لقد انعم الله على الاحساء بكثير من العوامل والموارد الطبيعية أكسبتها أهمية استراتيجية واقتصادية عبر التاريخ,, وتعد المياه الجوفية التي كانت تنساب بغزارة من مجموعة عيون طبيعية عبر قنوات ترابية تشبه روافد الأنهار أهم تلك الموارد التي مكنت الاحساء من تبوؤ شهرتها التاريخية والحضارية,, وقد أتى على ذكر هذه الحقيقة الكثير من المؤرخين والدارسين الذين أكدوا على وفرة المياه في واحة الاحساء مقارنة بمناطق المملكة الأخرى. غير أن الاستقرار والتوازن المالي الذي عرفته المنطقة عبر التاريخ تعرض في أواخر القرن المنصرم الى كثير من المستجدات السلبية بدأت بانخفاض حاد في مناسيب المياه الجوفية تواكب مع تزايد الطلب على المياه نتيجة التوسع العمراني والنمو السكاني تلاه جفاف تدريجي للعيون التي ارتبطت شهرة الاحساء بها كعين نجم وعين ام سبعة والحارة والخدود والجوهرية فاصبح هاجس شح المياه يقلق الكثير من أبناء المنطقة في منازلهم ومزارعهم على حد سواء واختلف الناس بين مصدق ومشكك في حقيقة أن الاحساء بما عرف عن غزارة مياهها الجوفية ستعاني من شح في المياه!!. إن هاجس شح المياه في بلد أو منطقة ما يبدأ مع ظهور مؤشرات آنية أو مستقبلية تدل على عدم قدرة المصادر المائية المتاحة سنويا الوفاء بالمتطلبات المائية المتزايدة (سكانيه زراعية صناعية بيئية) من هذا المنظور ,, ما توصل إليه فكونمارك وآخرون (1989م) من اعتبار حصة الفرد من المصادر المائية المتاحة والمتجددة سنوياً مؤشرات لمدى شح المياه وذلك على النحو التالي: * مصادر مائية يمكن استغلالها لتوفير 1700م3 للفرد/ السنة أو أكثر معها يكون شح المياه نادرا ومحدودا. * مصادر مائية باستطاعتها توفير مايقل عن 1000م3 للفرد/ السنة ومعها يبدأ الأثر السلبي لشح المياه في الحد من التطور الصحي والاقتصادي ورفاهية الانسان. * مصادر مائية يمكنها فقط توفير ما يقل عن 500م3 للفرد/ السنة ومعها تكون المياه العنصر الرئيسي في الحد من الحياة. أما المعيار الآخر فقد توصلت إليه إحدى الدراسات من هيئة الاممالمتحدة حيث اشارت الدراسة الى أن الدول التي تعتبر شحيحة المياه هي تلك التي يتجاوز فيها السحب السنوي الاجمالي للمياه 40% من كمية المياه المتجددة فصليا من مختلف المصادر المتاحة,, ويلاحظ في المعايير المتبعة لتقدير شح المياه التركيز على ما يعرف بالمصادر المائية المتجددة فصليا فما تلك المصادر؟ تعرف المصادر المائية المتجددة سنوياً لبلد أو منطقة ما بأنها متوسط كمية المياه السنوية التي يمكن توفيرها أو الحصول عليها بصفة شبه دائمة من الموارد المائية التالية: 1 محصلة المياه الداخلة للبلد أو المنطقة من الأنهار أو التكاوين المائية الجوفية أو بمعنى آخر الفارق بين كمية المياه الداخلة والخارجة ضمن الحدود الإقليمية من تلك المصادر. 2 التغير في كمية المياه التي تختزن ضمن الحدود الاقليمية في السدود البحيرات التكاوين الجوفية التربة او على هيئة جليد,, والتغير السلبي في كمية المياه المختزنة يعطي مؤشراً على قدرة ضعيفة غير موثوق بها في توفير المياه بصفة ثابتة. 3 المياه الجارية فوق سطح الأرض او خلال التربة جراء سقوط الامطار بعد الاخذ بعين الاعتبار المفقود منها بفعل التبخر. 4 مياه التحلية أي تحلية مياه البحر او المياه عالية الملوحة وهذا المصدر لا يزال محدود الاستخدام لارتفاع تكاليفه. وحيث ان الجزء غير المتجدد من المياه الجوفية لا يصنف ضمن المصادر المائية المشار اليها والموثوق بها إذاً فأين موقع مصادر المياه بالاحساء من هذا التصنيف؟ اعتمدت الاحساء منذ القدم وحتى الآن كليا على المياه الجوفية في الوفاء بالمتطلبات المائية المختلفة (منزلي زراعي صناعي بيئي) التي هي عبارة عن ثلاثة متكونات جوفية يمكن تصنيفها كالتالي: أولاً/ متكون النيوجين: وينقسم الى ثلاثة متكونات (طبقات) تعرف جيولوجيا باسم (الهفوف الدام الهيدروك) وتتركز الطبقات الحاوية للمياه في كل من متكون الهيدروك السفلي والدام الوسطى ويعتبر الدام المصدر الرئيسي للمياه الجوفية في واحة الاحساء, واشارت الدراسات الى أن مياهه قديمة تعود الى 15 25 الف سنة وأن نسبة ما يتجدد منها سنويا من مياه الامطار يمثل 5 10% فقط ويعادل حوالي 2875 لتراً/الثانية. ثانياً/ متكون الخبر العلات: وهو مصدر آخر للمياه الجوفية بواحة الاحساء يقع مباشرة اسفل تكوين النيوجين غير أن إنتاجيته محدودة جداً ويقدر عمر مياهه بحوالي 25000 سنه اما تغذيته السنوية من مياه الامطار فهي الاخرى محدودة. ثالثاً/ تكوين ام الرضمة: يأتي خزان ام الرضمة مشابها لخزان (الخبر/ العلات) في قدم المياه حيث يقدر عمرها بحوالي 25000 سنة وبعمق لآباره لا يتجاوز 450 متراً تقريباً,, أما التغذية السنوية له من مياه الامطار فتقدر بحوالي 3500 لتر/ الثانية. يتضح من استعراض التكاوين الجوفية الحاملة للمياه بمنطقة الاحساء انها مياه جوفية احفورية قابلة للنضوب لكون ما يتجدد من مياهها موسميا نسبته بسيطة تقدر بحوالي 347 مليون متر مكعب تحت الظروف الممطرة وهذا الجزء القليل المتجدد سنوياً (يقدر معدله بحوالي 11م3/الثانية) يمكن اعتباره المصدر المائي الوحيد المتجدد فصلياً,أما النمط الاستهلاكي للمياه الجوفية بالاحساء فتقدر متوسطاته العامة وبشكل تقريبي على النحو التالي: - 12% للاستهلاك الآدمي او المنزلي. 4% للاستهلاك الصناعي, - 84% للاستهلاك الزراعي,كما يوضح الجدول التالي بعض المؤشرات الاحصائية التقديرية في هذا الصدد عن واحة الاحساء خلال العام 1990م. مما تقدم يتضح أن الاحساء تستهلك من المياه الجوفية ما يفوق طاقة ما سبق تعريفه بالمصادر المائية المتجددة سنويا وبنسبة تزيد بكثير عن تلك التي يمكن معها تجنب مخاطر شح المياه (40%) وذلك بالرغم من أن نصيب الفرد من المياه حسب المؤشرات المتحصل عليها لعام 1990م اقل من 1000م3 (الحد الادنى الواجب توفيره لتجنب الآثار السلبية لشح المياه) واقل كذلك من متوسط حصة الفرد بالمملكة لنفس العام (1040م3 للفرد/السنة),وفي ظل المؤشرات المذكورة اعلاه وقياسا على النمو المتوقع للسكان بالمملكة (266% من عام 1990 الى عام 2025م) يمكن الجزم بأن منطقة الاحساء ستكون عرضة لمخاطر شح المياه في حالة اعتمادها بنسبة كبيرة على المصادر المائية الجوفية وأن مؤشرات ندرة المياه أصبحت شاخصة للعيان منذ عام 1990م. ولايمكن تجاهل الجهود المتواصلة التي بذلتها الدولة ممثلة في وزارة الزراعة والمياه منذ أوائل الستينات الميلادية لدعم المصادر المائية والمحافظة عليها بدءا من إجراء الدراسات المتخصصة على المياه الجوفية بالمنطقة عن طريق شركات ومؤسسات عالميه وما تلاها من مشاريع وتنظيمات هادفة نحو تخفيف الضغط على المياه الجوفية داخل الواحة كمشروع نقل آبار الشرب من جبل أبو غنيمة إلى منطقة ويسة وحظر حفر الآبار على تكوين النيوجين والتخطيط لدعم مصادر مياه الري بمصادر غير تقليدية (مياه الصرف الصحي المعالج ثلاثيا مياه الصرف الزراعي),, غير أن تسارع التطور الحضاري والتوسع السكاني خلال فترة وجيزة من عمر الزمن إضافة إلى تداخل جهات أخرى مستفيدة من مصادر المياه الجوفية المحدودة أصلا أفقد الوزارة الكثير من آلية السيطرة على أوضاع المياه بما يتوافق مع خططها واستراتيجياتها للحفاظ على المياه الجوفية وما تحقق من نهضة عمرانية وزراعية,, ومن هنا تكمن أهمية تظافر الجهود كل على قدر مسؤوليته للتصدي لأزمة متوقعة لشح المياه قد تعصف بواحة الاحساء لا سمح الله. (إن الأرقام المشار إليها هي استنتاجات شخصية للكاتب من واقع ما أتيح له من مراجع متخصصة في هذا المجال). علي بن عبدالعزيز البو ورثان