتور / محمد عبده يماني فرئيس النادي الأدبي بجدة الأستاذ / عبدالفتاح أبو مدين فالدكتور / عبدالله مناع فالأساتذة / عابد خزندار فمحمد القشعمي فعبدالرحمن المعمر فناصر الحميدي فعبدالله محمد حسين فالشاعر / محمد سعيد عبدالرحمن ,, واختتم اللقاء بكلمة شكر من استاذنا الجهيمان مع مداخلات بين بعض الحضور والمحتفى به عن بعض المحطات المهمة في حياته . وكالمعتاد قدم المحتفي للمحتفى به قطعة من كسوة الكعبة المشرفة مكتوبا عليها اسمه وتاريخ المناسبة بالإضافة لبعض المطبوعات الأدبية الأخرى . لقد شعرت وأنا أرافق الشيخ الجهيمان في حضور هذه المناسبات لتكريمه أو وأنا اتجول معه في معرض الكتاب بفرح غامر وزهو لا مثيل له ، فقد عاد سنين عديدة إلى الوراء ، لقد كانت بعض المناسبات تستمر لأكثر من ثماني ساعات ، منها حديث جاد ، ومنها الانتقال من موقع لآخر ولم ألمس منه أو أرى في وجهه علامات التبرم أوالتعب فقد كان منتشيا في غاية السرور والفرح , أسر لي قبيل حفل التكريم أنه يحس بتأنيب الضمير لو غادر جدة دون أن يرى ثلاثة أشخاص (عبدالله عبد الجبار، غازي علي ، عبدالعزيز مشري ) , الأستاذ عبدالله عبد الجبار زميله في مدرسة تحضير البعثات عام 1360ه فقد كان العبدالجبار يدرس الأدب العربي ، أما الجهيمان فيدرس الدين ومضى على زمالتهما أكثر من ستين عاما وكان لقاؤهم الوحيد منذ أن فرقتهم السنين بعد عودة واستقرار الأول بجدة بفضل صديق الجميع عابد خزندار . كنت أحاول الاتصال بهم ، ولكن ظروفهم الصحية والانعزالية تسبب الكثير من الصعوبة ، وجاهدت مع بعض الأصدقاء لتذليل بعض الصعاب ، والإسهام في جمع شمل المحبين ، وهكذا فقد تم اللقاء الأول بالفنان / غازي علي باجرادة الذي يعد أول سعودي يدرس الموسيقى بالمعهد العالي للموسيقى (الكونسير فتوار ) بالقاهرة والذي أسسه في أوائل الخمسينات وزير الثقافة ثروة عكاشة . حيث يمر في الوقت الحاضر بظروف صحية واجتماعية اضطرته أن يعتزل أو يقلل قدر المستطاع من حضور المناسبات والصوالين وغيرها وكان من حسن الحظ أن يصحبنا الأستاذان / هاشم الجحدلي وعلي فقندش من جريدة عكاظ ، وكان الفنان غازي على معرفة سابقة بالأستاذ الجهيمان من خلال مؤلفاته وكتاباته الصحفية السابقة ،وكان اللقاء الأول وكأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن طويل ، سريعا مازالت الحواجز وتقلصت بينهما المسافات وبدأ الرجلان بالحديث بدون وسيط ، وكان الوقت ضيقا إذ كان الشيخ الجهيمان في طريقه لحفل التكريم ، فبدأ عبدالكريم يحث غازي على الخروج والاختلاط بالمحبين ويشجعه على معاودة النشاط واستئنافه ، فله مكانته وله محبوه ، وسريعا ما قام غازي ليقدم شريطه الجديد إشراق الذي يضم ثماني مقطوعات موسيقية أنتجتها شركة (حجاز كار ) حديثا ولم يجر توزيعها بعد , وطمأن أستاذنا بأنه سيوقع هذا المساء اتفاقية مع شركة لاستئناف العمل وإعادة أعماله القديمة مع تسجيل ما يستجد ، وتم الوداع على أمل اللقاء مرات أخرى ,,. أما لقاؤه مع صديقه وزميله / عبدالله عبدالجبار فقد تم هو أيضاً بصعوبة فمعرفة منزله ليس بالسهولة إلاّ للصفوة من أصدقائه ومحبيه ، رغم أنه يفتح منزله منذ غروب الشمس وحتى ساعة متأخرة من الليل . فبترتيب مسبق مع الأستاذ / محمد سعيد طيب وبمرافقة من الأستاذ / عبد الرحمن المعمر رئيس تحرير جريدة الجزيرة قبل ثلاثين عاماً ، وأحمد العرفج الشاعر والكاتب المعروف وطبعاً من استضيف مع الوالد الجهيمان الأساتذة : عبدالله محمد حسين وعبدالعزيز الصقعبي والقائد الصبور / الأخ محمد الشنقيطي وكاتب هذه السطور , وقف الجميع في مدخل منزل المقصود بالزيارة في حي الأمير فواز بطريق مكة وقرع الجرس وكان الأستاذ / الجهيمان يحاول أن يسترق الفرصة في المشي ولو لخطوات على الرصيف كجزء من برنامج يومي آل على نفسه ألا يخلفه منذ عشرين عاماً أو ما يزيد , وكان البعض يستحثه على أن يكون في مقدمة من يدخل ليبدأ بالسلام على زميله وحبيبه / عبدالله عبدالجبار . فتح الباب وهمّ الجميع بالدخول ناظرين إلى صاحب المنزل من خلف الزجاج داخل صالة الاستقبال وهو يرقبهم لابساً (بيجامته ) وفوقها الروب ، وعندما لمح الجهيمان وهو يتوكأ على عصاه ويدب في مقدمتهم خرج من داخل المنزل ليستقبله بالأحضان ويرحب به ومرافقيه ، وبدأ بروحه المرحة الساخرة يناقش ويجادل الجهيمان والجميع يرقبهما ويعجب بعلو وسمو الأسلوب الأدبي والاحترام المتبادل بينهما ، ومحاولة تذكر أوتجاذب بعض الجوانب التي تتعلق بعملهما أثناء التدريس بمدرسة تحضير البعثات قبل أن تفرقهما الأيام ، فهذا العبدالجبار يذهب كمدير للبعثات إلى مصر قبل 55عاماً وزميله الجهيمان يذهب إلى الدوادمي ولا يغادرها إلا بطلب وترشيح من زميله العلامة حمد الجاسر ليفتتح مدرسة أخرى بالخرج لأبناء عبدالله السليمان ، بعد أن امضى أكثر من سنة بالدوادمي يبيع ويشتري المواد الغذائية بحانوت متواضع . لم يسمح المضيف لضيفه ومرافقيه بالخروج إلا بعد أن أحضر لهم العشاء وقدمه وقام على خدمتهم بكل تواضع . ودعهم بالباب رغم امتلاء مجلسه بمحبيه بعد إهداء بعض مؤلفاته أو ما ألف عنه ، أو مؤلفات بعض تلامذته , وانتقل الجميع رغم الوقت المتأخر ولكنها جدة لا تنام إلاّ مع الفجر إلى ثلوثية الأستاذ /محمد سعيد طيب الذي رحب بهم وعندما عرف أنهم قادمون من عند العبد الجبار قال ليتكم أقنعتموه بحضور حفل تكريمه , بمعرض الكتاب ، لأنه رفض الحضور كعادته انكاراً للذات وهرباً من الأضواء , وهكذا استمرت السهرة مع صفوة الوجوه من رجال الأعمال وقادة الفكر والأدب وأساتذة الجامعة إلى ما قبل الفجر , بقي الثالث المرحوم عبدالعزيز مشري ورغم ما يعانيه من ظروف مرضية صعبة يعيشها منذ سنوات طويلة وهو بعناده وصبره وصموده يقهرها ويغالبها بين وقت وآخر ، فقد كان نزيل المستشفى وبالعناية الفائقة (المركّزة ) وقد حال ذلك دون زيارته , وتم الاتصال بأهله وأصدقائه وقد أقنعنا الأخ سعد الدوسري بأن الزيارة لا معنى لها فهو لا يعي إذ إن المخدر هو علاجه الوحيد ، فادعوا له بالشفاء والعافية . وهكذا غادر أستاذنا ووالدنا الجهيمان جدة وفرحته لم تكتمل وفي النفس شيء (من حتى ) وغادرنا مشري إلى الأبد فقد غيبه المصير المحتوم عنا وبقيت آثاره الإبداعية عزاء لمحبيه .