أكد خبراء الاقتصاد أن الاقتصاد السعودي أصبح قادراً على المنافسة عالمياً بعد ما حققه من طفرات على المستوى المحلي والإقليمي بفضل الرعاية الكريمة لحكومة خادم الحرمين الشريفين، مشيرين إلى أن انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية يعدّ إضافة للمنظمة كما هو إضافة للسعودية. وطالب الخبراء بضرورة أن تضع الحكومة السعودية نصب أعينها حماية المنشآت الصغيرة والمتوسطة ووضع استراتيجية لمواجهة الآثار السلبية للانضمام للمنظمة. وأوضح الخبراء أن انضمام المملكة خيار استراتيجي لا بديل له بوصف السعودية جزءاً من العالم وتتمتع بوزن اقتصادي وسياسي على المسرح الدولي وأنها الدولة الوحيدة بين دول مجلس التعاون الخليجي خارج المنظمة العالمية للتجارة رغم مكانتها الاقتصادية كأكبر مصدر للنفط في العالم. ويقول السفير جمال الدين البيومي مسئول ملف الشراكة الأوروبية والأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب أن المملكة واحدة من أكبر أربعة اقتصادات في العالم مازالت خارج منظمة التجارة العالمية وأنها الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تنضم إلى المنظمة وفي الوقت الذي باتت فيه مفاوضات منظمة التجارة العالمية عملية شاقة، حيث تتفاوض الدولة مع جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 148 دولة وتأخذ سنوات طويلة، فالصين بلغت سنوات مفاوضاتها 15 سنة وكمبوديا نحو عشر سنوات والمملكة اقتربت من 12سنة ودخولها المنظمة قريب جداً في ظل رغبة المملكة للانضمام إلى المنظمة وما تتخذه من إجراءات والانتهاء من جولة التفاوض مع الولاياتالمتحدة والتي كانت أصعبها. وأضاف أنه بموجب قانون المنظمة يحق للدول الحصول على الاستثناءات في ضوء الاعتبارات الاجتماعية والدينية والثقافية والسعودية أكدت في مفاوضاتها مع الأطراف المعنية بمنظمة التجارة العالمية أنها لها كامل الحق في منع دخول السلع المحرمة شرعاً وهو ما يتفق مع المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الجات ومنظمة التجارة العالمية، حيث لا يجوز لأية دولة عضو قبول استيراد أي سلعة أو القيام بأي عمل يخالف نظامها العام، فقد نصت المادة 20 من اتفاقية الجات على منح الدول الأعضاء حرية اتخاذ التدابير اللازمة لمنع دخول بعض السلع إلى أسواقها شرط ألا يكون هذا المنع من باب التمييز غير المبرر بين الدول وألا يكون تقييداً مقنعاً للتجارة العالمية وقد استفادت المملكة من هذا الحق ورفضت منذ بداية تفاوضها استيراد ما يصل إلى مائة مادة من بينها نسخ القرآن الكريم والكتب التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية والمأكولات المحرمة كالكحول ولحم الخنزير، فالمنظمة تبدي تفهماً للعقائد الدينية والعادات الاجتماعية وتتفهم القيود التي تفرضها بعض الدول على قطاعات معينة تعدها من صميم ثروتها القومية كمناجم النفط والذهب والمعادن الثمينة الأخرى وتطلق المنظمة على قائمة تحفظات الدول الأعضاء اسم القائمة السلبية فيما تسميها الدول قائمة الحقوق الوطنية، فالضغوط التي تمارسها المنظمة على القضايا التي تتعلق بالجوانب الاقتصادية والتجارية أكثر مما تتعلق بالقضايا الدينية. وقال البيومي: إن المفاوض السعودي نجح في الوصول إلى اتفاق مع الولاياتالمتحدة لدعم دخول المملكة للمنظمة بعد أن نجح في إزالة العقبات الموضوعة من قبل الولاياتالمتحدة للانضمام لمنظمة التجارة العالمية فالإمكانات النفطية جعلت المملكة تلعب دوراً محورياً في إستراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط وحولتها إلى لاعب دولي مهم في منظومة العلاقات الدولية يشارك بشكل فعال في منظمة الأوبك وتزود الولاياتالمتحدة بالنفط وللحفاظ على ثبات أسعاره في الأسواق العالمية، حيث تحتاج الولاياتالمتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم لإمدادات السعودية النفطية خاصة في ظل أزمة النفط التي تواجه أسواق الدول المستهلكة. ويشير الدكتور سعد حافظ رئيس الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية إلى أن إعلان انضمام السعودية إلى من ظمة التجارة العالمية بات وشيك بعد جولات المفاوضات الشاقة مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول ويتوقع الإعلان عن الانضمام مع نهاية العام الحالي ليغلق هذا الملف بعد سنوات طويلة من المفاوضات، حيث بدأت الرياض بتقديم طلب الانضمام لاتفاقيات الجات عام 1993 وجولته عام 1995 ويقوم الفريق الفني بجهد كبير من أجل إنهاء المفاوضات مع باقي الدول قبل جولة انعقاد المؤتمر الوزاري للمنظمة. وأضاف أن المملكة قامت بالإصلاحات الاقتصادية والتجارية التي تتفق مع مبادئ المنظمة، حيث قامت بالسماح للأجانب بالاستثمار في البورصة وتملكهم العقارات وخصخصة قطاعات مثل الاتصالات والتأمين وإعادة التأمين والخدمات المرتبطة بها وخدمات توزيع تجارة الجملة والتجزئة وخدمات النقل الإذاعي والتليفزيوني ووكالات الأنباء وخدمات النقل الجوي الداخلي وتتحفظ عن خصخصة الاستكشافات المعدنية وإنتاج المعادن وإنتاج النفط والمشتقات النفطية وصناعة المعدات العسكرية وصناعة المتفجرات للأغراض المدنية بالإضافة إلى التحفظ على كل الاستثمارات في البناء والعقارات في مكة المكرم والمدينة المنورة وإعداد الأغذية وتوزيعها على العسكريين والتحقيق الجنائي والأمن ووكالات السفر ونقل المسافرين وخدمات الحج والعمرة والطباعة والنشر وخدمات التعليم (التعليم الابتدائي والثانوي وتعليم الكبار) والطرق ونقل النفط عبر الأنابيب وخدمات الصيد وخدمات التمريض والعلاج الطبيعي والموظفين الصحيين والمراكز الصحية وبنوك الدم والمراكز السمية وخدمات الصرف الصحي. ويشير الدكتور عوض بديري أستاذ إدارة الأعمال بكلية التجارة جامعة قناة السويس إلى أن اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط يعدّ أكبر تحد بعد انضمامها إلى المنظمة، حيث بلغت إيراداتها النفطية 116 مليار دولار عام 2004م ويتوقع ارتفاعها إلى 150 مليار في 2005م و154 مليار في 2006م وهو ما جعل النفط يحتل ثلاثة أرباع واردات الميزانية السعودية، حيث تمثل 90% من عائدات التصدير و45% من إجمالي الناتج المحلي وهذا الاعتماد شبه الكامل على النفط يجعل الاقتصاد السعودي ضعيفاً على مواجهة التحديات العالمية والشركات متعددة الجنسيات. وأشار إلى أن انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية سيعمل على الارتقاء بالجودة والنوعية للصناعات والخدمات السعودية وتحفيز وتشجيع الاستثمارات الأجنبية داخل المملكة وتطبيق مفهوم الجودة الشاملة في الخدمات الحكومية وخصخصتها إن أمكن وتطبيق مفهوم الوزارات الإلكترونية على وجه السرعة بالإضافة إلى العائد على الشركات السعودية، حيث ستمكنها من العمل على تحسين منتجاتها للمنافسة في الأسواق العالمية والمحلية وتدفعها إلى بناء استراتيجية قوية قادرة على المنافسة، كما سيؤدي الانضمام إلى جودة السلع والخدمات وتطوير أداء الاقتصاد السعودي وتوفير السلع والخدمات للسعوديين بسعر تنافسي يناسب دخولهم وتطوير أنظمتها التجارية وتوفير فرص تجارية على المستوى المحلي والعالمي وتسوية وحل الخلافات والمنازعات التجارية بطريقة مهنية محترفة عن طريق المنظمة بطريقة تحفظ للسعوديين وشركائهم الاقتصاديين حقوقهم والاستفادة من المعلومات التجارية التي تمتلكها المراكز والمنظمات الدولية والاستفادة من الاستشارات القانونية والفنية التي توفرها المنظمة للدول الأعضاء. ورصد الدكتور مختار بربري أستاذ القانون التجاري بجامعة القاهرة السلبيات التي يمكن أن تتعرض لها المملكة من انضمامها إلى المنظمة التجارية في المخاطر التي ستواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل أكثر من 80% من المنشآت العاملة في السوق السعودية بسبب المنافسة القوية من الشركات العالمية في السوق المحلي وستكون عرضة للخسائر والإغلاق مما يتطلب العمل على وجود تنظيم إداري قوة لها وإنشاء هيئة مستقلة تعنى بشؤون المنشآت الصغيرة والمتوسطة وبيئة الأعمال الإقليمية والدولية المليئة بالمخاطر والسلبيات التي تتعرض لها بعض قطاع الأعمال السعودي مثل القطاعات الاقتصادية التي تحظى بدعم الحكومة كالقطاع الزراعي والقطاعات الصناعية التي توفر لها التمويل من خلال صناديق التنمية المختلفة في المملكة. وأضاف أن هناك ضغوطاً ستواجهها صناعة البتروكيماويات والغاز لإلغاء الميزة التفضيلية التي تتمتع بها الشركات البترولية والبتروكيماوية السعودية زيادة أسعار المنتجات الغذائية 20% سنوياً وارتفاع معدلات الدين العام للدول النامية ومضاعفة حجم البطالة والتضخم وإغراق الأسواق بمختلف السلع نتيجة الإلغاء التدريجي للدعم الممنوح من قبل الحكومات الأوروبية الأمر الذي قد يؤثر على الميزان التجاري في المملكة إلى جانب ارتفاع أسعار بعض السلع الصناعية التي يتم استيرادها من الخارج وتقليص دعم الصادرات إلى المملكة من بعض الدول مما سيزيد من سعر السلع على المستهلك وتلاشي الأفضلية الممنوحة للمقاولين والموردين السعوديين داخل السوق السعودي وفقاً لقوانين منظمة التجارة العالمية. وأشار الدكتور حسن حسني خبير مصرفي إلى أن أهم التحديات التي ستواجه المملكة من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية تتمثل في فارق الخبرات والإمكانيات مع الدول الكبرى ونقص الخبرة والمعرفة ومدى قدرة القطاعات المختلفة على المنافسة العالمية إلا أن الانضمام يمكن السعودية من تحسين القدرة في التفاوض على قدم المساواة مع الدول والتكتلات في قضايا الإغراق والمشاركة في المحافل الدولية وإعادة هندسة الإجراءات الإدارية وتثقيف العاملين ونشر الوعي مطالباً بسرعة إنشاء مراكز لخدمة رجال الأعمال عن مواضيع منظمة التجارة العالمية لتقديم المشورة اللازمة والتي تخدم تطلعات رجال الأعمال حول اتفاقيات المنظمة وإعداد الدراسات المتخصصة عن أثر الاتفاقيات على الأنشطة التجارية في سوق الأعمال السعودي وإقامة المزيد من المحاضرات وورش العمل والندوات والمؤتمرات. وأضاف أن الانضمام يعزز القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية في الأسواق الدولية ويحمي السلع والخدمات الوطنية من الإجراءات التعسفية التي قد تفرضها بعض الدول وتنمي الصادرات لضمان عدم التمييز ضدها وتهيئة الظروف المناسبة للاستثمارات الجديدة والتوسع الاستثماري بالإضافة إلى انخفاض تكلفة الإنتاج بسبب توفر بدائل عديدة من السلع والخدمات ورفاهة المواطن السعودي من خلال تحسين الجودة.