الشيء الجميل أن بعضاً من الكتاب أحياناً يشطح بنفسه ويكشف حقيقة أمره من حيث لا يدري، ومن هنا تكون سقطة كبيرة في مقالاته.. والكتاب أنواع منهم من يكتب بموضوعية ومصداقية تحكمه ضوابط المهنة الإعلامية، يعتز بإسلامه وقيمه ومبادئه، وآخر يغرد خارج السرب فتجده ممجدا للحضارة الغربية متعطشاً لخلاقهم وقيمهم، ومروجاً لأنماطهم وأسلوب حياتهم، مستنفراً من عاداته وخصوصياته التي جعلها سبب التأخر والتخلف.. الأخ الكاتب محمد آل الشيخ كان له سرب طويل ممن يجمعه مع ثلة من كتاب الجزيرة كانوا يتغنون بالحضارة الغربية وجعلوها تحظى بالنصيب الأكبر من استشهاداتهم وأدلتهم القوية في طرحهم لقضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية بل حتى أخلاقية وسلوكية. وهذا الاندفاع المحموم الذي يتصوره الكاتب وغيره أن المواطن السعودي ما زال ضيق الأفق، محدود التفكير، قليل الثقافة، لا يستطيع أن يميز بين الغث والسمين. فربما قارئ حاذق يكشف ضحالة كاتب باهر.. كاتبنا العزيز أتحفنا بمقالة جنت عليه من حيث لا يدري والمكتوبة بعدد الجزيرة (11966) بعنوان الانبهار بالغرب. يقول (كثيراً ما يعبر بعض الكتاب (المتكلسين) خصومهم من (المتنورين) بأنهم منبهرون بالغرب وأنهم تنكروا لحضارتهم وقيمهم التاريخية والتحقوا بحضارة (العدو) الذي يسعى إلى القضاء على ثقافتهم وأحلال ثقافته محلها..) ويقول: (هذه المقولة أو قل التهمة تتردد على ألسنة عدد من (المحافظين) الذين وجدوا في التقوقع في شرنقة (الأنا) والانكفاء على الذات الثقافية...) ولي من هذه المقالة وقفات عدة: 1- الأخ محمد كثيرا ما تتسم كتاباته وأطروحاته بالمقولة المشهورة (خالف تعرف)، فالتنكر لحضارتنا وقيمنا وخصوصياتنا هي التي تميز كتاباتك ومنها نشم رائحة الاستفزاز، بل العجب بذاتك بدليل قولك (بعض الكتاب المتكلسين وأنت من الكتاب (المتنورين)، أنار الله قلبي وقلبك للهدى والتقى. 2- الكتاب (المتكلسين) كما تصفهم كانوا حقاً ممن نعتز بهم لأنهم كتاب يعتزون بحضارتهم وتاريخ أمتهم، والكاتب أو المثقف أو المفكر الذي يتنكر لحضارته وتاريخ أمته هو إنسان بلا هوية، وإذا كان بلا هوية فلا يعتد بقوله ولا رأيه ولا فكره. 3- نحن تبهرنا تكنولوجيا الغرب واختراعاته وصناعته، وهذه هي التي كانت آمالنا وطموحاتنا وهي التي كنا نتمنى أن يكون لنا السبق في الصناعة والابتكار والاختراع كما هو حال الأوائل من تاريخ أمتنا المجيد وحضارتها التي وضعت الأسس لحضارة الغرب الحالية. 4- أنت يا أخ محمد وغيرك من بعض الكتاب انبهاركم للحضارة الغربية يتمحور بالقشور والشكليات والمظاهر وظل جهدكم الكتابي منصباً على مصطلح الديمقراطية الزائفة والتي كشفتها الأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية التي أذاقت العرب والإسلام مر الشرور والقهر والإذلال. ومجدتم الحرية الغربية الكاذبة أيضاً وهي حرية بهيمة تارة وحرية مستأسدة تارة أخرى.. 5- لم نسمع مطالبة من الغرب بضرورة تشييد المصانع وإنشاء مراكز الأبحاث واستقطاب العلماء والخبراء وإغراقهم بالمال أو مناشدة منكم بضرورة رعاية الموهوبين وتشجيع العقول النابغة ومكافأة أصحاب الإنجازات العملية النادرة أو ابراز المبتكرات والاختراعات التي يقوم بها أبناء الوطن، فمثلا الإنجازات الطبية وتحديدا فصل التوائم والذي لقي إشادة دولية لم يكن له نصيب من كتاباتك يا أخ محمد، وتصنيع قمر صناعي بعقول سعودية وإطلاقه لم تنله بكلمة مدح وثناء ولو في آخر زاويتك، وشاب سعودي ابتكر مؤخرا جهاز تلفون لكبار السن والمعاقين. 6- واقعنا الحالي يحكي ويشهد أن نصيبنا من الحضارة الغربية يرتكز على قشورها ومحاكاة سلوكها وتقليد نمط حياتها. ناصر بن عبدالعزيز الرابح