محمد عبد الرزاق القشعمي - عكاظ السعودية بعد عودته من سفر أصر الأمير يزيد بن عبدالله ابن عبدالرحمن على أن يبقى معه، فرافقه في السفرة التالية إلى أوروبا، حيث بقي بباريس ستة أشهر تعلم فيها قيادة السيارة وأعطي رخصة قيادة دولية، واشترى سيارة أصبح يقودها هناك ونتيجة لهذه الإقامة الطويلة واختلاطه بشتى الطبقات ومعرفته بكثير من عادات الفرنسيين فقد ألف كتاباً سماه (ذكريات باريس) قدم له العراقي الشهير يونس بحري، سجل فيه انطباعاته ومشاهداته وتعرف على شخصيات سعودية كان يود معرفتها، فيقول: من هذه الشخصيات ما وجدته أكبر مما سمعت عنه ومنها ما صغر في عيني ورأيت أنه لا يستحق أن يحتل ما هو فيه من مركز رسمي أو مركز اجتماعي.. وعرفت أن السفر هو الذي يظهر الرجال على حقيقتهم... ومن باريس سافرا إلى بلجيكا ومنها إلى هولندا فسويسرا فإيطاليا.. فمن نابولي عاد إلى الوطن عن طريق البحر إلى الأسكندرية.. هذه السفرات إلى مصر ثم أوروبا أتاحة لأستاذنا الجهيمان فرصاً كثيرة تفتحت فيها مداركه واتسعت ثقافيته ومعارفه.. عاد بعدها إلى الوطن بمشاعر أخرى حفزته لنقل ما تعلمه وما شاهده وعرفه من محاسن ومظاهر جيدة إلى هنا فبدأ بإصدار أول جريدة بالمنطقة الشرقية بمعاونة صديقه عبدالله المحلوق فأصدرا جريدة (الظهران) والتي تحولت بعد عدة أعداد إلى (أخبار الظهران) والتي استمرت قرابة ثلاث سنوات وكان لمقاله الشهير (نصفنا الآخر) الذي يطالب به بتعليم المرأة السبب بسجنه وإيقاف جريدته. أما ما بقي من سيرته -رحمه الله- فلا يخفى على أحد سواء في عمله الصحفي أو مؤلفاته أو ما تقلده من مسؤوليات في وزارتي المعارف ثم المالية، ومجهوده الضخم في موسوعتين لم يسبق عليهما وهما: الأمثال الشعبية في عشرة أجزاء والأساطير الشعبية في خمسة أجزاء وغيرها الكثير.. أما أعماله الإنسانية أو الخيرية فيكفي أن أشير إلى ما قاله الدكتور حمود البدر عندما كان وكيلاً لجامعة الملك سعود قبل ما يقرب من ثلاثين عاماً. (كان عبدالكريم الجهيمان يزوره بالجامعة، فكان يأتي بحثاً عن أوجه الخير بين الطلاب، حيث كان يتلمس الأشد حاجة ليغطيها أو يسهم في البحث عمن يفعل ذلك، إن كان المطلوب فوق طاقته.. وقال: إنه ترك لديه مائتي ألف ريال للصرف منها على الطلاب المحتاجين حتى لا تضطرهم الحاجة إلى قطع الدراسة..) إضافة إلى تبرعه لمركز رعاية المسنين بنصف مليون ريال قبل أن يتحول اسمه إلى مركز الأمير سلمان الاجتماعي. وكان آخرها تبرعه بمليون وخمسمائة ألف ريال لمشروع إنشاء مدرسة بالخرج قال عنها وزير المعارف وقتها الدكتور محمد أحمد الرشيد: (إن هذا التبرع السخي من الأستاذ الجهيمان ينطلق من الإيمان بأهمية الإسهام في خدمة العملية التعليمية، وإن هذه المبادرة الكريمة تدل على الوعي العميق والوفاء الصادق لهذا الوطن وأبنائه). وسبق أن كتب عنه الراحل فهد العلي العريفي قائلاً: (عرفته قبل حوالي خمسين عاماً.. كان قد فتح مكتبة صغيرة في وسط (الصفاة) بالرياض وكان يعرض فيها أنواعاً من الصحف والمجلات المصرية وبعض الكتب، وكنا مجموعات من عشاق إصدارات دار الهلال بمصر، وإصدارات أخرى نتقاطر على مكتبته لنحصل على ما نريد منها قبل نفادها، وكان يقابل رواد مكتبته بكل لطف وترحيب، كان يستوفي من رواد مكتبته قيمة مشترياتهم قرشاً قرشاً. ولكنه لا يجمعها في صناديق مغلقة أو في صرر يدفنها في الدار للعمر الطويل، ولكنه ليتبرع بها عن آخرها لعمل خيري إنساني). وأذكر إنني كنت أرافقه في أحد مواعيد برنامجه اليومي في المشي مساء كل يوم قبيل الغروب، فإذا خرجنا من المنزل فإذا بأحد أبناء شرق آسيا يمسح السيارات.. فيترك عمله ويتجه للجهيمان مسلماً عليه فيدخل يده في جيبه ويعطيه المقسوم دون أن يحس به أحد. وأثناء الأعياد أو المناسبات أزوره وغيري وقد يكون معنا أحياناً بعض أبنائنا الصغار.. فيخرج إلى خارج المجلس ويناديهم واحداً واحداً ويضع في جيب كل واحد منهم ما تيسر دون أن يراه أحداً وحتى يسمح لأحدهم بالاعتذار أو التمنع. كان رحمه الله لا يحب المتكبرين أو الثرثارين ولا يحب حضور المناسبات الرسمية.. لقد رأيته فرحاً متهللاً عندما زارني بالقاهرة أثناء معرض الكتاب بعد إقامة حفل (الرياض عاصمة الثقافة العربية عام 2000م) إذ توجه له معالي الدكتور محمد عبده يماني بعد القاء كلمة المثقفين السعوديين في الحفل الكبير.. وسلم عليه وهو في الصف الثاني دون غيره.. اعتبرها لفتة جميلة لم يكن يتوقعها وبسببها كتبت مقالاً أشكر فيه أبا ياسر -رحمه الله- فرد علي طالباً اقناع أبي سهيل بقبول دعوة صديقه عبدالمقصود خوجه لاستضافته في أثنينيته المعتادة بجدة.. وفعلاً وافق بعد تمنع ورافقتهم إلى هناك في بداية عام 1421ه واشترط علي أن يزور ثلاث أشخاص يعرف أنهم لا يخرون من منازلهم أما لكبر أو لمرض وهم: عبدالله عبدالجبار زميله في المعهد السعودي بمكة عندما كانا يدرسان هناك قبل ستين عاماً- والثاني عبدالعزيز مشري في آخر أيامه -رحمه الله- والثالث غازي علي الموسيقي المشهور.. وفعلاً تم له زيارة اثنين منهم أما الثالث فلم نتمكن لأنه في العناية الفائقة في المستشفى الذي توفي فيه بعد أيام. وقد اهتم بأستاذنا الجهيمان كل الوجوه الثقافية بالمنطقة الغربية إذ استضافته إضافة لعبدالمقصود خوجه محمد عبده يماني ومحد سعيد طيب وبكر باقادر وغيرهم. ومن بعدها اضطر إلى الموافقة لطلب أستاذنا الدكتور إبراهيم التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية بجريدة الجزيرة في أن يقبل دعوة مركز صالح بن صالح في عنيزة والذي تم في شهر شعبان 1421ه وبعدها بشهر كان تكريمه في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) حيث قلده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وسام الملك عبدالعزيز وبعدها تتالت حفلات التكريم والتقدير لهذا الرائد الكبير..